قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    عدن تشهد اضراب شامل وقطع للطرقات احتجاجًا على تردي خدمة الكهرباء    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    مارب.. الخدمة المدنية تدعو الراغبين في التوظيف للحضور إلى مكتبها .. وهذه الوثائق المطلوبة    أرتيتا لتوتنهام: الدوري الإنجليزي يتسم بالنزاهة    صحيفة لندنية تكشف عن حيلة حوثية للسطو على أموال المودعين وتصيب البنوك اليمنية في مقتل .. والحوثيون يوافقون على نقل البنوك إلى عدن بشرط واحد    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    شاهد.. الملاكمة السعودية "هتان السيف" تزور منافستها المصرية ندى فهيم وتهديها باقة ورد    صورة حزينة .. شاهد الناجية الوحيدة من بنات الغرباني تودع أخواتها الأربع اللواتي غرقن بأحد السدود في إب    النفط يواصل التراجع وسط مؤشرات على ضعف الطلب    مليشيا الحوثي تحتجز عشرات الشاحنات شرقي تعز وتفرض جبايات جديدة على السائقين    الحوثيون يبدؤون بمحاكمة العراسي بعد فتحه لملف إدخال المبيدات الإسرائيلية لليمن (وثيقة)    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    باريس يسقط في وداعية مبابي    الرعب يجتاح قيادات الحوثي.. وثلاث شخصيات بمناطق سيطرتها تتحول إلى كابوس للجماعة (الأسماء والصور)    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    دموع "صنعاء القديمة"    فساد قضائي حوثي يهدد تعز وصراع مسلح يلوح في الأفق!    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    منصات التواصل الاجتماعي تشتعل غضباً بعد اغتيال "باتيس"    هل تُصبح الحوالات الخارجية "مكسبًا" للحوثيين على حساب المواطنين؟ قرار جديد يُثير الجدل!    للتاريخ.. أسماء الدول التي امتنعت عن التصويت على انضمام فلسطين للأمم المتحدة    استقالة مسؤول ثالث في الاحتلال الإسرائيلي.. والجيش يعلن عن اصابة نائب قائد كتيبة و50 آخرين خلال معارك في غزة    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    الأمم المتحدة تعلن فرار مئات الآلاف من رفح بعد أوامر إسرائيل بالتهجير    "أطباء بلا حدود" تنقل خدماتها الطبية للأمهات والأطفال إلى مستشفى المخا العام بتعز مميز    بمشاركة «كاك بنك» انطلاق الملتقى الأول للموارد البشرية والتدريب في العاصمة عدن    عدن.. ارتفاع ساعات انطفاء الكهرباء جراء نفاد الوقود    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    التوظيف الاعلامي.. النفط نموذجا!!    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    لو كان معه رجال!    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط حكم الأخوان في مصر.. نظرة حول الأسباب والتداعيات
نشر في الوسط يوم 21 - 08 - 2013

تناولنا في سياق الحلقة الرابعة السابقة من حلقات هذه النظرة التحليلية العامة، ثاني تداعيات سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر على مستقبل مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي أعلنته الإدارة الأمريكية عام 2002 م، والذي يبدو - الآن - أنه يتعرض لترنح وانكسار كبير يجعل أمر الاستمرار في تنفيذه ووضعه موضع التطبيق السياسي على الأرض، صعباً للغاية وغير ممكن، على المدى المستقبلي المنظور، ويفرض على واضعيه والقوى المشاركة في تنفيذه اعادة النظر جذرياً لأهدافه وقواه ووسائله وأخذ التطورات والمتغيرات الأخيرة، غير المتوقعة، في الاعتبار والحسبان.
