استطلاع/ رشيد الحداد "لا يوجد أي عذر لأي بلد فيما يتعلق بإساءة معاملة مواطنيه وتركهم ضحايا للفساد وسوء الإدارة" بهذه العبارة الشهيرة يمكن تشخيص واقعنا الإداري المتخلف الذي أعاد إنتاج نفسه بآليات وتقنيات حديثة بفعل غياب رؤيا شاملة لإصلاح حالة الضعف والوهن الناتجة عن تجيير الوظيفة العامة وامتهان حق الآخرين في الحصول على الخدمات بسهولة ويسر كحق من حقوق المواطنة تقابله واجبات يدفعها المواطن للدولة بمقتضي العقد الاجتماعي الذي حدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وواجبات كلاهما نحو الآخر والتي أصبحت دائرة عصية على الإصلاح بعد أن مضى 11 عاما على تبني اليمن برنامج الإصلاح الإداري الهادف إلى تحسين أداء الأجهزة العامة وتجسير الهوة بين حق الخدمة والأساليب المملة والإجراءات المعقدة في الحصول عليها من تسيب وروتين وبيروقراطية سلبية وتحكم وسيطرة وسطو إلا أن هناك نماذج إدارية استطاعت أن تقدم الأفضل وتحظى على رضا طالبي الخدمة.. إلى التفاصيل. الإصلاح الإداري ليس غاية بحد ذاته بل وسيلة لتحسين أداء وجودة الإدارة العامة في أي بلد وتستدعي الحاجة إلى إجراء إصلاحات إدارية في حال تدنت إنتاجية الاداء الحكومي الإداري والخدمي لأسباب خارجة عن نطاق الضبط والسيطرة وتفشي مؤشرات الخلل والفساد والتسيب والبطء في تقديم الخدمات العامة بسهولة ويسر وبتكلفة أقل كما ينبغي أن تقدم لا استغلالها وتجييرها ودفع المواطنين إلى بذل أقصى الجهود وإنفاق مبالغ مالية كبيرة وتقديم الرشاوى مقابل الحصول على حق الخدمة التي تم احتكارها من قبل "محتلي المناصب" وهو مفهوم ارتبط بالاستعمار وموروث عن الحقب التي خضعت فيها الدول والشعوب لحكم أجنبي والذي أتاح استغلال المنصب وتحويله إلى مغنم وثروة وسلطة ونفوذ يتيح لمن يشغله حق توزيع الحقوق وحق حجبها عن مستحقيها، ورغم تبني الحكومة اليمنية لبرنامج الإصلاح الإداري منذ 98/99م إلا أن مخرجات الإصلاحات تؤكد أن ما تم تنفيذه ليس سوى نقل وتقليد يتناقض مع البيئة الإدارية المتجذرة التي من الصعب تجاوزها دون إصلاحات شاملة تبتدئ بالإنسان وتنتهي بالقوانين واللوائح والاجهزة والمعدات والتقنيات الإدارية وحال كحال مخرجات الإصلاحات الإدارية يعد إحدى الظواهر الشكلية المستوردة. النافذة الواحدة الخلل الرئيسي للإدارة العامة في اليمن لا تزيد عن توظيف الوظيفة العامة وتسخيرها للصالح الخاص والتسيب الإداري والبيروقراطية الروتينية السلبية، غياب التنسيق والعمل بإسقاط واجب شكليا لا العمل بالإدارة بالأهداف رغم أن هناك خططاً وبرامج سنوية إلا أن التنفيذ الفعلي لا يتجاوز الحدود الدنيا من الأهداف، الإشكالية الإدارية المزمنة تعود -وفق تحليل الوضع الراهن- إلى جانب قانوني وجانب تنظيمي وتكنولوجي وجانب بيئي وسلوكي وفيما شملت الإصلاحات الإدارية الجوانب التنظيمية كإعادة الهيكلة في بعض الأجهزة الحكومية وتزويدها بالجانب التكنولوجي والتقني ظل الجانب البيئي والسلوكي دون أي تغييرات فتراكمت الاختلالات السلوكية وأصابت عصب العملية الإدارية بالعجز، خلال نزولنا الميداني إلى أكثر من جهة لمعرفة مدى انسجام أداء نظام النافذة الواحدة الهادف إلى تسهيل معاملات الجمهور تلك النوافذ الصغيرة من حيث الشكل تبتدئ بالصندوق وقطع السندات وتنتهي بنافذة التسليم الهدف الأساس من وجودها تسهيل الخدمة في فترة أقصاها يوم إلى اليومين