نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    استمرار انهيار خدمة الكهرباء يعمّق معاناة المواطنين في ذروة الصيف في عدن    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى الصرخة ووقفات تضامنية مع غزة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    إعلان عدن التاريخي.. نقطة تحول في مسار الجنوب التحرري    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزعات السيطرة الإمبريالية.. هل تنتج حركات تحرر وطني مجددا؟
نشر في الوسط يوم 29 - 12 - 2012

في الحلقة السابقة من هذه المعالجة، استعرضنا استعراضا سريعا لعوامل وأسباب وظروف نشأة الحركة الاستعمارية الأوروبية القديمة وسيطرتها على الكثير من شعوب العالم الثالث المتخلف في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ثم مرحلة انحسار الحركة الاستعمارية بفعل نشوء حركات التحرر الوطني ونجاحها في تحقيق هدف الاستقلال الوطني وإقامة سلطات حكم وطنية في ظل ظروف الحرب الباردة العالمية، وتطرقنا إلى عودة شكل من أشكال الهيمنة الاستعمارية الجديدة بوسائل ناعمة وغير مباشرة عبر الإخضاع الاقتصادي والسياسي للبلدان المستقلة حديثا، مستخدمة في تحقيق هدفها الجديد في بعض، أو غالب، الأحيان الأسلوب التآمري بتدبير انقلابات عسكرية وتصفية زعماء وطنيين وقادة تاريخيين أرادوا انتهاج التنمية الوطنية المستقلة عن الارتباط بدوائر وسياسات القوى الاستعمارية القديمة والدول الغربية الكبرى، وانتهينا بتسليط أضواء خاطفة على مؤشرات عودة السيطرة الاستعمارية مجددا بتكرار الوسائل المباشرة للإخضاع والسيطرة المعتمدة على استخدام القوة العسكرية الغاشمة والمباشرة وفرض الإخضاع السياسي والاقتصادي الكامل على دول العالم الثالث التي ظلت تحاول الإفلات أو التمرد على أساليب ومحاولات تلك السيطرة الحديثة.
وأسسنا على ذلك الاستعراض لمراحل السيطرة الاستعمارية القديمة والحديثة والمعاصرة، تساؤلا حول إمكانية إعادة التاريخ لنفسه بنشوء حركات تحرر وطنية جديدة على غرار سابقتها وإن برؤى ووسائل وسبل جديدة ومختلفة ومتطورة بحسب مقتضيات وظروف مرحلة التطور التاريخي والحضاري الراهنة؟ وذلك إعمالا للقاعدة الطبيعية القائلة بأن كل شيء يولد نقيضه حتما وهو أحد القوانين الرئيسية المسيرة للحياة والتاريخ.
والواقع استنادا إلى وقائع وأحداث التاريخ الحديث، يمكن وصف أي بلد من البلدان بأنه واقع، فعليا، تحت السيطرة الاستعمارية، إذا توفر شرطان أساسيان، الشرط الأول: ويتمثل بدخول وانتشار وتمركز قوات عسكرية أجنبية مسيطرة على أراضيه وسمائه ومياهه، والشرط الثاني: المعتمد على الشرط الأول، ويتمثل بفرض إرادتها، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وتحكم تلك الإرادة على السيادة الوطنية والإرادة الوطنية التي تصبح خاضعة للإرادة الاستعمارية وأداة ومبررة لها وواجهة للتغطية عليها، وتزييف وعي الشعب بحقيقتها.