وسنواصل حديثنا في هذه الحلقة حول التداعي الثالث لذلك السقوط والمتعلق بتركيا وسياستها وطموحاتها الواسعة في قيادة تلك المنطقة الشرق أوسطية المترامية الأطراف وخاصة تزعم العالم الإسلامي وعمودها:
ثالثاً: تداعي سقوط حكم الإخوان على تركيا ودورها ومطامحها في المنطقة:
منذ إلغاء الجنرال مصطفى كمال أتاتورك وإنهاء الامبراطورية العثمانية المتهاوية، وإعلان تأسيس الدولة التركية الحديثة على أنقاضها عام 1923 م عقب الحرب العالمية الأولى، وقطع كل الوشائج والروابط والصلات التاريخية والثقافية والدينية التي كانت تربطها بدولة ''خلافة إسلامية‘‘ لأكثر من سبعة قرون متواصلة من الزمن، وبنائها على أسس ومقومات ومضامين ثقافية واجتماعية واقتصادية وفلسفة تستلهم التجربة الأوروبية استلهاما كلياً، وظلت الدولة التركية الحديثة، من تأسيسها وحتى الآن، تتوق وتتطلع وتعمل لتصبح جزءا من اوروبا ولاحقاً عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهو مسعى استراتيجي اعترضته معوقات وعراقيل وموانع عديدة، تحت مختلف الذرائع والأسباب، وإن كان السبب الأكبر والأساس يكمن في ثقل تركيا السكاني الكبير والأغلبية الإسلامية الكاسحة ومخاوف الأوروبيين العميقة منذ تأثير انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على الهوية والطابع الثقافي الديني المسيحي للاتحاد، رغم العلمانية المفرطة والمتطرفة للدولة التركية ونظامها السياسي.. لكن اوروبا والغرب من جهة أخرى، قبل بأن تكون تركيا عضواً مؤسساً وفاعلاً في حلف شمال الأطلسي العسكري ''الناتو‘‘ بالنظر إلى أهمية موقعها ''الجيوسياسي‘‘ وثقلها السياسي، في إطار واقع الحرب الباردة التي حكمت العالم وعلاقته الدولية وفق ثنائية ''القطبية‘‘ بين المعسكرين العظيمين الدوليين، المعسكر الرأسمالي الغربي والمعسكر الاشتراكي الشرقي بقيادة كل من أمريكا وحلفائها والاتحاد السوفييتي وحلفائه كواقع شكل النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الأولى وتحديداً الحرب العالمية الثانية، الذي اضفى لموقع ودور تركيا أهمية خاصة، ومع بروز وتنامٍي ''التيار الديني الإسلامي‘‘ وتوسعه وانتشاره شعبياً، وقيامه بإنشاء تشكيلات حزبية متعددة للتعبير عنه سياسياً، بمسميات ومضامين ليبرالية علمانية دون الاقتراب من قريب أو بعيد، من أية إيحاءات أو إشارات عن أيديولوجيتها السياسية، ومع ذلك ورغماً عنه فقد قام الجيش والقضاء باعتبارهما، دستورياً، رعاة وحماة النظام العلماني لتركيا، بحل وإسقاط تلك الاحزاب وحكوماتها المنتخبة، ديمقراطياً، بدعوى نشأتها على أسس دينية تناقض فلسفة الدولة، والتي كان آخرها الحكم بحل حزب نجم الدين اربكان مرتين وإسقاط حكومته وإدخاله السجن، بعد ذلك برز أو بزغ نجم السيد رجب طيب اردوجان الذي استوعب دروس التجارب السابقة وخاصة تجربة استاذه نجم الدين