غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الوزير البكري يلتقي بنجم الكرة الطائرة الكابتن اسار جلال    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل الشيخ محسن بن فريد    عندما يبكي الكبير!    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    آرسنال يُسقط بورنموث ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أين تتجه الأوضاع في عالمنا العربي وما حوله؟
نشر في الوسط يوم 04 - 12 - 2013

منذ غزو حلف ((الناتو)) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان في السابع من اكتوبر عام 2001م واحتلالها عسكريا كنتيجة رئيسية من نتائج وردود افعال الأحداث الإرهابية المأساوية المذهلة التي تعرضت لها أمريكا فيما عُرف بأحداث 11سبتمبرعام 2001م ، ومنطقتنا العربية الممتدة من ((الميحط الى الخليج)) ومحيطها الإقليمي الإسلامي الممتد شرقا من إيران إلى باكستان وأفغانستان، وشمالا من بلدان آسيا الوسطى الإسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي إلى تركيا، وجنوباً فيما وراء الصحراء الكبرى الافريقية، تشهد جملة من التفاعلات والارهاصات والتمهيدات التي تُعِدها وتهيؤها لتصبح لاحقا مسرحاً لأحداث وتطورات ممنهجة ومدروسة بغرض خلخلة وتدمير كياناتها السياسية القائمة وبُناها وهياكلها ومؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ومُجمل ما حققته من مكاسب وانجازات في مختلف المجالات كمدخل لا مفر منه لاعادة رسم خريطتها ونُظمها واوضاعها وصياغة نمط حياتها ومناهجها من جديد لتتكيف وتتواءم وتتناغم وتتسق مع الحسابات والاجندات والمصالح الاستراتيجية الغربية عموما والأمريكية منها على وجه التحديد والخصوص، في إطار رؤية كونية شاملة تسير نحو إخضاع العالم وإحكام الهيمنة عليه عند نهاية المطاف، ومحاصرة وتطويق وضرب أية قوة عالمية تتطلع إلى ممارسة دور فاعل عالميا وحماية وتوسيع مصالحها أو يُشتم منه احتمالات منافسة الهيمنة الغربية أو تشكيل تهديد لسيطرتها العالمية الاحادية المنفردة.. حيث شكٌل غزو افغانستان وتدميرها وسحقها، باستخدام أعتى وأعظم وأفتك وأحدث قوة عسكرية في التاريخ الإنساني كله، تدشينا مخيفا ومرعبا للشروع فيما اطلقت عليه الادارة الأمريكية، آنذاك، الحرب العالمية الشاملة ضد (( الإرهاب العالمي)) دون تعريف هويته وتحديد معالمه وتوضيح مواقع وأماكن تموضعه وتمركزه على خارطة العالم الجغرافية، بل ظل اقرب الى شبح او مارد جبار يثير الهلع والفزع والرعب دون أن يراه أو يلمسه أحد أو حتى يحس بدبيب وقعه وإيقاعاته ولو من على بعد! وكان المنطق والشعار الأمريكي الشهير ((إما ان تكونوا معنا او ضدنا)) أي إما أن تقبلوا بالانخراط معنا ، وتحت قيادتنا، في الحرب الكونية على إرهاب هلامي زئبقي وتضعوا تحت تصرفنا كافة التسهيلات والدعم اللوجيستي بلا حدود فتكونوا اصدقاءنا، أو تأبوا وتتمنعوا أو حتى تحايدوا فتصبحوا، تلقائيا، أعداءنا تماما كما هو الارهاب ! ومن ثم جرى التوظيف والإفراط في استخدام تهمة ممارسة الإرهاب أو دعمه وايوائه وتشجيعه وتمويله وتوسيع أو تقليص استخدامه وتوظيفه حسب مقتضيات ومتطلبات تنفيذ وتحقيق اهداف الاستراتيجية الكونية الموضوعة سلفا للسيطرة على العالم ووأد ظهور وبروز قوى عالمية محتمل منافستها أو تهديدها لتلك الإستراتيجية وكبح جماحها وضرب قواها وسبق تطورها العلمي، ضمانا وتأكيدا على استمرار التفوق الأمريكي الهائل على الجميع ولو عبر استخدام القوة العسكرية !! وتلى غزو واحتلال وسحق افغانستان، وإخضاع دول كثيرة على امتداد العالم عبر الضغط