وبإسقاط هذين الشرطين الأساسيين على واقع الحال السياسي الراهن في اليمن، يمكننا القول بأن اليمن بات من الواضح أنه يخضع، بهذا الشكل أو ذاك، لسيطرة استعمارية مباشرة من قبل أمريكا، وحلفائها الغربيين أو المنظمات الدولية الخاضعة، أساسا، لنفوذهم العالمي، والمؤتمرة بأوامرهم، فالقوات العسكرية الأمريكية بعتادها وأسلحتها الضاربة تتدفق على اليمن وتنتشر وتتمركز على امتداد الأرض اليمنية، في قواعد عسكرية داخل العاصمة وبعض محافظات البلاد، وداخل مياهها الإقليمية، وطائراتها العسكرية تقصف وتضرب متى شاءت وأينما شاءت وتتسبب في سقوط ضحايا مدنيين أبرياء دون معقب أو حسيب، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية في صنعاء يتحرك ويعقد اللقاءات المكثفة والمستمرة بمسئولين وغير مسئولين، ويدلي بالتصريحات والمواقف حول صميم المسائل الوطنية الداخلية، حتى أصبح، من وجهة نظر قطاع واسع من اليمنيين وأحزابه ومنظماته وشخصياته، بمثابة (الحاكم الفعلي الأول) لليمن، وبات معلوما ومعلنا، بأن الملفات الحساسة والخطيرة المتعلقة بقضايانا الوطنية الكبرى، كعملية إعادة هيكلة وبناء الجيش والأمن، والاقتصاد والمال، والحوار الوطني الشامل، والدستور الجديد، وأيضا تحديد وتقرير طبيعة وشكل ومضمون الدولة اليمنية الحديثة المنشودة برمتها، تتوزع مسئولياتها وإدارتها أمريكا وحلفاؤها من الدول الغربية والمنظمات الدولية الرديفة لها، كل ذلك، مما هو ملموس ومتحقق بالفعل في أرض الواقع، وهو يضع اليمن، شئنا أم أبينا، تحت السيطرة الاستعمارية المباشرة والكاملة، أو فلنقل، بلغة ملطفة أكثر، تحت الوصاية، في الوقت الذي نرى، بالمقابل، وبكل أسف وحسرة، بأن دول هذه السيطرة الاستعمارية أو الوصية، لا تقوم بأي أعمال أو جهود جادة وملموسة في اتجاه معالجة مشكلات الوضع الاقتصادي والمالي شبه المنهار وتحسين مستوى الخدمات الأساسية والضرورية شبه المنعدمة، ومحاربة الفساد، والتخفيف من مشكلات الفقر والبطالة المتفاقمة في البلاد، وضبط الاختلالات الأمنية وانتشار فقدان الأمن والأمان والاستقرار المتسارع الانتشار والتوسع في عموم اليمن، والشروع بعملية تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تحتاجها اليمن كضرورة ملحة وعاجلة، كل ذلك وكأن دول السيطرة والوصاية الكاملة على اليمن لا يهمها سوى إحكام سيطرتها وبسط تحكمها العسكري الأمني السياسي الشامل على اليمن، أما المسئوليات والواجبات التي يفرضها عليها ويحتمها ليس قيمها ومبادئها الأخلاقية فحسب، بل والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات والأعراف الدولية المرعية، فإن كل المؤشرات والوقائع على الأرض تشير إلى أنها ليست معنية أو مهتمة بها، المهم إحكام سيطرتها وقبضتها، عبر قواتها العسكرية وسيطرتها السياسية، أما حاضر ومستقبل ومصالح الشعب اليمني واحتياجاته الأساسية فليذهب كل ذلك إلى الجحيم دون أن يرمش لها جفن!! ولم يقتصر الأمر أو يتوقف عند هذا الحد، بل إن الجميع يرى ويلمس عمل تلك الدول الاستعمارية المسيطرة وحرصها الدؤوب على حماية وتثبيت وتمكين ودعم مراكز قوى الفساد والتخلف والفوضى عسكرية وقبلية وسياسية، والإبقاء على هيمنتها وتحكمها وتأثيرها المعوق لمسيرة الدولة ومطالب التغيير وسير الأحداث، بهدف الحيلولة دون إحداث التغيير الجذري الشامل في البلاد وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة المؤسسات والقانون والمواطنة والحقوق المتساوية، وإعادة بناء الجيش والامن على أسس ومعايير علمية ووطنية حديثة وفعالة!!
هذا هو، إذن، واقع بلادنا السياسي الراهن، بكل أسف، نطرحه اليوم بقدر كبير من الموضوعية والتجرد، دون تعمد التجني أو الإساءة لأي طرف أو جهة داخلية أو خارجية، ومنه نواصل حديثنا من حيث انتهى في الحلقة السابقة حول إمكانية نشوء (حركة تحرر وطنية يمنية حديثة)، كرد موضوعي على الواقع السياسي المفروض على الشعب اليمني بقوة السلاح والهيمنة، وما إذا كانت الظروف الموضوعية السائدة، اليوم، ناضجة ومهيأة لهذا العمل الوطني التاريخي؟ وكيف، وبادئ ذي بدء أقول مؤكدا بأن الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا اليمني الثائر وطلائعه الوطنية وقواه الحية من أحزاب ومنظمات وتكتلات شبابية متحفزة وكيانات اجتماعية وشخصيات بارزة، لا تختلف في رؤيتها لواقعنا الراهن وبأن بلادنا باتت، على نحو أو آخر، تخضع لحالة من الاحتلال والاستعمار الأجنبي عسكريا وسياسيا وأمنيا بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض، عدا بعض الجماعات والقوى والأفراد التي تتقاطع مصالحها ومنافعها الذاتية الخاصة مع مصالح ومنافع القوى المسيطرة والمتحكمة بمقاليد الأمور في بلادنا.