ارباكان ومعلمه وأجرى عملية تقييم نقدي لأسباب وعوامل الأخفاق، تحديداً أخطاء استاذه في عدم اعطاء اهتمام وحنكة في التعامل الذكي والبعيد النظر مع طبيعة الدولة ومؤسساتها المتجذرة، واتجه اردوجان إلى بناء حزب سياسي قوي وفعال، كوارثٍ للتجارب السابقة ومقوم لها، اتجه بالدرجة الأولى إلى النزول الى جماهير الشعب وتلمّس مشكلاتها والعمل على حلها، وتحاشى تماما أي مظهر قد يشي الى مشروعه الاسلامي او يشتمّ منه غراماً بالخلافة العثمانية، ومغالياً في اظهار ولائه واقتناعه بالنظام العلماني ورغبته القوية بالتعاون والانسجام مع الجيش، فكان حزب العدالة والتنمية بزعامته الذي خاض غمار الانتخابات وفاز فيها وشكل الحكومة، ونجح خلال سنوات قليلة في تحقيق مكاسب وانجازات مهمة وملموسة في محاربة الفساد المستشري ورفع معدلات التنمية وانعكاس اقتصاد البلاد على الصعيد الداخلي يقابله على الصعيد الخارجي، تنشيط وتقوية وتوسيع الدور التركي اقليمياً ودولياً، مما عزز وقوى ووسع قاعدة شعبية الحزب ودوره، ما مكنه، عبر دورات انتخابية برلمانية ومحلية، معدودة من تحقيق اغلبية كاسحة جعلته صاحب القوة والقرار والقدرة والنفوذ الكافي يؤهله لإحداث تغيرات سياسية مهمة وجذرية، بدأ معركة مواجهة هيمنة المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية المرتبطة تقليدياً بالجيش، مستغلاً ضرورة تلبية وتنفيذ الشروط والمعايير الأوروبية لانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، وبالفعل نجح الحزب في هذه المعركة التي نتج عنها اخضاع الجيش للنظام الدستوري بعد أن ظل عقودا طويلة فوق الدستور وحاكما له وكذا نجح في معركة مواجهة القضاء، وتم ازاحة الكثير من قياداتهما بقوة الأغلبية البرلمانية الكاسحة وجرت تعديلات مهمة على الدستور.. الخ، وهكذا أصبح حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوجان المسيطر والمهيمن القوي على كامل الدولة ومؤسساتها الدستورية، مدنية، وعسكرية دون منازع أو منافس يخشى جانبه، على الأقل في المدى المستقبلي المنظور، وفي ظل هذا الوضع المتميز والقوي، جاء السيد احمد داوود أوجلو في البداية مستشاراً للأمن القومي للحكومة ثم وزيراً للخارجية وهو واحد من المع المنظرين الاستراتيجيين للأتراك، ومؤلف الكتاب الأهم العهد الاستراتيجي، الذي بين فيه أهمية الموقع ''الجيوسياسي‘‘ لتركيا بإمكانيته وقدراته وخلفيته التاريخية ومكوناته الحضارية والدور الإقليمي والدولي الذي يجب على تركيا النهوض بأعبائه والقيام به مستدعياً إرث ومورث الامبراطورية العثمانية، وداعياً إلى استلهامه والاستفادة من عبره ودروسه وحقائقه وجذوره الضاربة في واقع تركيا المعاصرة مع التأكيد على سعي تركيا وتوجهها إلى تصفير مشكلات تركيا الداخلية والخارجية مع القوى الاقليمية والدولية وخاصة دول الجوار الجغرافي..