والتهديد والحصول منها على قواعد عسكرية وتسهيلات لوجيستية وأمنية على أراضيها، الشروع في تنفيذ خطوة لا تقل أهمية، إن لم تفق، غزو افغانستان، وهي غزو العراق واحتلاله عسكريا تحت دعاوى محاربة الإرهاب ومناصريه ومموليه، كالعادة، وتعزيز هشاشته بإضافة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل ثبت، فيما بعد، انعدام وجود أي أثر أو علامة على امتلاك أي منها، وجرى تدمير العراق باستخدام كافة انواع الأسلحة الأكثر تطورا وتدميرا وفتكا بما في ذلك ذخائر الاسلحة المصنعة من ((اليورانيوم المنضب)) الذي خلف مآسي إنسانية مرعبة ومهولة لا يزال العراقيون وتعاقب مواليدهم يعانون آثارها البشعة حتى اليوم ولسنين طويلة جدا قادمة ! ولم يضيع الغزاة المحتلون وقتا بل شرعوا على الفور بتفكيك وتدمير كيان الدولة الوطنية العراقية الناشئة وتدميرها بجيشها وأمنها وهياكلها وبُناها ومؤسساتها وكادرها الوظيفي بالكامل، وكان هذا الذي حدث في العراق يجسد، بوضوح وجلاء، تامين، النموذج والمثال الأكثر سطوعا وبلورة، للسيناريو المخطط والمُعد المراد تطبيقه، لاحقا، على كل بلدان ودول منطقتنا العربية، دون استثناء، والهادف أساسا إلى تفكيك وتدمير بنى ومقومات ومؤسسات وهياكل دولها الوطنية الناشئة، سواء بالغزو والاحتلال العسكري المباشر تحت مبررات وذرائع مختلفة وفق مقتضيات الحال والظروف، أو عبر وسائل وأدوات أخرى غير مباشرة ، ومنذ ذلك الحين ظلت آلة الاعلام والدعاية الأمريكية والغربية عموما، تنظم حملات مكثفة وواسعة ومخططة علميا ونفسيا ، في التضخيم الشديد المغالاة والمبالغة للإرهاب وخطره الداهم على العالم اجمع والتهويل المخيف لحجمه وقوته وقدرته ، وعلى نحو بدا ما يسمى ( بالإرهاب العالمي) وكأنه حل محل الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي العالمي المنهار كقوة عالمية تتحدى الغرب وتهدد حاضره ومستقبله !حيث ظهر على العالم، فجأة، إطار تنظيمي للإرهاب العالمي الذي أطلق عليه اسم ((القاعدة)) التي عشنا لفترة طويلة من الزمن نفتح أعيننا وأسماعنا صباح كل يوم تقريبا على أخبار تتناقلها كافة وسائل الإعلام عن ضربات إرهابية لهذه القاعدة وقدرتها( الاسطورية )) التي تضرب حيث تشاء في إطار المعمورة ومتى تشاء في ظل عجز وشلل شبه كلي عن تعقب آثارها والقبض على منفذيها !! والغريب والعجيب، حقا، أن هؤلاء الارهابيين و(( القاعدة )) لم يكن لهم أي أثر أو وجود في ظل نظام حُكم الرئيس صدام حسين على الإطلاق، بل برزوا وصالوا وجالوا في العراق في ظل احتلال الجيش الأمريكي وجيوش حلف الناتو الجبارة للعراق، وعاثوا في أرض العراق فسادا وتدميرا وسفك للدماء وقتلا وتقتيلا للعراقيين والعراقيات عشوائيا وبدون تمييز وبالجملة ولا يزالون كذلك حتى اللحظة! وخلال كل ذلك، وعلى نحو فجائي، نراهم قد توجهوا، أو وُجِهوا، نحو السعودية ونفذوا سلسلة من العمليات الإرهابية الفظيعة التي تدل على تدريب عال وخبرات واسعة، قبل أن تتمكن السلطات السعودية وتنجح نجاحا متميزا ملحوظا ومُبهرا في اختراق مجاميعهم ومحاصرتهم وتصفيتهم والقضاء عليهم بشكل كلي، تقريبا وكذا الحال كان قد سبق في الجزائر حيث استمرت أعمال الإرهاب الدموية في تصاعد مستمر مخلفة آلاف الضحايا والجرحى قبل أن تنجح الجزائر بعد سنوات من مواجهتهم وضربهم وشل قدرتهم وفعاليتهم، وشهدت اليمن أحداثا إرهابية مماثله، وإن بشكل أخف وأقل ، إلى أن عادت ناشطة مجددا في الآونة الأخيرة ولا تزال في ظل ملابسات وتكهنات غامضة حول صلات الإرهابيين بالسلطات الحاكمة أو ببعض من مراكز القوى النافذة في تركيبتها!.