من ناحية ثانية، واستنادا إلى مقتضيات وحدة الرؤية المشار إليها في النقطة أعلاه، فإن الجميع مطالبون باعتبار الواقع المستجد والمفروض على بلادنا وشعبنا والمتمثل بحقيقة السيطرة الاستعمارية، بإعادة النظر بمضامين وسلم أولويات برامج عملهم السياسي الوطني، وذلك باعتبار واقع السيطرة الاستعمارية الجديدة على بلادنا، التناقض السياسي الوطني الأول الذي يفرض عليها اعتبار واجب ومهمة إنجاز عملية التحرر الوطني أولوية أولى تسبق وتعلو على كل ما عداها من أولويات وطنية.. وإعادة ترتيب وتكييف حركتها وأنشطتها ونضالها السياسي وفقا وعلى أساس تلك الأولوية الأولى، وهذا يفرض عليها، وفقا لفقه وقوانين الأولويات الوطنية، تغليبها على كافة المتناقضات والأولويات الأخرى وتجميد كل الخلافات والتباينات السياسية والبرامجية فيما بينها، بهدف حشد وتعبئة وتوجيه كل طاقاتها وقواها وإمكانياتها نحو هدف التحرير باعتباره أول الأولويات قاطبة.. من ناحية ثالثة، وبناء على النقطتين آنفتي الذكر، فإن الفكر السياسي السليم، يفرض عليها الشروع فورا في إجراء اتصالات ومشاورات وحوارات جادة ومسئولة بين كافة أطرافها ومكوناتها، تهدف إلى إقامة صيغة "تحالف جبهوي واسع وعريض" طوعي واختياري يقوم على برنامج سياسي عام لإنجاز "مهام ومتطلبات مرحلة التحرر الوطني"، وهو تحالف سياسي جبهوي واسع يتأسس على الطوعية والاختيارية لا يتعارض مع إبقاء كل أطرافه ومكوناته وقواه على أطرها وكياناتها الحزبية والتنظيمية الخاصة بكل واحد منها كما هو في برنامجه وأنشطته وفعالياته وحركته، وإسهام ومشاركة كل منها بما يفرضه عليها "برنامج إنجاز مرحلة التحرر الوطني" المشترك من واجبات ومسئوليات وأدوار جماعية لتحقيق الاهداف المشتركة والمتفق عليها، وكما هو معلوم لدى الجميع ومتعارف عليه في "التحالفات الجبهوية" فإن القرارات التي يتخذها لا يمكن أن تتخذ وتنفذ إلا على قاعدة "التوافق" والتراضي العام والإجماع باعتبار مهمة التحرر الوطني هدفاً وطنياً استراتيجياً رئيسياً مرتبطاً بالمصالح والتطلعات الوطنية العليا للشعب كله، وبالتالي لكل أطراف ومكونات التحالف الجبهوي العريض عامة وبدون استثناء أو إقصاء أو استئثار، ومن الطبيعي أن يتضمن ذلك البرنامج السياسي العام للتحالف الجبهوي العريض في مضمونه المعالم والخطوط العامة لأبرز الأهداف والغايات الوطنية المراد تحقيقها بعد إنجاز عملية التحرر الوطني، والمتعلقة بطبيعة ومضمون ومقومات وأسس الواقع السياسي الجديد المنشود إقامته بالأمل، وخاصة الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة القائمة على المؤسسات الدستورية وليس الأفراد، وإطلاق الحريات، وسيادة القانون واحترامه إلى آخر تلك المواصفات والبنى المعاصرة، وتداول السلطة سلميا ودوريا.. هذا ولست راغبا، هنا، بالخوض في تفاصيل وطبيعة الخطوات والإجراءات التنفيذية المطلوب لعملية التهيئة والإعداد والتحضير والتأسيس وغير ذلك من الخطوات المفضية إلى إقامة "التحالف الجبهوي الواسع" لإنجاز وتحقيق هدف التحرر الوطني، فتلك من صميم مهام وأعمال وواجبات الأطراف والقوى المؤسسة والمنشئة للتحالف، لكنني اكتفي فقط بالإشارة إلى أهمية إفضاء المشاورات والحوارات التمهيدية فيما بينها، إلى الاتفاق الودي والسريع لتشكيل "اللجنة التحضيرية العامة" لتتولى استكمال الحوارات والتفاهمات وصياغة مسودات مشاريع "البرنامج السياسي العام" و"النظام الأساسي الداخلي" الناظم لأنشطتها وحركتها وفعالياتها والعلاقات بين هيئاتها ومؤسساتها المركزية والفرعية، إضافة إلى مشروع البيان السياسي الخاص بالإعلان عن قيام التحالف الجبهوي المنشود، وقد لا تكون هناك ضرورة، لاعتبارات أمنية احترازية، عقد مؤتمر عام تأسيسي واسع وعلني بالنظر إلى احتمال تعرضه للأذى والضرب في مهده، وقد يكون مفيدا إحالة مسودات ومشاريع الوثائق والأدبيات الرئيسية لمناقشتها وإقرارها بصيغها النهائية داخل الأطر التنظيمية لكل طرف ومكون من مكونات التحالف كل بحسب لوائحه ونظمه الأساسية الداخلية، ليتم على ضوء ذلك الشروع في بناء هياكل ومؤسسات ومستويات التحالف، واختيار سلطاته وقياداته المختلفة بالتوافق والتراضي العام، والبدء بحركته وفعالياته المحددة بالبرنامج السياسي والنظام الأساسي وما تتخذه القيادات المسئولة المختارة..