وفي ظل ذلك الواقع المشار إليه آنفا وأجوائه ومؤشراته بدأنا نلحظ بوضوح بوادر وخطوات تشير إلى معالم تحول في سياسة الدولة التركية، لأول مرة تقريباً منذ تأسيس تركيا الحديثة يتجه نحو الشرق، وخاصة نحو دول وبلدات العالمين العربي والإسلامي على نحو اخص، وكان هذا التحول في سياسة تركيا نحو الشر ق يتم بقدر ملحوظ من الذكاء والدهاء السياسي، حيث اتخذ من القضية الفلسطينية اهم متكأ ومنطلق له ادراكا من صانع القرار التركي لحقيقه كون قضية فلسطيني والظلم التاريخي الفادح الذي لحق بها هي قضية العرب والمسلمين المركزية عاطفيا ودينيا وسياسيا وسار تحول السياسة التركية نحو الشرق خطين متوازيين ومتكاملين الاول: تنشيط وتوسيع وتطوير علاقات تركيا بالدول العربية وخاصه الكبرى والمؤثرة منها كسوريا وبلدات شمال افريقيا ومصر والعراق ودول الخليج العربية واليمن..الخ.. واتخاذ مواقف سياسية قوية وحادة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة وصولا الى تلك المشادة الكلامية الحادة التاريخية بين رجب اردوجان وشيمون بيريز وتسيير أسطور مدني تركي يحمل اعدادا كبيرة من المتضامنين الدوليين لفك وكسر الحصار الاسرائيلي المضروب حول غزة تحت شعار الحرية لغزة في مايو 2010م، وحققت تلك السياسة التركية المشرقة بالفعل نجاحا كبيرا في استقطاب تأييد شعبي واسع جدا لدى الشعوب العربية وايضا لدى مسلمي العالم، وبدت تركيا وكأنها تسير بخطى واثقة ومتسارعة نحو دور قيادي رئيسي للعالم العربي خصوصا وللعالم الاسلامي على نحو او آخر وبدت وكأنها تنطلق بسرعة صاروخية لتصبح قوة اقليمية كبرى وقوة دولية ذات شأن مهم في المستقبل القريب كل تلك الاحداث والتطورات جرت بعد مضي ما يقارب سبع سنوات منذ اعلان الإدارة الأمريكية، رسميا عن مشروع ما سمي "الشرق الاوسط الجديد"، والكبير الذي حظي بمباركة القوى الدولية الغربية وكذا قوى دولية اخرى على نحو او اخر، وهو مشروع تناولنا مضامينه وأهدافه وابعاده بشيء من التفصيل في سياق الحلقة السابقة ولا داعي لتكرارها هنا على ان اهم وابرز ملمح له انه كان يركز تصريحا وتلميحا الى تركيا الدولة كدور اقليمي بارز مناط بها وتركيا كتجربة سياسية ناجحة من وجهة نظر الغرب يتزاوج فيها وبها، المرجعية الدينية الإسلامية للحزب الحاكم بشكل واضح وجلي وان غير مصرح به والاطار الليبرالي العلماني غير المتطرف واعتبرت تركيا منذئذ بمثابة معامل التفريخ والبلورة لمشروع ومعالم ما اطلق عليه الإسلام المعتدل والمتعايش والناجح الذي تجسده التجربة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية الناجح والحائز على رضى ومباركة ودعم امريكا والغرب ليكون مشروعا يقود بلدات العالم الاسلامي التي تشكل العمود الفقري للشرق الاوسط الكبير تحت العباءة الأمريكية الغربية وضمن استراتيجيتها الكونية وتحت القيادة والتوجيه الاقليمي لتركيا ضمنها ووسط اجواء هذه المرحلة التاريخية وملابساتها وتمخضاتها المتلاطمة انطلقت وعلى غير توقع من قبل الكثيرين في المنطقة احداث ما يسمى ثورات الربيع العربي مطلع العام 2011م، والتي انطلقت شرارتها الاولى من ارض تونس لتتأجج نيرانها في مصر فاليمن وليبيا واخيرا سوريا مع ارهاصات وتحلحلات وبوادر في هذا البلد العربي او ذاك وبدا واضحا ارتباك واضطراب الرؤية السياسية التركية في اسلوب التعامل مع تلك الثورات والتعاطي معها تماماً كما حدث للسياسة الأمريكية والغربية التي