وعقب ما سُمى بثورات الربيع العربي مطلع عام 2011م ضَرب الإرهاب ضرباته القوية والموجهة وانتشرَ واستفحلَ متسبباً في الآف القتلى وعشرات آلاف الجرحى وملايين المشردين ودمارا هائلا وواسعا على نحو مهول ولا يزال، كذلك حتى اليوم، مع محاولات حثيثة لنقل مجال حركته وجرائمه إلى لبنان، وأخيرا، ما يجري في مصر وخاصة في سيناء من مسلسل العمليات الإرهابية المتزايدة في مواجهة الجيش والأمن المصري إثر سقوط حُكم الإخوان المسلمين في أوائل شهر يوليو الماضي، وإن كان الجيش والأمن المصري قد نجح في محاصرة الإرهابيين وتوجيه ضربات موجعة وقوية لبؤرهم المتغلغلة في سيناء، وأيضا، ما شهدته وتشهده ليبيا من اتساع وانتشار ونفوذ الجماعات الإرهابية المتشددة والمتطرفة وتهديدها للأمن والاستقرار العام في البلاد، إضافة إلى بدايات بروزها وتناميها في تونس المجاورة ومحاولات الامتداد إلى الجزائر لإعادة تفعيل وتقوية الجماعات الإرهابية ودفعها لتنشيط عملياتها الإرهابية ضد النظام هناك، وبمد نظرنا جنوب منطقتنا العربية عبر الصحراء الكبرى الافريقية في النطاق الإقليمي الإسلامي المحيط نرى تصاعداً و تنامياً وتوسعاً للحركات الارهابية المتطرفة في نيجيريا والنيجر ومالي وغيرها ، وعلى الشرق من منطقتنا العربية نرى بوضوح تنامي قوة ونفوذ ودور الحركات الإرهابية والمتطرفة في باكستان متأثرة بقوة بمجريات الأحداث والتطورات الافغانية (كطالبان باكستان) و(الجماعة الاسلامية) وغيرها من التنظيمات الاسلامية، أما في إيران فيبدو أن نفوذها وانتشارها وتأثيرها ضعيف للغاية رغم محاولات عديدة لاختراق جماعات إرهابية لحدودها انطلاقا من باكستان إلا انها تبوء بالفشل عادة نظراً ليقظة النظام وقدرة أجهزته ومؤسساته العسكرية والأمنية وكفاءتها في مواجهتهم والقضاء عليهم، رغم أنهم يسعون إلى إثارة النعرات المذهبية في ايران كوسيلة تساعدهم على استغلالها للتواجد والانتشار والحركة وفق برنامج معد لذلك الغرض.
وعلى ضؤ كل هذا الاستعراض الآنف الذكر، نستطيع أن نستخلص جملة من الحقائق والنتائج الرئيسية لعل ابرزها:
1) أن القوى الغربية، بقيادة أمريكا، تسعى وتعمل بكل وضوح وأدب، ووفق إستراتيجيتها الكونية، وعبر أساليب وأدوات متعددة ومتكاملة، إلى خلخلة وضرب وتدمير كيان (( الدولة الوطنية)) الحديثة في مختلف البلدان العربية بدون تمييز بين معتدلة أو راديكالية، بنشر عاصفة من الاضطرابات والانقسامات والصراعات والفوضى العارمة في أرجائها لتنشئ ، على انقاضها وأطلالها وخرائبها، كيانات ((دولة)) لا تتحكم فيها ولا تسيرها النزعات الوطنية والاستقلالية والبناء الحضاري المتطور والآخذ باسباب التطور والقوة والكرامة الوطنية والأهداف التحررية، بل تُبنى وفق أسس وأنماط مدروسة تضمن بقاءها، دائما، ضمن دائرة الارتباط بالغرب والولاء له والسير في ركابه وخدمة أهدافه الإستراتيجية، ولا تأخذ بعوامل وأسباب القوة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية الشاملة، وتظل ضعيفة أقرب إلى الشكل الديكوري..
