إصلاح عدن يعزي في وفاة أمين المكتب التنفيذي للإصلاح بوادي حضرموت "باشغيوان"    تقرير يكشف عن توقيع اتفاقية بين شركة تقنية إسرائيلية والحكومة اليمنية    مجلس القضاء يقر إنشاء نيابتين نوعيتين للصناعة والتجارة في تعز وحضرموت    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    الوزير البكري يلتقي بنجم الكرة الطائرة الكابتن اسار جلال    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الشيخ محسن بن فريد    عندما يبكي الكبير!    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    آرسنال يُسقط بورنموث ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات حول قضايا الحوار الوطني .. القضية الجنوبية.
نشر في الوسط يوم 25 - 09 - 2013

في اعتقادي وقناعتي، ويشاركوني فيهما كثيرون، بأن اليمن يمر منذ ثلاثة أعوام أو يزيد بمرحلة مخاض بالغ الصعوبة والمعاناة يتجاذبه ويضغط عليه اتجاهان رئيسيان متناقضان وكل منهما يعبر عن قوى سياسية واجتماعية ومشروع يحدد رؤيته وأهدافه ووسائل عمل وحركة ويسعى للانتصار له وحسم الصراع لصالحه.
الاتجاه الأول يناضل بكل السبل والوسائل من أجل إسقاط تركيبة الحكم وصيغته التي ظلت تحكم سيطرتها على سلطة الحكم والدولة على امتداد قرون ماضية من الزمن ووصلت واوصلت البلاد إلى طريق مسدود بسبب شيخوختها وتناقضها مع أوضاع وحقائق الواقع المتغيرة والجديدة وتأسيس وبناء صيغة وتركيبة سلطة حكم جديدة تتجسد في دولة حديثة معاصرة تتوافق وتعبر عن تلك الأوضاع والحقائق الجديدة المتغيرة وتقود مسيرة البلاد الوطنية نحو النهوض من الحداثة والمعاصرة في جميع المجالات، ولاشك أن هذا الاتجاه يعبر ويستند إلى قوى ومكونات سياسية واجتماعية أكثر وأوسع انتشارا وثقلاً وتأثيراً في المجتمع.
الاتجاه الثاني: وهو يعمل مستميتاً وموظفاً في القوى والمكونات السياسية والاجتماعية المساندة له من أجل الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من صيغة وتركيبة السلطة الحاكمة والدولة التقليدية القديمة والحيلولة ما أمكن دون سقوطها النهائي والكامل والشامل، وهو اتجاه يعبر ويستند إلى قوى ومكونات سياسية واجتماعية تحكمها مصالح وامتيازات ومكاسب تحققت لها عبر المرحلة الزمنية الطويلة الماضية من خلال تركيبة السلطة والدولة التقليدية تخشى من ضياعها وفقدانها في ظل سلطة حكم ودولة وطنية حديثة ومعاصرة ولهذا نراها تجاهد وتستميت بمختلف السبل والوسائل للإبقاء على القديم وإن ببعض الرتوش التجميلية في الشكل دون مساس بالجواهر والمضمون كثيرا، ولا شك أن قوى هذا الاتجاه هي الأقل والاضعف ثقلاً وانتشارا وابداعا وتجديداً.
ووفقاً لهذا التشخيص العام يتفتح جليا أن اليمن تعيس اليوم في أتون صراع تاريخي شامل وحتمي بين قديم تقليدي عقيم يأبى الاستسلام والتنازل عن مواقعه ومكاسبه ومصالحه وسيقاوم حتى نهاية الشوط ، وجديد حداثي شاب ومتوفق الحيوية والخصوبة مصمم على حسم الصراع لصالح مشروعه وقواه ولن يتراجع أو يقبل بالتقهقر والعودة إلى الخلف مهما كان حجم التضحيات وجسامتها.. إنه صراع تاريخي طبيعي تحتمه قوانين التحول والتطور في سيرة الهادر والمتدفق دائما نحو الأمام والجديد والأفضل ولا مزيد ولا مهرب من خوضه وتحمل كل تبعاته وتضحياته وتكاليفه الباهظة التي تكون عادة مقبولة بالنظر إلى ما سيتمخض عنه بالأخير من نهوض حضاري وتقدم وازدهار معاصر وحياة أفضل حرة كريمة وإيجابية.