سرعان ما حسمت خيارها بالوقوف مع المد الشعبي الواسع لتلك الثورات ودعم مطالبها بإسقاط الانظمة الحاكمة فيها الا انه بالنسبة للسياسة التركية ظل التردد والارباك قائما لفترة اطول يعصف بها صعوبة الحسم بين الحفاظ على ما بنته تركيا في السنوات القلية الماضية من علاقات تعاون ومصالح مع انظمة تلك البلدان الثائرة تخشى ضياعها وانهيارها وبين الموقف الامريكي العربي وادارته العسكري العالمي حلف الناتو وتركيا عضو اساسي ومؤسس فيه المندفع نحو ضرورة اسقاط تلك الانظمة إن طوعا ً أو كرهاً عبر التدخل العسكري المباشر كما في ليبيا ومن قبل ذلك افغانستان والعراق أومن خلال التدخل العسكري غير المباشر بدعم وتدريب وتسليح الجماعات المسلحة حتى وإن كانت ارهابية كالقاعدة وفصائلها كما هو حادث الان في سوريا ووجدت تركيا من حيث ارادت أم لم ترد وغالباً وفي ارادتها تصطف الى جانب ومع أمريكا والغرب وحلف الناتو في الوقوف الداعم والمساند لتلك الثورات والساعي الى اسقاط الأنظمة الحاكمة ولو بالقوة العسكرية وكان واضحاً تماما بأن كل هذه القوى الدولية ومعها تركيا مدركة تمام الادراك أن القوى الاسلامية الحزبية المنظمة وعلى رأسها وفي المقدمة فيها جماعة الاخوان المسلمين التنظيم الدولي هو الوريث المؤهل والقادر لأنظمة الحكم المتساقطة وهو بالتحديد ما كانت تريده وتسعي اليه وتعمل من أجله وما يهمنا في حديثنا هذا أنه وحتى هذا الوقت لم يكن الكثيرون من احزاب وقيادات سياسية ومفكرين ومحللين وباحثين وكتاب ونحن منهم على علم مؤكد ودقيق بطبيعة العلاقة والتحالفات بين جماعة الاخوان المسلمين، التنظيم العالمي والنظام الحاكم في تركيا الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية بقيادة السيد رجب طيب اردوغان من ناحية ولا تلك القائمة بين جماعة الاخوان المسلمين التنظيم الدولي وحلفائه وامريكا والغرب عموماً وإن كانت مسألة ارتباط هذه الجماعة كتنظيم دولي بالقوى الغربية وولائها له واضحة ومستمرة منذ بداية تأسيسها عام 1928م في مصر ولم تتضح الصورة بشكل قطعي ومؤكد في الآونة الاخيرة حيث بات مؤكدا بما لا يدع مجالاً للشك، بأن حزب العدالة والتنمية ذا المرجعية الدينية الاسلامية والحاكم لتركيا، حالياً امتداد حزبي وفرع رئيسي ومهم للغاية لجماعة الاخوان المسلمين - التنظيم الدولي البالغ السرية والتكتم، وأن زعيمه ''اردجان‘‘ يحمل مرتبة رفيعة جداً في قيادته العليا وكذا عدد من زعماء حزبه، كما بات من المؤكد، قطعياً، أن جماعة الاخوان المسلمين - التنظيم الدولي السري وسائر الجماعات الاسلامية والمسلحة المرتبطة بالجماعة، على علاقة تحالفية استراتيجية وثيقة ممتدة دون انقطاع منذ تأسيسها قبل حوالي 85 عاما مضت، ولم يحدث في أي يوم من الأيام، أن اهتزت أو تذبذبت أو تغيرت تلك العلاقة تحت أي ظرف من الظروف، لهذا احتلت هذه العلاقة التحالفية الارتباط والولاء بين أمريكا والغرب، درجة من الوثوق والثقة والثبات العميق الذي لا يتزعزع، تلي اسرائيل مباشرة إن لم تتساو معها!! والواقع ان تاريخ هذه الجماعة والجماعات المتحالفة معهما والمتفرعة عنها أساساً، وموافقها ونشاطها، عبر كافة المراحل، وتناغمها وخدمتها للأهداف والمصالح الغربية ووضع نفسها اداة بيد تلك القوى الدولية الغربية، خلال المرحلة الاستعمارية التقليدية وبعدها خلال مرحلة الهيمنة الامبريالية الكونية، في مواجهة أنظمة الحكم والقوى الوطنية والقومية واليسارية