فقط إلا أن بعض المعاملات لا تنتهي بانتهاء الشهر والشهرين في بعض تلك النوافذ وهو ما يضع ألف علامة استفهام حول أسباب الفشل سيما وأن هناك نوافذ أخرى -وهي قليلة - استطاعت أن تقدم الأفضل وأن تتجرد عن سلبيات الماضي. لا لاستخدام فيتامين واو الاتجاه نحو العمل بنظام النافذة جاء متأخرا فمنذ العام 2007م بدأ تنفيذ الاتجاه في عدد من المصالح الحكومية الخدمية والإيرادية حيث دشنت وزارة الداخلية في ديسمبر من العام 2007م مجمع الإصدار الآلي في كل من العاصمة ومحافظة الحديدة كنافذتين لتسهيل خدمات الداخلية من جوازات إلى بطاقات شخصية ورخص قيادة السيارات وكافة خدمات المرور. المركزان اللذان تزامن افتتاحهما في عام واحد وتجهيزاتهما بنمط واحد شكلا نموذجا حقيقيا للإدارة العامة في اليمن، ففرص النجاح وفرص الفشل وقفت في اتجاه الداخلية الحداثي حيث سادت حساسية الاختصاصات من جانب والعائدات المالية من جانب آخر وكذلك انسجام قدرات العمل والتأهيل بين الأصل والفرع المستقل وقنوات الاتصال الشبكي بينهما، خطوات النجاح لم تسلم من الصعوبات كما هو حال أداء مركز الإصدار الآلي في العاصمة الذي حقق خطوات إيجابية في طريق الإصلاحات.. حال وصولنا المركز لاحظنا تفاعلاً نشطاً بين مقدم الخدمة وطالبها، فبمرونة عالية يتم استقبال طلبات المواطنين على الخدمة وفي كل الاتجاهات تستوقف الزائر عبارة غريبة على الأجهزة الخدمية المماثلة مفاد تلك العبارة.. جميع موظفي المجمع في خدمتك وإلى جانبها عبارة تحذيرية لا تخلو من الغرابة أيضا، حيث تحذر كل مرتادي المجمع من مغبة استخدام أي وسيط أو تقديم رشاوى.. العبارتان تحملان رؤيا ورسالة أساليب الإدارة في المجمع كغيرها من عبارات لاحظناها في نوافذ أخرى تنبه المراجعين إلى ضرورة الانتباه على ممتلكاتهم الشخصية "انتبه جيبك من السرق"، قبل أن نصل إلى المختصين أكد لنا عدد من المواطنين أن مستوى الإقبال في اضطراد على الخدمات المقدمة كإصدار جوازات وإضافة أطفال إلى جوازات السفر والحصول على وثائق شخصية كبطاقة جديدة أو بدل تالف وبدل فاقد وتغيير بيان أو تعديله ورخص قيادة وتجديدها ونقل ملكية وقطع أرقام جديدة. المساجدي: هناك عوائق فنية المقدم/ عبدالله أحمد المساجدي أفاد بأن المجمع يشهد ازدحاماً على خدماته ويعاني من بعض الإشكاليات الفنية، مشيرا إلى أن مستوى الإقبال على الخدمات في أقسام المجمع الثلاثة يرتفع من شهر لآخر وحول علاقة المجمع بالمرور والأحوال الشخصية والجوازات أشار إلى تحسن ملحوظ في الآونة الأخيرة والاوضاع مع المرور تحسنت بعد تدخل أمانة العاصمة، مؤكداً تعرض المجمع لمحاربة من عدة جهات وكذلك تواجهه مشاكل فنية بين فينة وأخرى وأكد المساجدي أن عائدات المجمع المالية تورد إلى وزارة المالية والعائدات التي تعود إلى المجمع توزع بين العاملين بالتساوي كحوافز وحول المشاكل الفنية أفاد بانها تتعلق بإصدار البطاقة الشخصية التي كانت تصدر بسهولة وتقدم بعد ساعة وفي الآونة الأخيرة يتأخر صدور البطاقة من يوم إلى يومين إلى أسبوع بسبب تأخير الأرقام الوطنية وفيما يتعلق بانقطاع الكهرباء وأثرها على مستوى الأداء وحل إشكالية الكهرباء أكد المساجدي أن مشكلة الكهرباء لا زالت دون حل والمجمع بصدد متابعة الجهات المعنية ونوه إلى نزول مناقصة لشراء مولد كهرباء خاص بالمجمع الذي "يعتمد على الكهرباء اعتمادا كليا في كافة خدماته الآلية" وبمبلغ 