استطلاع/ رشيد الحداد الدواء لم يعد بلسما للجروح والآلام وحسب وإنما داء فتاك بحياة البشر في بلد لا زال المرض فيه إرثا رجعياً من زمن ولى قبل 48 عاما حسب قول مسئوليه، بل لا زال الماضي يسود أرجاء الريف والحضر، وفي ظل فوضى سوق الدواء فرض المشعوذون والمتطببون شعبيا أنفسهم في زمن التقدم العلمي المتسارع في مجال الطب، نحن في اليمن لا نعاني من ضعف وضآلة الخدمات الصحية وحسب بل ومن خطورتها، كون سوق الدواء مرتعا خصبا للتهريب والتزوير والادوية المجهولة المصدر ومع سقوط المسئولية تنامت مخاطر إتلاف الدواء الفاسد وتخطت حدود المخاطر الصحية لتناول تلك الأدوية لتؤثر على صحة الإنسان وبيئته ومستقبله الصحي.. أكثر من شحنة دواء فاسدة وجدت على طريق عام كمشكلة لم تجد الحل.. إلى التالي: فوضى لا حدود لها بحدود العقل تسود قطاع الأدوية في اليمن، ابتداء من الاستيراد والنقل والتخزين والعرض في الصيدليات وانتهاء بالتخلص من مئات الأطنان وفق آليات قلما يوجد مثلها في العالم الثالث، ففي جميع دول العالم يتم التخلص من الادوية الفاسدة بأساليب طبية وتقوم شركات خاصة بإعادة تدوير تلك النفايات الكيماوية المتحللة من مركبات كيماوية تحللت من دواء إلى داء فتاك بالأرض والإنسان، فمخاطر التخلص التقليدي والعشوائي تفوق مخاطر الدواء المقلد والمهرب ولكن في بلد المخاطر يصبح كل مستحيل ممكناً، فالشوارع العامة في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء تتحول أثناء الليل إلى مقالب لخفافيش سوق الدواء السوداء المتعدد والمتنوع الأصناف والمتباين الأسعار، من دواء قلب وسكري وسرطان ومضادات حيوية غالية الثمن وكميات كبيرة، إلى الأنواع العقاقير المنشطة وحبوب الديزبام وغيرها من المنشطات التي تحظى بإقبال كبير من قبل شباب تائهين مدمنين، وفي ظل غياب أي دور رقابي لوزارة الصحة ومكاتبها أصبح المواطن والاقتصاد والبيئة ضحية وسوق الدواء اليمني مفتوح على مصراعيه أمام رواد السوق السوداء الذين يتاجرون بصحة المواطن اليمني دون رقيب. الكم والكيف تتحدث الأرقام عن جسامة الضرر، بدءا ب5 مليارات ريال يخسرها الاقتصاد الوطني وتذهب إلى جيوب مهربي الأدوية الذين سيطروا على 36% من سوق الدواء الذي يعتمد على 90% من مصادر خارجية ورغم تنامي الصناعات الدوائية المحلية خلال العقد الاخير إلا أنها لم تغط سوى 10%، أما ما يتم إتلافه من أدوية فاسدة خلال العام الماضي فقد تجاوز ال200 طن من الأدوية المختلفة الأصناف منها إتلاف 6 ملايين قرص كبناجون لاحتوائه على حمض الهيدروليك المجفف و5 أطنان من الادوية في العاصمة وتم حجز 1048 طرداً من الأدوية في مطار صنعاء و253 صنفاً ضبطت في المطار أيضا وتم إتلاف 15 كرتون منشطات جنسية مختلفة في ميناء المعلا عدن و200 ألف قرص كبناجون في الميناء نفسه، وتم إتلاف 7 أطنان 200 صنف من الأدوية المهربة والفاسدة في محافظة البيضاء وطن ونصف من الأدوية تم إتلافها في محافظة ريمة وكذلك 5 أطنان أتلفت في محافظة الجوف يضاف إلى ذلك مصادرة أدوية مهربة تقدر ب10 أطنان من أمانة العاصمة، تلك الكميات الهائلة من الأدوية التي