وإذا اجتمعت كل قوى الجديد والحداثة وقيادتها السياسية والاجتماعية على هذا التشخيص والتوصيف والتحديد لما يعمل في بلادنا في مختلف المجالات على أنه مظاهر وتجليات لذلك الصراع التاريخي التناقضي الطبيعي الذي بدأت إرهاصاته وتململاته الأولى خلال العقود الثلاثة الماضية وتبلور ونضج وتحول إلى حراك ثوري شعبي عارم على وجه التحديد خلال السنوات الثلاثة الماضية فإن ذلك سيكملها من امتلاك رؤية صائبة واستراتيجية نافذة ومشروعا نهضويا شاملاً ومستقبليا يرسم معالم البديل المنشود في بناء الحياة الجديدة والنظام والدولة الوطنية الحديثة المعاصرة وسيؤهلها ذلك لقيادة وإدارة دفة التغيير الثوري المنشود بكفاءة واقتدار وثقة وحنكة وحكمة يوصلها إلى تحقيق النصر الحاسم في الصراع بعيدا عن الرؤى التجزيئية وردود الأفعال والحلول الآنية والمائعة والاضطرار إلى الولوج في مستنقعات ومثالث الصفقات والتسويات وأنصاف الحلول التي تضر بمسيرة التغيير الثوري أكثر مما تفيد وتسبب له الاضطراب والارتباك المعيق. ما سبق ذكره آنفا كان بمثابة المدل والتمهيد الضروري قبل الخوض فيما نعتزم خوضه من أحاديث حول موضوع الحوار الوطني والقضايا المطروحة للبحث توجهاتها وأطرها وكياناتها السياسية والاجتماعية تشكل أكثرية واضحة وملموسة في تركيب ومكونات وقوام مؤتمر الحوار الوطني قياساً لما تمثله قوى القديم التقاليدي الفاسد والمتخلف، وهذا ما يمنح قوى التغيير الثوري الحديثة ميزة ووضعا قوي، بالنظر إلى ما تمتلكه من كفاءات وقدرات فكرية وسياسية في سائر المجالات تجعلها قادرة على الابداع وطرح المشاريع والبدائل الاكفأ والأصوب والأفضل بما لا يقارن بما تمثله قوى القديم المتخلف من قدرات وكفاءات مبدعة.
إن تلك الميزة والوضع الاقوى والاكفأ تمنحها القدرة والامكانية التلقائية للتحكم والتأثير الحاسم على كافة نتائج ومشاريع ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وفقا لرؤيتها ومشروعها الثوري التغييري وانتصاراً له بشرط التزامها الصارم والثابت بصواب الرؤية ونفاذ البصيرة والنظرة البعيدة في استشراقها للمستقبل المنشود بإعادة صياغة وبناء اليمن الجديد ونظامه السياسي ودولته الوطنية الحديثة المعاصرة البديلة، وعليها التحلي بأقصى درجات الحيطة والحذر بتحاشي وتفادي الوقوع فيما وقع فيه الذين من قبلها حين اختاروا اللجوء إلى الأخذ بالحلول والمعالجات الجزئية والآنية والعرجاء كسبيل سهل وغير مجهد بدلا عن تجشمهم عناء ومشقة مواجهة الاستحقاقات الوطنية الكبرى بحلول جذرية سليمة وصحيحة وفعالة، فكانت العاقبة كوارث وأزمات تحمل الشعب وبالها ودفع