30 مليوناً ولم يسمح للمجمع بشراء مولد كهربائي. تفاعل وفاعلية مستوى الخدمات المقدمة من المجمع بين عامي 2008 و 2009م ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث أصدر المجمع عام 2008م عدد 19758 جوازاً و1641 إضافة أطفال إلى جوازات وعام 2009م ارتفع مستوى الخدمة إلى 28460 جوازاً و4020 إضافة أطفال وحول خدمات الأحوال المدنية ارتفعت من 17830 عام 2008م إلى 19099 عام 2009م ورخص قيادة من 15782 عام 2008م إلى 24261 عام 2009م وارتفعت أرقام الخصوصي من 4420 من 2008م إلى 7370 رقماً عام 2009م وانخفضت أرقام الأجرة الصادرة من المجمع من 3898 عام 2008 إلى 1066 رقما عام 2009م وبلغ إجمالي نقل الملكية من 490 عام 2008م إلى 819 عام 2009م وتجديدات الرخص والملكية 347 عام 2008م إلى 3654 عام 2009م، حيث بلغ إجمالي تقديم خدمات المرور في المجمع من 9155 عام 2008م إلى 12909 عام 2009م كما بلغ إجمالي خدمات الجوازات والأحوال المدنية عام 2008م 17830 عام 2008م إلى 19099 عام 2009م. أبو علي: نعمل بروح الفريق رغم المستوى الجيد في التعامل الخلاق وتقديم الخدمات للمواطنين بجودة عالية إلا أن وصاية بعض الجهات تحاول فرض نفسها على الاداء وفيما لاحظنا دلالات الرضا من قبل بعض من التقيناهم من المواطنين لاحظنا شحنات الغيرة والتذمر من آخرين علمنا أنهم يعملون في بعض الجهات التي فشلت على مدى السنوات الماضية بالحصول على رضا المواطن.. أسرار النجاح يرويها لنا النقيب عبدالله أبو علي طالب / دراسات عليا/ "إدارة عامة" الذي يعمل في المجمع والذي عزا مستوى الإقبال المتزايد إلى جودة الخدمات المقدمة من قبل العاملين في المركز الذين يعملون بروح الفريق الواحد ويشير إلى أن سقف التوقعات كبيرة للإقبال على الخدمات المقدمة ونحاول كإدارة أن نستوعب كل التوقعات سيما وأن العاملين على قدر عال من التأهيل ويمتلكون قدرات جيدة على التكيف مع ظروف العمل واختتم تصريحه بالإشارة إلى أن هناك ضغط عمل كبير يتحمله العاملون بكفاءة.. النقيب/ محمد العشاش رئيس قسم الجوازات أفاد بأن نسبة القبول على قطع جوازات تصل يوميا من 100 إلى 150 جوازا في الأيام العادية والصعوبات شبه موجودة. الشعيبي: لا تدوير ولا توصيف القضية الإدارية كما يراها الخبير الإداري/ عبدالهادي الشعيبي معقدة وتزداد تعقيدا وكل ما يتم باسم الإصلاح الإداري لا يزيد عن كونه ظاهرة صوتية، ويستشهد الشعيبي بالتدوير والتوصيف الوظيفي، مشيرا إلى أن البيت الإداري الذي يقدم الخدمة للجمهور مختل ويعامل بعقلية محتل مع طالبي الخدمة وليس كموظف عام معني بتقديم الخدمة وأضاف: المتربع على كرسي الإدارة لا يتعامل مع طالبي الخدمة كخادم ويتعامل بمن مع المواطن وفي الوقت نفسه يتعامل بقسوة مع موظفيه وإن وجد موظف فاعل وملتزم ويحمل نوايا تغيير يتعرض لشتى المضايقات وبعض المدراء يتمنون إغلاق حتى الهواء على موظفيهم وللأسف هناك من يتلذذ بتعذيب الموظف الملتزم واعتبر ما يجري من روتين وتسيب واستغلال طالب الخدمة انعكاسا للبيئة الداخلية للإدارة العامة الذي ينعكس سلبا على أدائها وأفاد في ختام تصريحه أن هناك نماذج جيدة قليلة من المدراء يتعرفون على مشاكل الموظفين أولا بأول ويعملون على حلها لكي لا تنعكس على الاداء وحول غالبية ما تسمى بالنافذة الواحدة أو وحدات خدمات الجمهور أشار إلى أن مستوى أداء خدماتها دليل على غياب الرؤيا.