تبقى أمامنا، في الأخير، قضية أساسية، على جانب كبير من الأهمية، لا بد لنا من الوقوف أمامها ومناقشتها بدقة، وهي القضية المتعلقة بالأساليب والوسائل التي سيتخذها التحالف الجبهوي في نضاله العام لتحقيق أهدافه في التحرر الوطني، وهل يجب سلمية أم مسلحة؟ والحقيقة أن نضال الشعوب التواقة لنيل حريتها واستقلالها الوطني وحريتها في مواجهة القوى الأجنبية المحتلة، كان ينظر إليه، من وجهة نظر القانون الدولي والعهود والمواثيق والمعاهدات الدولية إبان مرحلة الحرب الباردة الدولية، باعتباره حقا أساسيا من الحقوق الطبيعية للشعوب سواء أكان نضالها بالوسائل السلمية، كما حدث في الهند بقيادة المهاتما غاندي، أو بالوسائل المسلحة كما حدث في غالبية حركات التحرر الوطني في العالم، أو بالخلط بين الأساليب السلمية والمسلحة في بعضها وهو الخلط الذي أصبح سائدا ومعمولا به لاحقا لدى كافة حركات التحرر الوطني، عدا تلك التي جوبهت بقمع وعنف دموي وحشي رهيب حيث لم يكن هناك أي خيار أمامها سوى النضال المسلح، وقد توجت كل تلك القوانين والمعاهدات والمواثيق والأعراف الدولية، التي لا تزال قائمة حتى اللحظة، بإنشاء لجنة دولية داخل المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" تحت اسم "لجنة تصفية الاستعمار".
وعلى امتداد التاريخ الإنساني كله، بمختلف مراحله، كانت مقاومة الشعوب لأعمال السيطرة والاحتلال العسكري المفروضة عليها، نزعة إنسانية فطرية طبيعية ومتأصلة في الفكر الإنساني، أصلتها وعمقتها وأضفت عليها المعتقدات الدينية كافة والأعراف الإنسانية والشرائع الوضعية، طابعا شرعيا وقداسة تجعلها في مرتبة الواجب المقدس، وأجازت كافة السبل والوسائل المتاحة والممكنة في المقاومة مشروعة، سلمية أكانت أم مسلحة.
واليوم، وبعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة بسقوط النظام العالمي الذي قام على أساس "القطبية الثنائية" المعسكرين الدوليين الكبيرين آنذاك (الرأسمالي والاشتراكي) المتحكمين بذلك النظام العالمي السابق، وسعي أمريكا الدؤوب، باستخدام وتوظيف كافة القوى العسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية الهائلة التي تمتلكها، لفرض "نظام عالمي جديد" يقوم على تحكم "القطبية الأحادية المتفردة" أي أمريكا، دون منازع أو مشارك لها حتى من بين القوى الحليفة لها تقليديا! واختلاق وتهويل وتضخيم قصة "الإرهاب العالمي الإسلامي"! الذي بدعوى محاربته ومواجهة خطره انطلقت أمريكا لوضع "مشروعها الامبراطوري" القديم - الجديد في فرض سيطرتها وهيمنتها الأحادية المطلقة على العالم بأسره دون أي اعتبار للقانون والمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية والإنسانية كافة!