أثمانها الباهظة وآثارها المدمرة، وعلى قوى التغيير الثوري الجديدة وقيادتها أن تعي وتدرك تمام الإدراك أن عملية الأوطان ومستقبل الشعوب والدول الوطنية الحديثة والمعاصرة في عملية تاريخية عميقة ومسئولة جسيمة وخطيرة ينهض بها قادة وزعماء تاريخيون أفذاذ ولا يمكن أن تنجز وتتحقق بسطحية واستخفاف وعبر أساليب التسلق والارتجالية ولا بالتكتيكات والمعالجات التآمرية ولا تقوم عبر توزيع امتيازات وإرضاءات لهذا المكون أو ذاك من مكونات الشعب بهدف إغراءهم واستمالة وكسب تأييدهم لتحقيق دعاية سياسية سريعة وفارغة للقادة والحكام إذ أن كل بناء وفقا لتلك الأساليب مصيره حتما الانفجار والتفكك عاجلاً بل تنجز وتحقق بالالتزام الصارم بالشروط والمعايير والأسس الصحيحة والموضوعية والمتعارف عليها عالمياً.. ولنا نحن اليمنيين في تجربة أول دولة وحدة يمنية على أنقاض دولتين قائمتين ،عظة وعبرة بالغتان ومريرتان حيث ارتكب قادة الدولتين جريمة نكراء حين أعلنوها بأسلوب ارتجالي وسلقها بخفة واستخفاف وبعيداً عن ابسط الأسس والمعايير والشروط والأساليب المتعارف عليها عالميا وتاريخيا وعالمياً، فجنوا على أول تجربة وحدة جناية فادحة وتسببوا في إيصالها إلى وضع بالغ الخطورة بعد سلسلة من المذابح والحروب المأسوية والمعاناة المريرة التي تحملها الشعب ودفع أثمانها وتضحياتها الجسيمة، وهذا يدخلنا في صلب حديثنا في هذا المقال والمتعلق بما يدور داخل قاعات مؤتمر الحوار الوطني وعلى جنباته وفي أروقته ودهاليزه المغلقة حول ما تعارف الناس على تسميته بالقضية الجنوبية والتي باتت تحتل الحيز الأكبر والأبرز من مساحة اهتماماتنا الوطنية سواء داخل الحوار الوطني أو خارجه، وفي الحقيقة في كليهما معا وأصبحت بلا منازع ميدانا تتسابق فيه وتتزاحم الرؤى والاجتهادات والمشاريع الدائرة حول محور جوهري هدفه كيفية الخروج من مأزق دولة الوحدة الفاشلة المستحكم بما يحافظ على دولة الوحدة بأية صيغة أو شكل يتفق عليه، ومن واقع مجمل ما رشح منها نلاحظ توجهاً أو رؤية لمعالجة المشكلة الجنوبية بدأ يتبلور ويتشكل وسط ضجيج الأحاديث والرؤى والمشاريع والتصريحات الهائج داخل الحوار الوطني وخارجه يدور كله حول القضية الجنوبية وتتضح معالمه ومضامينه يوما بعد آخر ويمكننا رصد وتحديد أبرزها حتى الآن في المعالم الاتية:
1- إعادة صياغة وبناء الدولة اليمنية لتصبح دولة اتحادية فيدرالية وهذا مطلب جيد وإيجابي طرحناه ودعونا له منذ سنوات عديدة مضت وهو الحل الأمثل لكافة المتناقضات والأزمات التي تعصف بالبلاد وتهدد كيانها الوطني الواحد، ولا أعتقد أن عاقلاً بإمكانه الوقوف ضده.