التحريرية الثورية حتى اليوم، يؤكد لنا تلك الحقيقة الراسخة.. ولعلنا احتجنا إلى كل هذا للاستعراض الآنف لنصل إلى القول، وقد اتضحت أمامنا الصورة إلى حد ما بأن مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي صاغه وأعلنه الإدارة الامريكية عام 2002 م، يعتبر جزءا مهما من الاستراتيجية القومية لأمريكا في فرض سيطرتها وهيمنتها المطلقة على العالم بالتحالف مع سائر القوى الدولية الغربية، تتحدد اهدافه، المعلنة وغير المعلنة، في إحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط الكبير والمترامي الأطراف الممتد بالكامل كحزام لكل جنوب القارتين أوروبا وآسيا والتي يشكل العالم العربي والإسلامي قلبها ورئتها ومعظم جغرافيتها بما تختزنه من ثروات ومصادر طاقة هائلة، وذلك من
خلال دعم ومساندة وتمكين جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية الحليفة لها من الوصول والسيطرة على مقاليد الحكم في الدول العربية والإسلامية، وتنظيم انتفاضات شعبية ومسلحة لإسقاط الأنظمة الحاكمة التي تعتبرها أمريكا تقليدية ولا تدين بالولاء المطلق والعمالة الكاملة لأمريكا في الجزيرة العربية والخليج باستغلال الدين والعواطف الدينية العميقة لدى شعوبها والسيطرة على الحكم فيها خاصة تلك التي تمثل رمزية دينية مقدسة للمسلمين جميعاً لاحتضانها للأماكن المقدسة ولما تزخر به من ثروات من ناحية، وضمان استمرار سيطرة من وصل منهم إلى سدة الحكم والحيلولة دون سقوطه، وإشعال فتنة صراع مذهبي سني وشيعي لإسقاط وتغيير نظام الحكم في إيران المعادي لأمريكا والمغرب.. ثم الشروع في وضع حل نهائي وشامل للصراع المغربي الإسرائيلي ، باستغلال تأثيرها الديني الواسع شعبياً، يقوم على التناول عن كامل الوطن الفلسطيني التاريخي لإسرائيل ، مقابل اتحاد عربي كونفدرالي فضفاض بقيادة القوى الإسلامية الحاكمة والقبول بدولة "إسرائيل" الموسعة والتعايش والتعاون معها وإدماجها ضمن إطار التكتل الإقليمي السياسي المزمع إنشاؤه تحت مسمى "تكتل الشرق الأوسط الكبير" الذي ستقوده وتوجه سياساته وحركته مثلث راجح يتشكل من تركيا وإسرائيل وإيران بعد تغيير نظامها السياسي المعادي، ويضمن تكامل الثروات النفطية والغازية والعربية الإيرانية الهائلة بالقدرات العلمية التكنولوجية الحديثة الإسرائيلية والخبرات السياسية والاقتصادية والصناعية التركية المتطورة وبجانبها الإيرانية والقوى العاملة الضخمة والرخيصة الكلفة العربية، وبهذا يقوم كيان إقليمي استراتيجي كبير يحتل كامل الجنوب الجغرافي لقارتي أوروبا وآسيا يشكل طوقاً ممتداً يحاصر كلا من الصين وروسيا في احتياجاتها إلى مصادر الطاقة من المنطقة ويضمن ابتزازها وإخضاعها سياسياً للهيمنة الأمريكية، والجانب الأهم والأكثر حيوية في هذا المشروع الاستراتيجي الخطير يتمثل بالدفع والعمل من أجل إيصال القوى الإسلامية الحليفة الاستراتيجية لأمريكا والغرب إلى السيطرة على الحكم في بلدان العالمين العربي والإسلامي، ولا يهم بعد ذلك سواء مارست تلك القوى الإسلامية الحاكمة بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، أم داست عليها وضربت بها عرض الحائط وذهبت إلى الجحيم، ما دامت حسابات ومصالح أمريكا مصانة ومحترمة لكن هذا المشروع الأمريكي الكبير والاستراتيجي يواجه، اليوم، بحكم تطورات وأحداث هائلة، لم تكن في الحسبان، حملة من التحديات والمعوقات والعراقيل الجدية والخطيرة