تم إتلافها معظمها جاءت من مخازن حكومية وكان المواطن بأمس الحاجة إليها، خصوصا في بعض المحافظات النائية ولكن لجسامة حجمها لم يستطع بعض مسئولي المستشفيات العامة من نقلها كاملة إلى الصيدليات خاصة، فتحولت إلى نفايات صلبة وخطيرة، إلا أن ما يتم إتلافه من أدوية فاسدة لا يمثل 5% من إجمالي الأدوية التي يتم التخلص منها بأساليب لا تقل خطورة عن التهريب، حيث يتم رميها إلى أقرب منطقة خالية حتى لو كانت على مقربة من منطقة سكانية. تعددت الأساليب والداء واحد من خلال متابعتنا لما تعد مخالفة قانونية وتصنف ضمن الجرائم الجسيمة ضد المجتمع حسب المادة 53 من قانون حماية البيئة اليمني رقم 26 لسنة 1995م تبين أن مهربي الأدوية داخل العاصمة يعتمدون عدة أساليب لإخفاء معالم الأدوية الفاسدة منها أسلوب إخفاء كافة الملامح الخارجية للدواء من تاريخ إنتاج وصلاحية وبلد المصدر واسم الشركة المصنعة والوكيل في السوق اليمني، بالإضافة إلى تفريغ الأدوية في أكياس تقليدية أو كراتين تعود لمنتجات غذائية ورميها في المناطق العامة في وقت متأخر من الليل، الأسلوب الآخر لا يختلف كثيرا عن الأول بل تتضاعف أضراره البيئية والصحية، حيث يسعى رواد التغذية العكسية للتهريب إلى رمي كميات من الشحنات الفاسدة في مكان وتقسيم الشحنة على عدة مناطق، أما الأسلوب الثالث فيتمثل بحرق الأدوية في مناطق خالية. أحد المهربين سعى للتخلص مما يقارب الطن من حبوب الديزبام وعقاقير أخرى تستخدم لمرضى القلب بغباء، حيث فرغ كل الأدوية من محتواها الأساسي لإخفاء ملامحها ثم نقلها إلى شارع الخمسين الذي يربط مديرية بني مطر بحدة وفي منطقة خالية في ساعة متأخرة من الليل رمى 7 أكياس كبيرة عبوة 40 كيلو من الحبوب وسط الشارع بشكل مطب وفي منطقة قريبة من قسم العشاش رمى ب150 كيلو من حبوب فوار فاسدة تبين أنها تحللت نتيجة التخزين السيئ، يضاف إلى ذلك كراتين تحتوي على إبر مجهولة المصدروأدوية مختلفة الأصناف وبكميات كبيرة. شحنة عصر تلحق بالعشاش ليلة الخميس الماضي أقدم مجهولون على التخلص من شحنة دواء فاسدة في منطقة عصر في ساعة متأخرة من الليل بحكم العادة ولكن كانت الشحنة تحتوي على أكثر من 250 صنفاً من الأدوية المختلفة، وكميات الحبوب فيها قليلة مقابل سوائل وإبر ومراهم مختلفة ونظرا لكبر الكمية فقد فشلت النيران في إخفاء معالمها قبل شروق الشمس وظلت حتى عشية الجمعة، حينها لاحظ أحد العاملين في مكتب الأشغال العامة في بني مطر ما تبقى من كميات دواء فاسدة مضى على انتهاء صلاحيتها عدة سنوات، وتلبية لشكاوى عدد من المواطنين تواصلوا معنا مساء الجمعة اتجهنا صوب الجهات المعنية لمعرفة ما وصفه المواطنون بكارثة بيئية قد لا يحمد عقباها وخلال وصولنا موقع الحدث قيل لنا إن موظفي الأشغال في بني مطر ضبطوا ما تبقى من دواء واستمرت عملية الضبط وإخلاء الدواء من المنطقة عدة ساعات، إلا أننا لاحظنا آثار حريق لكمية كبيرة من الدواء. الصغير: ضبطنا طنين وفي المكتب علمنا أن صحة البيئة توصل إلى معرفة أصحاب الدواء وأنهم عثروا على سندات ووثائق تدين عدة شركات وصيدليات، كما أن عددا من