2- أن تقوم الدولة الاتحادية تلك بين إقليمين اثنين فقط إقليم يشمل الجنوب وآخر يشمل الشمال بالحدود التي كانا عليها قبل الوحدة، وفي رؤية أخرى معدلة أن تقوم بين خمسة أقاليم، اثنين منها للجنوب كما كان قبل الوحدة وثلاثة للشمال كما كان قبل الوحدة ورغم أن مسألة تحديد ورسم التقسيم الاداري لأقاليم الدولة الاتحادية مسألة فنية تجري عقب تقرير شكل وطبيعة الدولة الاتحادية وتخضع لمعايير وأسس عملية وشروط موضوعية متكاملة إلا أنه من الممكن القبول بأيٍ من التقسيمين آنفي الذكر كخيار ضرورة لا مفر منها في سبيل الهدف الأعظم ببقاء الكيان الوطني موحداً.
3- أن يعاد بناء سلطات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وكامل الجهاز الإداري بشقية المدني والعسكري من الأعلى إلى الأدنى على قاعدة المناصفة الكاملة بين الجنوبيين والشماليين، وهذا المبدأ هو ما تحتم تدميراً ومأساوية وكارثية من تجربة الوحدة السابقة الفاشلة وما نتج عنها.. وقبل الشروع في مناقشته وتفنيده لا بأس من التذكر بأني كنت حرب 1994م بل من قبلها من أشد المعبرين والمدافعين عن القضية الجنوبية وقبل أن تطرح بهذا المصطلح لسنوات ولازلت من المناصرين لحقوق الجنوب المهضومة والظلم الفادح الذي عانوا من وطأته أشد المعاناة وربما كنت أول من طرح تقريبا مبدأ مسخ الجنوب حق تقرير المصير، وانطلاقا من هذا الموقف المبدئي الثابت والتزاماً به وتعبيراً عنه أقول إن حلاً كهذا وخاصة في جانبه المتعلق بتقاسم كل وظائف الدولة من أعلاها إلى أدناها لا يقل جرماً وخطورة وكارثية عن أسلوب إقامة دولة الوحدة عام 1990م وذلك للأسباب الرئيسية التالية:
1- أنه يصب كل جهده لتقديم أية ارضاءات واغراءات هي في محصلتها الأخيرة وجوهرها بمثابة الرشاوي السياسية بغرض إقناع أبناء الجنوب واستمالتهم وكسب موافقتهم على القبول بمبدأ الدولة الاتحادية المزمعة وفي ذات الوقت يضرب عرض الحائط ويدوس على كل الشروط والمعايير والأسس والمبادئ التي تحكم بناء الدولة الوطنية الحديثة والمعاصرة مركبة كانت أم بسيطة ويتجه على غير بصيرة وهدى وباندفاع جامح لمعالجة وحل مشكلة قائمة بالفعل بأسلوب وعلى أسس غير موضوعيه وخاطئة تخلق تربة وبيئة وظروفاً ملائمة وحافزة لانفجار مشكلة أشد خطورة وأوسع نطاقا وأكثر كارثية من المشكلة السابقة من حيث علم أم جهل.. لا فرق.
2- أن مسألة بناء أسس ومقومات الدولة الحديثة بمختلف أشكالها وصورها وعلى امتداد العالم كله تقوم على مبادئ وقيم وحقوق اساسية تنعي عليها دساتيرها وتكلفها وتحميها بما فيها الدول التي لا تأخذ بالديمقراطية في إدارتها مثل المواطنة المتساوية والناس جميعا سواسية أمام القانون وفي كافة الحقوق والواجبات ومبدأ الصوت الواحد لكل مواطن وعدالة تمثيل المواطنين في المجالس النيابية والمحلية والبلدية الخ.
دون تميزها أو مفاضلة وحرية الانتخابات وممارستها إضافة إلى حقوق التعبير والاعتقاد والعمل والتنقل وغير ذلك، والتوجه الذي نناقشه هنا ينسف تماماً كل تلك المبادئ والقيم والحقوق تماماً ويحول الدولة من دولة المواطنة المتساوية والحقوق والواجبات المتساوية لكل مواطن على حدة والديمقراطية السلمية القائمة على العدالة وكل المبادئ والقيم المشار إليها آنفا الى دولة هي أقرب إلى حدما إلى دولة التمييز والفعل العنصري البغيض وهو مالم يعد له أي وجود في العالم كله تقريبا..