التي باتت تهدده بالفشل والسقوط، على نحو أو اخر، فثورات الربيع العربي الشعبية التي استطاعت أمريكا والغرب وحلفاؤها من القوى الإسلامية وتركيا وقطر من تجميد حركتها واختطاف ثمارها السياسية بفعل حالة الاضطراب والضياع التي تعقب، عادة، حركات التغيير الجذرية والانتقال الشامل، عادت اليوم، مجدداً لتفرض نفسها ورؤيتها وتفاعلها على نحو أقوى وأوسع وأكثر زخماً وخبرة سياسية من السابقة، ولتسقط حكم جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من القوى الإسلامية كما تحقق بالفعل في مصر ، وكما لا تزال تدور أحداثها في تونس وليبيا وإلى حد ما في اليمن في اتجاه زعزعة حكم الإسلاميين وأخل بتوازنة وثباته ومسألة سقوطهم أصبح مسألة وقت فقط ، إضافة إلى أن الدور والتدخل التركي شديد الجموع والفجاجة غير الحصينة في عسكرة الانتفاضة السورية وتدريب وتسليح الجماعات السورية ، بما فيها قوى القاعدة الإرهابية ، نيابة عن أمريكا والغرب وفشل تلك الجماعات في إسقاط نظام الحكم السوري الذي بدأ مؤخرا، رغم مرور حوالي عامين ونصف عام من العنف الدامي والمدمر أنه يحرز مكاسب وانتصارات على الأرض، إضافة إلى سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر وترنح حكمهم في تونس وإلى حد ما في ليبيا واليمن ، كل ذلك لم يفقد تركيا للرصيد الكبير من قبول ورضا الشعوب العربية الذي بنته وأحرزته قبل ثورات الربيع العربي الأولى فحسب ، بل بات الكثير من تلك الشعوب ينظر إلى تركيا كعدو للعرب تسعى إلى استعاد أنموذج الإمبراطورية العثمانية مجدداً، والسيطرة على العرب من خلال جعل نفسها رأس حربة لقوى الغرب وحلف الناتو ، ليس هذا فحسب ، بل إن تداعيات وانعكاسات كل تلك التطورات والأحداث السابقة الإشارة إليها من المرجع أنه تنعكس على الداخل التركي والفيفا العراقية والمذهبية والاتينية والدينية التي تشكل تركيبتها السكانية التي تجعل من سكان تركيا مجموعة أقليات متنوعة يؤثر عليها ويهزها هبة رياح التغيير عليها بسبب تفاعلات ما يعمل في نظامها الإقليمي ومحيطها المجاور ، والواقع أن سياسة حزب العدالة والتنمية قد أفقد تركيا دورا إقليمياً إيجابياً كان يبدو رائداً في العالمين الغربي والإسلامي، ، وقد لا تتمكن تركيا من إعادة بنائه وترميمه لعقود طويلة من الزمن بفعل انتكاسة وهزيمة حليفها الاستراتيجي بل وامتدادها الحزبي الرئيسي والقوي" تنظيم الإخوان المسلمين" وانحسار شعبيته إلى أدنى المستويات غير المسبوقة وبروز قوى وتكتلات سياسية وشعبية جديدة صاعدة تفرض نفسها على الساحة السياسية برؤية فكرية وسياسية مختلفة وحديثة وتحالفات إقليمية ودولية جديدة وعلاقات إيجابية ومثمرة، تتوارى في رسمها وإدارتها الاعتبارات الأيديولوجية القديمة لصالح اعتبارات السياسة الواقعية والمصالح والأهداف المشتركة ، أن خارطة سياسة جديدة ترسم وتحدد معالمها وقواها سوف تجعل منطقة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير غير ذلك الذي أريد بناؤه وفرضه ضمن الاستراتيجية الأمريكية الغربية، وقد لا يكون معادياً لها بل ساعياً لتعاون وعلاقات إيجابية تقوم على الاحترام المتبادل وتتخلص من نزعات التسيد والهيمنة والتبعية العقيمة المدمرة.
وسنواصل حديثنا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.. فإلى اللقاء.
عبدالله سلام الحكيمي
بريطانيا / شيفلد 15 أغسطس 2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.