هناك نوعان من الحب /الأول الحب الحسي: في جوهره هو اقتحام واستئثار وامتلاك، هو عدوان قلوب بقلوب، المحب العاشق يبيت على فراشه كأنه على جمر، يلاحقه الخوف والحزن ويعلن أنه مستعد للفناء في من يحب، وهذا ما هو إلا وسيلة للظفر بما يشتهي، إن الدمع في عين العاشق كالسم في ناب الثعبان، فالعاشق يخدر فريسته بالدمع كما يخدر الثعبان فريسته بالسم. والحب الآخر هو الحب العذري: حب خالص من شوائب الدنس والرجس، هو حب الطهر والنقاء وهو الذي يقاوم الفناء، لايعرف مخزيات المآثم ولا منديات الأهواء. كثير من العشاق وصل بهم العشق إلى حد التصوف، هنا تكون المآرب روحية لا حسية لا يطفئها ظمأ ولا يشبعها استئثار أو امتلاك للحبيب. الحق أن العرب في شباب زمانهم كانوا يرون للحب قدسية، وهو السر في إبداع كثير من الشعراء وتفجر طاقاتهم، وكيف بدأت أجمل القصائد لأعظم الشعراء بالبكاء على الأطلال ومناجاة الحبيب، والسر في التقليد الذي يوجب بدء القصائد بالنسيب، هي دعوة إلى الشعور بما في الوجود من أطايب الجمال..في الأيام الأولى من العصر الإسلامي وجد من تنكر للغزل، ولكن أهل الرأي من أتقياء المسلمين عدوا ذلك الإنكار تنسكا أعجميا، فأخذوا ينشدون الغزل في المساجد بلا تحرج ولا تهيب، فأحلام القلوب فن من أوطار العقول، وما كان الإسلام بالدين المترهب المعتزل عن جمال الوجود.. لقد اهتم جماعة من رجال الفقه الإسلامي بالحديث المفصل عن عاطفة الحب وهم رجال المذهب الظاهري أتباع الرجل الصالح محمد بن داود، وهو الذي فصل في أحوال العاشقين، كما ألف ابن حزم الأندلسي كتابه(طوق الحمامة)في النزعة الوجدانية وفن الحب، واهتمت الصوفية اهتماما كبيرا بالحديث عن الحب وإلى تشريح العواطف والأهواء، والصوفية في الأصل هم عشاق تحولوا من الحب الوجداني إلى الحب الروحاني. فالشعراء العشاق سبقوا إلى تربية العواطف، لأنه أعظم حافز لعزائم الرجال، وكان الحب هو الباعث الأول لهذه الثروة الشعرية. لقد استطاع عرفات وهدى بدواعي الحب تجاوز النقاط والحراسات الأمنية الشديدة التعقيد، إنه باعث الحب في التفكير أمام المستحيل، لقد مثل الجانب الروحي في حياة كثير من المبدعين والشعراء جذوة توقد التفكير وتلهب الحماس، حين يتلازم ذلك بالوفاء الخالص بين المحبين.الوفاء الذي التزم به وسلكه عرفات مع هدى والعكس هي صنيعة الحب، خمسة أشهر من العناء، والملاحقة والسجون والخوف من المجهول تنتظر هذين المحبين حين لا يرى فيه عرفات غير هدى مثلما كان قيس بن الملوح لا يرى غير ليلى العامرية، ولم يكن قيس بن ذريح يرى غير ليلى الباهلية، ولم يكن بن الأحمر يرى غير ليلى الأخيلية،وكذا حسن غير نعيمة ولا جميل غير بثينة، ولأكثر غير عزة، وغيرهم كثير. لو كان الحب مسموحا في بلدان السياسة لما ركبا هذان المحبان المخاطر لتحقيق أحلامهم بالزواج. أو هكذا الحب في النهاية انتصر على السياسة.. في هذا اليوم ستنقل ولاية البنت السعودية(هدى) إلى القضاء ليحكم عليها ليس بالإعدام كما في السياسة، ولكن بالزواج الشرعي، وهكذا حكم الإسلام بانتصار الحب واندحار السياسة إلى أماكن تموضع السياسيين المتخندقين ضد جمال الحياة والحب. صالح محمد مسعد(أبو أمجد) 29/1/2014م