مايستمر في التعذيب هو وحده يستمر في الذاكرة. والذي تكون معاناته إنسانية يكون خلاصه حتميا ولو تدرج في فصول النسيان. ومن يقول إن الوحدة تمثل القوة والسعادة للإنسان، غير الذي يدرك أن الوحدة لاتعني شيئا إلا بمقدار ما تخدم مصلحة الإنسان.. هذه كلمات مبثوثة في الواقع لانعرف لها معنى إلا عند الممارسة، خاصة عندما ترتبط بمفهوم الوحدة والتوحيد، والتي هي عبارة عن رموز لمعاني تطبق على الواقع فتصدقه أو تكذبه، من حيث هي حقائق ثابتة أو افتراضية. فهذان معنيان متعارضان فإذا طبقناهما في قالب واحد وبمعنى واحد ضاعت المسافة بينهما وتحول تطبيقهما إلى صيغة عكسية مخالفة للمعنى والهدف، ولو بالغنا في مفهوم الوحدة وحولناه إلى توحيد فيصير ما يمكن أن نطلق عليه (التوحيد الميتافيزيقي)، وما يميزه هو أنه توحيد اختزالي يهدف أساسا إلى إرجاع العناصر كلها إلى عنصر أساسي بحيث لا يظهر خلفه أو إلى جانبه أي تفردات لعناصر أخرى، وإنما فروع تصدر عنه، يؤول هذا التوحيد في نهاية الأمر إلى الغاء التعدد واختزاله، ففي الحالة الاجتماعية هنا لا يترك لكل عنصر نصيبه من الحركة، وتحولت الوحدة تحت هذا المفهوم إلى علاقة الكل بالأجزاء، فتلغي بالتالي التنوع والاختلاف ومن ثم تلغي الهوية بالإختلاف، وهذه نظرة الوعي الشقي الذي يريد من الوحدة اليمنية ان تكون آلة مصمتة لاحركة ولاحياة فيها، فتصبح النتيجة وهي الأهم خراب في العلاقات الاجتماعية لأنها في الأساس هي مبدأ الحياة للبشر ومن ثم تتحول إلى عذاب ومعاناة واستلاب، فتقف الحياة عند هذا المستوى أو تعود إلى مستوى أسوأ من السابق. هذه الوحدة اللاهوتية التي غالبا مانطبقها من منظور عقدي ديني وليس من بعد ومدلول ديني ولا من مستوى علمي، ومن يتقدم فيها بالمصالح يسيطر على حركة السير في هذا المضمار وينشر أضاليله المزيفة فيها ويتكئ على القوة في تثبيتها. لايوجد هناك في الوحدة اليمنية متكأ من الوحدة التاريخية التي تضللها التسمية، ولاهناك قدر تاريخي لها إلا في الحالة الافتراضية للوحدة العربية، هناك أفول تاريخي عربي مع وجود تاريخي أصيل..لاندري كيف نقنع إخواننا في الشمال بفشل الوحدة فشلا غير قابل للإصلاح والترميم، نتيجة لقيامها على الخيال وليس على دراسة الواقع، فهل نقنعهم بواسطة الفلسفة أو المنطق أم بالتاريخ، لكي نبرهن على عدم جدوى استمرار السير في المجهول. فكما يقول الفيلسوف الالماني (هايدجر): ((الوجود ينسحب عندما ينكشف في الموجود)).إذا الحاضر لايحضر وهو في تباعد دائم عن نفسه، إنه تائه ضال، كونه على الواقع مسحة من الخيال. وكما بنيت الوحدة اليمنية على خيال سياسي أو حتى شعبي فهي لم تعاصر الزمن ولم تنفك عن محاصرة نفسها في واقع بني على الخطاب وعلى الخيال، وعلى الايديولوجيا، وعلى الوجود التاريخي، وبحسب الفيلسوف المذكور يقول:((في الوجود التاريخي الأصيل لانكون على مسافة بعيدة، ولا على مسافة قريبة..إننا نكون في التيه والضلال)).