3- وأخيرا فإن ذلك الاتجاه قد تجاهل تماماً وأسقط من اعتباراته وحساباته وفكرة الحقيقية الجوهرية التي تؤكدها مختلف التجارب الإنسانية على امتداد العالم والتاريخ والتي تؤكد بأن الحكم الرشيد والدولة القوية والناجحة هي تلك التي تبسط الأمن والأمان والاستقرار وتجسد مبادئ وقيم الحرية والعدل والمساوة بين جميع مواطنيها وتحترم وتؤكد على حريات الإنسان وتمتعه بقيم الحرية والكرامة والعزة الإنسانية، ولهذا تظل دائما حاجة ضرورية وملحة في نظر ومشاعر مواطنيها وشعوبها وهي وحدها التي تتوافر لها عوامل وأسباب الفعالية والقدرة والنجاح في وضع وتنفيذ الحلول والمعالجات لكافة المشاكل والأزمات والتحديات التي تجابه بلدانها وشعوبها وعلى العكس من ذلك تماماً فإن الدولة التي تتأسس وتبني على أساليب تقوم بمنح أوضاع تمييزية وترتيب امتيازات وحقوق ومكاسب تفصيلية لبعض شرائح ومكونات مجتمعها على حساب الشرائح والمكونات الأخرى لا تجني سوى الإخفاق والفشل في مسئولياتها ومهامها وتنفجر في وجهها مختلف أشكال الثورة والتمرد والتفجيرات الشعبية والاجتماعية المختلفة، وسرعان ما يسري في كيانها التفكك والانحلال المنفي إلى انهيارها وسقوطها.. وإذن فاليمن اليوم يقف على مفترق طريقين لا ثالث لهما فأما أن نتجه جميعاً بكل صدق وإخلاص لتأسيس وبناء الدولة اليمنية الحديثة الاتحادية الديمقراطية استناداً إلى معايير ومبادئ المواطنة المتساوية في الحقوق وحماية وتحقيق حقوق ومصالح وكرامة كل شرائح ومكونات المجتمع دون تمييز أو تفضيل أو محاباة أو ميل لأي مكون من المكونات.. أو سنحكم على أنفسنا ومصائرنا وحاضرنا ومستقبلنا بالبقاء لحقب طويلة من الزمن في قلب دوامة المشاكل والأزمات المتفاقمة والمتصاعدة والتي لا تقف عند حد أو نهاية ونمضي في التيه نحو المجهول والمصير المظلم..
وأما فيما يتعلق بالقضية الجنوبية فإني لا زلت اليوم أكثر اقتناعاً بأن الحل الوحيد لها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر العودة إلى شعب الجنوب نفسه وتنظيم استفتاء محايد وشفاف ونزيه وحر لمعرفة رأيه وقراره في الاختيار بين البقاء ضمن إطار دولة يمنية اتحادية جديدة أو استعادة دولته المستقلة من جديد. وأياً اتكون نتيجة الاستفتاء فيجب علينا احترامه وتنفيذه لأنه حل حضاري ديمقراطي إيجابي يحافظ في كلا الحالين على وشائج القربى وأواصر الأخوة والود والتعاون الإيجابي بعيداً عن الضغائن والأحقاد والكراهية المدمرة لكل شيء، ومهما يكن قرار وإرادة شعب الجنوب فإنه يظل أقل خطراً وأخف عواقب وأهون كارثية من دولة تبنى على أسس ومضامين ومعايير خاطئة وغير صحيحة تقوم على التمييز والمفاضلة بين شرائح ومكونات المجتمع بكل ان يترتب على ذلك من مخاطر وازمات وكوارث ومآسي اشد اهلاكاً وكارثية من حيث أردنا أن نكحلها فأعميناها..
عبدالله سلام الحكيمي
بريطانيا -شيفلد
31/9/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.