كعادة السلطات في بلادنا فإنها لا تملك حيال مبدعي هذا البلد سوى نعيهم وذكر مناقبهم عقب موتهم، بعد أن ارهقهم المرض، ونال من صحتهم ونفسيتهم تجاهل السلطة وغدر الأصدقاء. وهاهو (شيخ الصحفيين) اليمنيين صالح الدحان يوارى الثرى بعد أن قضى شيخوخة مرهقة موجعة، وهو الذي كان دمه حبراً وجلده أوراقا صحفية وأصابعه معوجة منذ كان يجهد لإصدار صحف عديدة برص الحروف، وحينها لم تكن التقنيات الحديثة قد ظهرت بعد. حين أجهده المرض لم تقم أية جهة بمعالجته في الخارج وظل نزيل مستشفيات البلد الذي لايعرف القائمون عليها قدر الشيخ المسن ومكانته كما لم يسل عنه أحد بما فيها نقابة الصحفيين الخائبة. وكان كل حظه تعزية رئاسية لاتسمن ولا تغني من جوع، إضافة إلى عدد اخر من مقالات النعي كنوع من التعويض لأخلاق لم تعد موجودة. السبت الماضي -وبحسب نعي وكالة "سبأ"- شيع الوسط الصحفي والإعلامي والأدبي والثقافي بصنعاء جثمان شيخ الصحفيين الصحفي والكاتب والأديب الكبير الراحل صالح الدحان إلى مثواه الأخير بمقبرة الرحمة في حدة بأمانة العاصمة ، في موكب جنائزي تقدمه مدير مكتب رئاسة الجمهورية نصر طه مصطفى وعدد من قيادات المؤسسات الإعلامية الرسمية والأهلية وعدد من الصحفيين والمثقفين والإعلاميين وأصدقاء ومحبو الفقيد وبغياب وزير الاعلام. ويعتبر صالح الدحان من رواد العمل الصحفي في مدينة عدن ، وكتب في معظم الصحف ومنها صحيفة النهضة ،واليقظة، والمستقبل، والزمان، والبعث، والكفاح، كما رأس تحرير صحيفة الشرارة بعد الاستقلال . وساهم في تحرير مجلة الحكمة، والثقافة الجديدة، كما ساهم في إصدار صحيفة البورزان ، وأحد مؤسسي الاتحاد اليمني ،ومن أوائل من رفع شعار الجمهورية ، وعمل في وكالة الأنباء الصينية شينخوا . ويعد شيخ الصحفيين اليمنيين من رواد القصة القصيرة في اليمن، فقد أصدر مجموعته القصصية " أنت شوعي" منتصف الخمسينيات ،ويعتبر من المؤسسين لاتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين ونقابة الصحفيين اليمنيين . وكان شيخنا الدحان في أحد مقالاته ل"الوسط" في العدد رقم (124) بتاريخ 15 نوفمبر 2006م قد كتب محطات ذكر فيها بعضاً من شجونه وكان يطيب له أن ينادي رئيس التحرير بخالي.. نورد هنا بعض وجعه.. (1) خالي العزيز جمال.. ها أنذا -بعد قرابة ثلاث سنوات من الانقطاع أعاود الكتابة إليك ولكن بشكل مغاير هذه المرة، ففي السابق كنت قد استكتبتني ل"الوسط" الغراء في بزغة صدورها ولقد لبيت طلبك طائعا مختارا، أما اليوم- وبعد ثلاث من السنين- فها أنذا "اتزحر" لغة الكتابة حين اللجوء إلى التقميش والتنميط وحد الاستدرار العبثي لضرعها اليابس (اللغة) بما عساه يعين سنة القلم المغدورة -المثلومة، على سلاسة الانسياب فوق بياض القرطاس لأتمكن أنا الذي كان وكان من تسطير بضع ومائة كلمة فقط وذلك كحد أعلى لمقدرتي حاليا. نعم وبلى، ففي بضع ومائة كلمة قد أتمكن من التعبير الصراح عن سعادة غامرة ذرعتني - وما تزال تذرعني- حين خولطت زهوا وفخرا وخيلاء إثر سماعي نبأة الأثير بأن (خالي الصغير) جمال عامر، قد غدا واحدا من الأسماء الخمسة المتصفين بالجسارة والجرأة والشجاعة الصحفية في بزغة الألفية الثالثة هذه وفي عالمنا هذا، دون نسيان الإشارة إلى كونك من منتسبي "الوسط" اليمني صحافيا، وبالطبع المنتمين حصرا للوطن اليماني مصيريا. (2) في واحد من الأعداد الأولى ل"الوسط" داعبك هذا القلم بمناغاة منه لك يا (خالي).. إنه ضرب من "الصفاط" الحميم بالرغم من كون العلاقة بيننا كانت وما تزال "من بعيد لبعيد" أو "حبيتك وأنا ما أعرفك" كما تقول المغاني، "الذنب ذنبي" فلقد صرت مؤخرا أتحاشى تنمية العلاقات وأتجنب تعزيز الأواصر مع الآخر والآخرين -إلا ما قد سلف- وإلا في ما ندر لا أدري (لمه).. لربما أن الكهولة قد أثقلت كاهلي، ولربما أن الصحيح هو في تمكن الإعاقة الجسدية من كياني وأن ما زاد الأمر ضغثا على إبالة هو تمكنهم مني -أولئك الذين قاعدوني على كيفهم، إضافة إلى ذلك حرصهم على إبقاء شوكة ميزان التسوية لأوضاع "المقاعدة" مختلة متذبذبة وعازفة عن الثبات في الوسط، إنما أردت من كرع الغثاء السابق أن أهتبل السانحة فأعتذر لجميع الأعزاء الذين أصيبوا بتبعات مرض فوبيا التواصل الذي اعتراني وتمكن مني، فحق لهم سوء التفسير وعساي الآن وضحت للجميع، ومنهم أنت، ما فعل بي رعاب الآخر من فوبيا. صالح الدحان تعز 19/10/2006م