2) إن جميع التنظيمات والحركات والجماعات التي تنضوى ضمن إطار التيار العام للإسلام الحزبي السياسي، على اختلاف تصنيفاتها بين معتدل ومتطرف وبين مُسلحة أو غير مُسلحة ، كانت منذ إعلان قيام أول كيان حزبي منظم لها عام 1928م، وما تفرع عن ذلك الكيان من جماعات وحركات ومنظمات متفرعة عنه، كانت دائما ولا تزال موالية وتابعة ، سياسيا، للمشروع الغربي العالمي، على اختلاف تطوراته وتبادل مواقع القيادة فيه، وكانت، كما تؤكد التجارب التاريخية وحقائقها، بمثابة الأدوات المحلية لخدمة وتنفيذ اجندات الغرب ومصالحه وسياساته عبر كافة المراحل، وخاضت مع الغرب كافة معاركه السياسية والعسكرية في بلدان ودول منطقتنا العربية، وإلى حد ما الإسلامية، ولم يحدث قط أن خرجت عن هذا الإطار الولائي..
3) إن كافة قوى وجماعات وحركات التيار الاسلامي الحزبي السياسي، المشار إليها آنفا، بمختلف تصنيفاتها وتباين خطابها الإعلامي، تُعبر عن مواقف شديدة العداء والرفض لمسائل كالديمقراطية وحقوق الإنسان وما يرتبط بها من انتخابات ومؤسسات تمثيلية للشعب، والقيم الليبرالية والاشتراكية إضافة إلى حقوق المرأة وكرامتها الإنسانية، ويُكفِرون كل القوى القومية واليسارية والليبرالية وبعض القوى الإسلامية كالصوفيين والاسماعيليين والشيعة والأباظية، وكل من يواليهم وكل من لا يكفرهم فهو كافر، ويُعبرون عن مقت ورفض للتعليم المدني من الانسانيات إلى العلوم التطبيقية الحديثة ويعتبرونه وافداً غربياً كافراً وملحدا ً!! ورغم اضطرار بعضها، لاعتبارات تكتيكية مرحلية إلى إعلان قبولها بالتعامل مع بعض تلك القوى وتقبلها للديمقراطية والعلوم الحديثة، لكنها في الحقيقة ما تلبث أن تنقلب عليها بعد تمكنها من السلطة والسيطرة عليها! وهي بهذه الأفكار والقناعات والمواقف تلتقي، تماما، مع أهداف((القوى الغربية)) من تجهيل وإضعاف شعوب ودول منطقتنا وعزلها عن حركة التاريخ ومساره المتطور دائما، وعلى نحو يبقيها تحت رحمة وسيطرة الغرب المتقدم والمزدهر وعالة عليه وعلى إنجازاته، مما يجعل المنطقة لقمة سائغة وهنيئة يلتهمها الغرب بكل سهولة ويسر، حيث تصبح تلك القوى المُدعية تمثيلها وتعبيرها عن الدين الإسلامي الحنيف الأداة المناسبة والقادرة والفاعلة على تفجير مختلف أشكال الفتن والحروب المذهبية والدينية والعرقية بين شعوب ودول منطقتنا العربية ومحيطها الإقليمي الإسلامي لإضعاف وتدمير الجميع ولابتلاعهم جميعا في الاخير..
ولعل الجميع يعلمون حجم الضغوط التي مارستها أمريكا والدول الغربية، على عدد من الحكومات العربية وخاصة مصر والأردن ودول الخليج العربية لحثها ودفعها إلى خوض صراع مع إيران لتأجيج نيران الفتنة المذهبية للزج بشعوب المنطقة كلها، سنية وشيعية، في اتون حروب شاملة وطاحنة ومدمرة لها جميعا في النهاية، لكن قيادات تلك البلدان كانت على درجة من الوعي لتدرك المخطط الخبيث الذي يستهدفها جميعا، فتفادت الانزلاق نحو دوامته بوسائل وأساليب هادئة وذكية، إلا أن ما تقوم به الجماعات الإرهابية المُدعية الإسلام في العراق وسوريا وباكستان وافغانستان وغيرها يصب تماما في خدمة أهداف ومخططات الغرب واجنداته في إثارة الفتن والحروب المذهبية والدينية والعرقية... الخ، ولعل ما قام به الرئيس المعزول (مرسي) قبل سقوط حُكم الإخوان المسلمين القصير لمصر من إقامة المهرجانات الحا شدة والمظاهرات التي تركزت على تأجيج نار العداء المذهبي والتحريض عليه ووصف ((الشيعة)) و((حزب الله)) و((ايران)) ب((الروافض)) ! دليل واضح على رغبته في إثبات وتأكيد استعدادهم لتنفيذ ما احجمت عنه الحكومات في المنطقة من الزج بالمنطقة في دوامة صراع مذهبي مُدمر ومُهلك وعصي على السيطرة تلبية لرغبة امريكا والغرب..