الواقفين خلف شحنة الدواء الفاسدة علموا بضبط الأدوية وتواصلوا مع المكتب بعد ساعات، وبعد فشل المساعي لطمس المعالم استخدموا لغة التهديد والوعيد، وفي الطابق الأسفل للمكتب لاحظنا ما تبقى من الشحنة القاتلة والتي تقدر ب250 كيلو من مختلف الأصناف، مدير عام قسم صحة البيئة بمديرية بني مطر محمد عبده صغير أفاد بأن الكمية الدوائية التي ضبطت لم تكن الأولى وأشار إلى أن المكتب يتحفظ على طنين من الأدوية وبعض المواد الغذائية الفاسدة التي يتم ضبطها في المحلات ولكن الأدوية يتم التخلص منها بطرق عشوائية وضارة بالصحة العامة، حيث يتم رميها بالشارع بعد إخفاء كل الملامح الخارجية للدواء ونجد بين فينة وأخرى أكياساً كبيرة تحتوي إما على دواء أو حبوب دوائية ولكننا لسنا مختصين لكي نعرف نوعيتها ومدى مخاطرها، كون ذلك من مهام وزارة الصحة ومكاتبها، وأضاف إن هذه الشحنات تأتي من مخازن كبيرة خاصة بالأدوية المهربة ويقف خلفها نافذو السوق السوداء، وأضاف: الشحنة الأخيرة وجدناها في عصر بكميات كبيرة وحاول عدد من أصحاب الصيدليات إحراقها في ساعة متأخرة من الليل على جانب الطريق العام ودورنا كصحة بيئة يكمن في ضبط ومتابعة الجهة المختصة والنيابة ولأول مرة نجد فواتير تدين الواقفين خلف هذه الشحنة الفاسدة. السماوي.. نفايات خطرة علي محمد السماوي موظف بمكتب الأشغال في مديرية بني مطر أفاد بأن مهربي الأدوية وبعض أصحاب الصيدليات الذين يتاجرون بصحة الناس يسعون إلى التخلص من النفايات السامة في منطقة عصر مستغلين العطل الرسمية والليل ومثل هذه الظاهرة ارتفعت في الأشهر الأخيرة وأصبحت تهدد حياة سكان عصر والبيئة في المنطقة. مكتب بني مطر بلا إمكانيات من خلال تواجدنا في مكتب الأشغال لاحظنا نقصا حادا في الإمكانيات، حيث يمتلك المكتب وسيلة نقل واحدة نوع قلاب وعدد من الموظفين الذين أكدوا لنا أنهم في أغلب الأحيان يواجهون مقاومة شرسة أثناء تأديتهم لعملهم فضلا عن حاجة المكتب لتعزيزات أمنية، كون المنطقة تحت استهداف النهابة الجدد لأراضي المواطنين والنافذين من الوزن الثقيل الذين يتعمدون القيام ببناء عشوائي خلسة في الليل، ويقع المكتب في الخط الأمامي لمواجهة مهربي الأغذية والأدوية. وعود صحة صنعاء لم تتحقق وباعتبار دور مكتب الأشغال معني بضبط المخالفات التي تقع في نطاق عمله كرمي المخلفات وإحراقها، اتجهنا يوم الأحد الماضي صوب مكتب الصحة بمحافظة صنعاء وخلال وصولنا وجدنا سيارة من نوع "دينة" على متنها 25 كرتوناً من الأدوية تم ضبطها في ساعة متأخرة من ليل السبت الماضي في نقطة ضروان في المدخل الجنوبي للعاصمة وبحسب إفادة رجال الأمن الذين رافقوا الأدوية المهربة إلى المكتب كونه المختص علمنا أن الأدوية كانت قادمة من العصيمات تم تغطيتها بكمية من القات حتى لا يتم اكتشافها ولكن ظلت الأدوية في باب اليمن حتى الساعة الواحدة ظهرا لعدم تواجد المختصين، وخلال لقائنا بمدير عام التفتيش والرقابة في صحة صنعاء لمعرفة أسباب تزايد عمليات التهريب العكسي للأدوية ورميها في المناطق المأهولة وشبه المأهولة بالسكان طلب منا بلاغا رسميا وحال تقديم