هذا يجعل الإنسان الجنوبي بكل مكوناته الاجتماعية، يربط غياب الوحدة بفجر الإسلام، وفيما بعد بانعدام وعيها الاسلامي الحقيقي، فالقدر التاريخي للجنوبيين لا يعني لهم شيئا طالما كان ضد مصالحهم، ولا يعني لهم أية إشارة إلى جبرية كونية، وإنما هو عودة إلى نفس النقطة لا كبداية زمنية، بل كأصل لم ينفك عن الإبتداء،مهما كان الوعي الشقي الذي يسيطر على مخيال إخواننا الشماليين، وتشبثهم بالوحدة بخيال عاطفي يعارض الواقع ويناقض المصالح للمجتمعين شمالا وجنوبا، فلعلهم لايتغاضون أن الجنوب شعب، والشعوب تمتلك كل الحق في تقرير مصيرها وتحديد خط سيرها وتوجهها السياسي بعيدا عن عواطف الضرورة والحتمية والقدرية التي أصيب بها إخواننا في ساحات الوعض من قبل نفر يحرضون على الجهالة والانغلاق وتقييد الحرية ومصادرة الحقوق باسم الأصالة والدين والتاريخ وروابط الدم ومن رأيها تجليات التعاليم الإلهية المفروضة على الجنوبيين. على إخواننا أن ينبذوا الوعي الشقي الذي لم تستفد منه حتى دولة إسرائيل المدعومة من قبل الغرب،عندما حاولت أن تهزم وتشتت العرب بكل شعوبها، وتنتصر بهيمنة القوة فلم تفلح. هكذا باسم وحدة الأمة العربية يقضى على فلسطين، وباسم اللاهوت خلصنا إلى العنف، ولهذا فإن التشبث بالوحدة اليمنية والتذرع بالقوة تحت شعار وحدة الأمة يعني القضاء على شعب الجنوب، لكن سيكون معه شعب الشمال في نفس المصير عند الإصرار على تطبيق تلك الشعارات. ولذلك فإن من ضرورات المرحلة التنبه إلى الوعي التراثي المتجاوز لحدود المعرفة وقوانين وقيم العصر،وعلى إخواننا في الشمال أيضا ألا يساندوا رموز الكهنوت المتحجرة بفكرها في عصور سادت ثم بادت، ومعهم أصحاب الريع والمصالح، الذين يسعون لتمزيق وحدة المجتمع الجنوبي وأهدافه، وألا يفرحوا بزرع الشقاق بين الجنوبيين وهم يعرفون أن الجنوب شعب ودولة لم يكن الخلاف معهم إلا بعد سوء استغلال وتطبيق الوحدة، وأن الشعوب الحية لن تموت بالسهولة التي يصورها جبابرة المنافع الذاتية.. ألم يعودوا إلى التاريخ ويعتبروا أن العرب بمجتمعاتهم وشعوبهم السابقة واللاحقة لم يستطيعوا أن يقتلعوا دولة اسرائيل من الوجود منذ آلاف السنين ، ومنذ أيام البابليون ونبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد، إلى ماقبل ثلاثة عشر قرنا من الآن عندما اعتبر العرب أنهم في فلسطين لوحدهم. وهاهي إسرائيل تعود كدولة تخيف العرب وتجلب الغرب لاستغلال العرب وثرواتهم، إنها عملية تنعكس على ذاتها. فلشدة مانتجاهل الآخر تنتهي بأن تجاهل ذاتنا وهي نهاية هذا الوعي الشقي. أما عن الوعي المتشاقي:فإنه ذو صلة وتواصل من الماضي عند الوحدة ومن الحاضر بعد فشل الوحدة،طبع في سلوك بعض الجنوبيين،منهم من يخدم بسلوكه المتشاقي هذا تكريس الوضع السابق على الجنوبيين أي استمرار الوحدة الفاشلة عن طريقين: إما بطريقة مباشرة؛والذي يمثلهم المنتفعون بصورة ذاتية من الوحدة على حساب عناء وشقاء وكرامة وحقوق أبناء الجنوب، بعضهم من المتواجدين في السلطة الحالية،وهم الذين يقفون عونا على الظلم واستمراره على شعب الجنوب.أما من يخدمون استمرار الوحدة بطريقة غير مباشرة فيمثلهم هنا بعض من قيادات الحراك في الداخل والخارج، من المغرمين بالمناكفة والصراع والمماحكة من أجل الظهور والشهرة والتعالي، لكن رويدا رويدا فالثورة الجنوبية بقيادة شعبها لابقيادتهم هم، ستفرز أولئك النفر من المحبين للمصالح على حساب تضحيات شهداء الثورة، ودماء جرحاه ومعاناة أسراه وأسرهم. مثل هؤلاء هم المتأثرون الذين أصابتهم العدوى من ندمائهم من رموز الوعي الشقي الباحثين عن الغنيمة في سراديب المقهورين، وهؤلاء غير متماهين مع خط سير الثورة الجنوبية، ولكنهم تماهوا مع خط سير الوحدة الفاشلة المتحكم بها القلة المتفيدة والغانمة منها. لمثل هؤلاء