نقول إننا اليوم، نعيش مرحلة خلط واختلاط رهيب للمفاهيم والقوانين والأعراف والقيم القانونية والدينية والعرفية السماوية والوضعية، خلط واختلاط مخيف يريد أن يغرس في أذهان البشر بأن مقاومة العدوان والاحتلال الأجنبي المسلح عدوانا، واستخدام كل أنواع الأسلحة الخفيفة والقديمة لاسترداد الشعوب لحريتها واستقلالها الوطني إرهابا! وتدمير بلدان وشعوب بكاملها حرية وتحضرا، وحق الشعوب في الإدارة المستقلة لشئونها تطرفا وجريمة وتخلفا وتهديدا للحضارة الإنسانية، وأصبحت القوة الغاشمة والمدمرة هي الحق والحق هو القوة وحدها ولا شيء سواها، كم ملايين من البشر الآمنين في ديارهم أبادتهم ودمرت حياتهم القوة الباطشة العمياء وجبروتها المتجردة من كل القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية السامية والضمير الحي المتيقظ! ومع تسليمنا الكامل والمطلق بحقيقة "أن الحق بغير القوة ضائع"، والحقيقة المقابلة لها "أن جبروت القوة الغاشمة بدون قيم أخلاقية سامية أداة قتل وحشي ودمار وفناء"، فإن الشعوب الأصيلة والحية متى ما تسلحت بإرادة الحياة والحرية فإنها تملك قوة جبارة يستحيل قهرها أمام أقوى وأعتى قوة على الأرض، وكم من شعوب فقيرة ضعيفة ماديا، عبر التاريخ وحتى اليوم، ألحقت الهزيمة بقوات امبراطوريات عظمى عاتية، بأسلحة بسيطة قديمة لا مجال للمقارنة مطلقا بينها وبين أسلحة قوات عظمى تملك قدرات هائلة على الدمار والإفناء للبشر والطبيعة!
أريد أن أقول إنه بالرغم من مشروعية استخدام كافة السبل والوسائل المتاحة، سلميا أو مسلحا، من قبل "التحالف الجبهوي الواسع" المنشود لتحقيق التحرر الوطني في بلادنا، إلا أن من الحكمة التركيز في المرحلة الأولى على وسائل وأساليب النضال الشعبي السلمي الذي أثبت فعاليته وجدواه الحاسم إبان ثورة شعبنا السلمية الحاشدة بملايينها البشرية والتي استمرت وتواصلت لعام ونصف تقريبا دون تراخ أو فتور ولا تزال تتفاعل وتغلي وتحدث تأثيراتها العميقة، وبالتوازي مع ذلك لا بد من الاهتمام والعمل على إعداد العدة وتهيئة كافة ظروف ومستلزمات النضال المسلح والاستعداد للقيام به في حالة اقتضت الضرورة والحاجة له في مراحل لاحقة إذا فشل النضال الشعبي السلمي في تحقيق الأهداف المتوخاة من ورائه أو لجأت قوات السيطرة الاستعمارية المسلحة إلى أساليب القمع والتمادي في القتل واستخدام آلة الحرب ضد الثورة الشعبية السلمية قتلا وترويعا وسفكا للدماء دون وجه حق أو مشروعية، وحتى في حالة الاضطرار إلى القيام بأساليب النضال المسلح فإنه من المفيد والمجدي الجمع بين وسائل وأساليب النضال المسلح وأساليب ووسائل النضال المسلح على نحو تكاملي ومتعدد الأوجه والمجالات وصولا إلى إجبار قوات الاحتلال على الرحيل الكامل من وطننا بالسلم أو بالسلاح.
في الختام..
إن شعبنا اليمني الحر وكل طلائعه وقواه وأحزابه وتكتلاته الحزبية والشبابية والاجتماعية ومنظماته وشخصياته الاجتماعية الثورية، جميعا نقف وجها لوجه أمام محك اختبار تاريخي حاسم تدور في ساحته عملية فرز دقيق وحاسم وتاريخي تتحدد فيه الخيارات والمواقف بين من هو "الوطني الصادق" ومن هو "غير الوطني والمخادع" على نحو واضح وحاسم ونهائي.. والشعب اليمني بعد هذا الفرز الوطني الواضح والحاسم سوف يدير ظهره إلى الأبد ويسقط من اعتباره ونظره كل من ضعف واستكان، وكل من انحاز إلى مصالحه وحساباته الخاصة الضيقة على حساب مصالح وحسابات وتطلعات شعبه ووطنه.
ولقد آن الأوان الآن أمامنا جميعا أن "ندخل في كل حساب، أو نخرج من كل حساب".
والشعوب هي دائما المنتصرة.. والله هو الموفق.
عبدالله سلام الحكيمي
بريطانيا - شيفلد 18 نوفمبر 2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.