الدليل على ذلك وعدنا بالنزول والتواصل مع مكتب الأشغال العامة في بني مطر، إلا أن ذلك الوعد لم يتحقق حتى يومنا هذا. قانون الدواء في جوف البرلمان الأسباب الرئيسة للفوضى غير أخلاقية التي تشهده سوق الدواء اليمني تعود في غالبيتها إلى تعدد الجهات المسئولة عن دور الرقابة والإشراف والتفتيش الدوري للصيدليات والمخازن، فمنذ 35 عاما أنشئت الهيئةالعامة للأدوية التي أعيد تنظيمها عام 79م بهدف تنفيذ عملية استيراد الأدوية وفي عام 99م صدر القرار الجمهوري رقم 233 بإعادة تنظيمها باعتباره الجهة المسئولة عن تسجيل واستيراد وتحليل ومراقبة الأدوية المستوردة لليمن كما تقوم بالإشراف على نقل الأدوية من دول المصدر إلى الموانئ اليمنية وعملية تخزينها وفقا لشروط التخزين، ولكن المسئولية سقطت بسقوط الضمير الطبي وتوزعت بين عدة جهات أسهمت جميعها بتحول الصيدليات إلى المنفذ الأخير للعبث بصحة المواطن البسيط. الجدير ذكره أن مشروع قانون الصيدلة والدواء الذي يراهن عليه الكثير في ضبط حالة الفوضى التي يشهدها قطاع الدواء لم ير النور منذ 2005م. رمي النفايات جريمة جسيمة النفاية حسب قانون حماية البيئة نفاية أو أشياء أو منقولات يجري التخلص منها بطرق غير صحية وشدد على معالجة تلك النفايات والتخلص منها وفق أسس علمية حديثة ووفقا لقانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 94م المادة 140 فإن عقوبة من عرض عمدا حياة الناس أو سلامتهم للخطر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 10 سنوات وإذا ترتب على ذلك العمل موت إنسان فتكون العقوبة الإعدام حدا. بلاغ للرأي العام إن مثل تلك الأعمال التي يقوم بها مهربو الأدوية أكان من إدخال كميات كبيرة إلى الأسواق أو رمي تلك النفايات تهدد حياة كل مواطن يمني وعلى الرغم من فداحة الضرر إلا أن غياب الدور الرقابي جعل من صغار المهربين مراكز قوى يستحوذون على 36% من السوق اليمني.. فمن المسئول؟؟الحماسي.. سقوط أخلاقي محمد الحماسي مدير عام الأشغال العامة بمديرية بني مطر وصف تلك الممارسات بالسقوط الأخلاقي وأضاف نحن بدورنا حرزنا عينات من الأدوية الفاسدة وأرسلنا عينات منها إلى المعامل الخاصة لمعرفة الأضرار والأثر البيئي لتلك الشحنة، وأضاف: سبق لنا أن ضبطنا كميات من الأدوية الفاسدة في منطقة العشاش وجدت مرمية على قارعة الطريق وكانت مخفية المعالم وأخرى تعود لعدة شركات خارجية دون معرفة الوكيل المحلي وكما يتضح أن معظم تلك الأدوية مهربة ومزورة، وأكد محمد الحماسي أن عددا من مسئولي تلك الشحنة المهربة والفاسدة تواصلوا مع المكتب في اللحظات الأولى من الضبط وحاولوا دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل الصمت وبعد الرفض حاولوا تهديدنا أكثر من مرة.. وطالب الحماسي جميع الجهات المعنية التعاون مع المكتب للقضاء على تلك الظواهر الخطيرة.. وحول إمكانيات المكتب أشار إلى أن عدد العاملين فيه 3 موظفين وأن إيرادات المكتب وصلت إلى 15 مليوناً وتمنى على قيادة المحافظة دعم المكتب الذي يبذل جهودا كبيرة رغم شحة الإمكانيات ويواجه صعوبات كبيرة في آن واحد.