نقول: إن الحياة لم تخلق عبثا وليس هي ضرب من الفوضى، بل إن الحياة مرتكزة على القيم، والثورة التي لاتمتلك قيما أخلاقية وثورية لايمكن لها الانتصار وبلوغ الهدف، وأساس هذه القيم والمقومات هي: التضحية بدون طلب الشهرة أو المال، وهي أيضا الإيثار والتفاني من أجل حقوق وقيم الإنسان وكرامته بدون مقابل، وهي كذلك نضال ضد الظلم ولصالح كل الناس بدون تمييز، والثورة ذات الأهداف العادلة تعني لكل الثوار التسابق على الشهادة من أجل انتصار الحق، هذا هو الهدف من الثورة، وعندما تخلع الثورة لباسها من أجل الباطل فذاك هو الانهزام والتقهقر، ذاك هو التردي، فهو يظهر في من يسمون أنفسهم ثوارا لطب التباهي والحضور في وسائل الإعلام، أو عن طريق الغرور والتعالي على الآخرين بالإصرار على الوقوف في ساحات الخطابة والادعاء الأجوف باسم الثورة وبالحرص على إعتلاء منصات المهرجانات والإحتفالات العامة. إلى كل الشرفاء وهم الأكثرية من عامة أبناء الجنوب. هؤلاء أنتم أداة الثورة وقواها الفاعلة يمكن القول: إن النضال الثوري للشهداء لايورث، بل هو مكانة اجتماعية تبقى إذا احترمت تلك المكانة من قبل الذوات. وإن النضال الثوري أساسه المثابرة والاستمرار في النضال حتى تحقيق الهدف، وأن مجاله في الوقت الحالي ليس المنصات، بل الساحات والميادين، كما هو أيضا التلاحم الكفاحي مع الجميع، وهو النضال بمختلف الوسائل الفكرية والثقافية والمادية والعملية، لمن أراد ذلك..إننا نخاطبكم بالقول: إن المرحلة التي أمامكم وأنتم روادها فهي لاتتطلب المزايدات أو المكايدات ولا التنوع والتكاثر بالقيادات العمياء التي تمتطي على ظهوركم بعد أن أصابها التشاقي في الوعي من ذلك الوعي الشقي الذي مثل الوحدة المغدروة الفاشلة. فالعناصر المتشاقية ستشقي الجميع بتهورها وطموحها اللامشروع في وهم الزعامة أو القيادة.. لدينا رئيس شرعي واحد يمتلك خبرة أكثر من نصف قرن من العمل السياسي والنضالي المجرب والمبدئي، فرضته ظروف المرحلة، وهو رئيس مرحلي لارئيس أبدي، وقد قطع العهد على نفسه بمغادرة السلطة عند نهاية الفترة الانتقالية.فلماذا البحث عن أصنام من قيادات تاريخية فاشلة أو ميداينة متسلقة. بعدها ستسلم السلطة إلى الأيادي الأمينة الصادقة المناضلة الكفوءه المتفاعلة مع روح العصر، الغير متحيزة لفئة أو لقبيلة أو لفريق سياسي أو ديني..ها أنتم أيها الشرفاء أكثر من يضحون في هذا النضال،وأنتم أصحاب المصلحة الحقيقية،وأنتم الوعي الضامن للثورة،أنتم الذين تراقبون خط سير الثورة.وليعلم الجميع أن الحراك لايمتلك هيكل تنظيمي واضح، فلا بد من مركزة القيادة والتسلسل الهرمي للتعليمات والأوامر وتكوين جبهة نضالية موحدة، وأن اختلفت المكونات فلا خلاف على تحقيق الهدف. ولابد أن تعلموا أنكم في مرحلة نضالية ليس فيها ديمقراطية، ولاتقبل المهاترات التي تضر بتحصيل جملة النضال للجميع، الديمقراطية تأتي فعلا في مرحلة مابعد الثورة. فلا تدعوا الصحف الصفراء وبعض وسائل الإعلام التي تروج لخلافاتكم لتقف ضد مصالحكم. فلا خوف على قضيتكم فهي أكبر من المروجين والمتسلقين الباحثين عن الشهرة وحجز مواقع قيادية وهمية على حساب نضالكم أيها الشرفاء وتضحيات شهدائكم..إن الهدف الواحد والوحدة الوطنية،والتوافق النضالي،والتضامن الجمعي،هي أهم الوسائل لتحقيق الهدف. والله ولي التوفيق صالح محمد مسعد(أبوأمجد) 20/10/2013م