ومن هنا ندرك تمام الإدراك سبب رد الفعل الهستيري الذي عبرت عنه الإدارة الأمريكية ودول الغرب على إسقاط حُكم الإخوان المسلمين وفرض عقوبات وحجب مساعدات عن مصر للضغط من اجل عودة حُكم الإخوان لمصر !! ورغم أن البعض يذهب إلى حد تصوير التقارب الأمريكي الايراني الغربي الأخير باعتباره رداً أمريكيا انتقاميا ضد السعودية والامارات والكويت لمواقفهم الصلبة والحاسمة المؤيدة لثورة 30يونيو الشعبية المصرية والسلطة الانتقالية التي انبثقت عنها إثر سقوط حُكم الإخوان، أما أن هناك صفقة كبرى بين الغرب وايران تتجه نحو استهداف دول الخليج العربية المذكورة فإنني لا أميل إلى الموافقة على مثل هذا التحليل، لأن التقارب لم يكن وليد لحظة بل كان تتويجا لمحاولات وجهود طويلة سابقة مهدت له عملية الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة التي دفعت بالرئيس روحاني لإدارة دفة مرحلة سياسية جديدة قادمة بدعم ومباركة مرشد الثورة ومؤسسات النظام، وهو تقارب وثيق الصلة بما تشهده منطقة الشرق الأوسط والعالم وتعاطيا إيجابيا مع حقائقه ووقائعه، ثم إن طبيعة العلاقات بين الدول ، وخاصة المتحالفة منها، لا تخضع لردود أفعال ومواقف انفعالية متسرعة ومتهورة ، رغم التسليم بأن سقوط حُكم الإخوان في مصر قد أربك سياسات أمريكا والغرب في المنطقة وقلب طاولتها رأسا على عقب مسببا شللا واضطراب مواقف كبير ولافت للنظر، وفوق هذا وذاك فلا شك أن القيادة الإيرانية وقيادات دول الخليج ومصر والاردن تملك من الخبرة والحنكة والحكمة ما يؤهلها تماما لإدراك طبيعة وغايات ما يحاك حولها وضدها وليست من السذاجة ولا الهشاشة أن تستدرج إلى فخ لا يخدم مصالح أي منها بل ويسعى إلى تدميرها الواحدة تلو الأخرى وبتسليط بعضها ضد بعض تنفيذا لسياسة الاحتواء المزدوج ، وعلى أية حال فإن النموذج الجديد والايجابي الذي أرساه التحالف الوثيق الذي نشأ مؤخرا بين مصر والسعودية والامارات والكويت والاردن في كيفية إدارة العلاقات بين الدول العربية وإعادة صياغتها وبنائها على أسس وأهداف إستراتيجية كبرى لخدمة مصالح وتطلعات البلدان العربية والمساهمة الفاعلة والقوية في تشكيل النظام العربي الجديد بغض النظر عن تباينات واختلافات أنظمة الحُكم القائمة وتحريم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، وعملها الجماعي المشترك على هدى إستراتيجية عربية واحدة تضمن تقدم ورقي ونهوض وعزة أمتنا العربية ومصالحها القومية العليا وبنفس القدر خدمة مصالح وأمن واستقرار ومنعة كل نظام حُكم على حدة..
إن تعزيز هذا النموذج الإيجابي والنهج الجديد في إدارة دفة علاقات النظام العربي الجديد من شأنه وحده دون سواه أن يواجه ويتصدى ويُحبط كل المخاطر والتحديات والمخططات التي تستهدف البلدان العربية كافة دون تمييز أو استثناء ويجعل للعرب مكانة لائقة وكلمة مسموعة ودورا فاعلا بين أمم الأرض وشعوبه ودوله، وكل الشواهد المرئية، حتى الآن، تؤكد أن اللقاء والتحالف الوثيق جدا الذي نشأ مؤخرا بين مصر والسعودية والامارات والكويت يكتسب بُعداً إستراتيجيا راسخا وأنه نشأ ليبقى ويستمر ويتعزز وصولا إلى إعادة صياغة النظام العربي الجديد والمنشود. والله الموفق والمعين.
عبدالله سلام الحكيمي
بريطانيا شيفلد 15 أكتوبر 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.