السياسيون اليمنيون هم الوحيدون الذي يعيدون ذات الأخطاء بنفس الوسائل وبذات الطريقة.. وما يحصل في حوارات موفمبيك بين المكونات السياسية لا علاقة له بمحاولة إيجاد الحلول للانتقال إلى نظام سياسي توافقي باعتباره أولوية بقدر ما هو محاولة لكسب وقت للتنصل عن استحقاقات مرحلة قادمة وعصيبة ليتحول إلى فرض مجموعة من المطالب، ولذا ظلت الحوارات تراوح مكانها. كما أن المكونات السياسية لم تجتمع، صباح الاثنين، كما كان مقررًا لها، بينما قام المبعوث الأممي بزيارة للرئيس المستقيل، استمرت طويلاً في وقت انحرفت فيها النقاشات عن الغرض الأساس إلى مطالب للحوثيين بتجنيد مسلحيهم وإحكام القبضة على العاصمة عسكريًّا دون أن يتم التوافق على شكل النظام الجديد ومهامه. وأفلت زعيم "أنصار الله" من الشرك الذي كانت نصبته لجماعته الأحزاب السياسية المتحاورة برعاية أممية في موفمبيك، حين ظلت تماطل بالتوافق على نقل السلطة وتشكيل مجلس رئاسي لدفعه إلى اتخاذ قرار انقلابي منفرد كي يتحمل وحده تبعاته على المستوى الدولي، وما يمثّله من انعكاس على الوضع الاقتصادي الذي سيزداد كارثية. لقد ظلت الاجتماعات تراوح مكانها دون أن تحصل حلحلة.. وفيما كان المؤتمر واضحًا في ما له علاقة بضرورة إخراج أي توافق عبر الأطر الشرعية المتمثلة بمجلس النواب، ظل المشترك مختلفًا في طرحه، فيما قدّم رؤية مكتوبة واحدة.. لم تؤدِّ دعوة زعيم "أنصار الله" إلى المؤتمر الموسع لفرض حلول بعيدًا عن موفمبيك إلى التسريع بإيجاد حلول مشتركة بقدر ما مثّل للأحزاب حلاً باعتبار أن الحوثيين سيُعلنون حلاً من طرف واحد، وهو ما يعني إعلانًا رسميًّا لانقلاب قبل أن يُمددوا مؤتمرهم ثلاثة أيام لمنح هذه المكونات فرصة اتخاذ القرار.. وما يؤكد سوء النوايا أن اجتماعات المكونات، مساء يوم السبت، وصباح الأحد، الذي من المفترض إعلان البيان الختامي، قد خلت من أي نقاشات حول موضوع الاجتماع المتمثل بتحديد شكل النظام القادم ونقل السلطة، حيث جرت - عوضًا عن ذلك - نقاشات بيزنطية حول توسيع رئاسة هيئة الحوار واختصاصات السلطة القادمة التي لم يحدَّد شكلها. لقد أعاد السيد الكُرة إلى المكونات السياسية مرة أخرى بأن منحهم، من خلال الاجتماع الموسع، ثلاثة أيام للاتفاق على مخرج، ما لم فسوف يؤول الأمر إلى اللجان الشعبية مع ما له من كلفة لن تتجاوز هذه المكونات، إلا أن تهديدًا مثل هذا لا يبدو أنه مثّل تقدمًا بقدر ما أغضب الحزب الوحدوي الناصري، الذي انسحب أمينه العام من اجتماع المكونات.. محددًا موقفًا واضحًا بضرورة إرجاع أي اتفاق إلى الدستور والبرلمان، وهو ما سانده حزب العدالة والبناء لتتشكل رؤية واحدة مع المؤتمر، فيما ما زالت بقية الأحزاب، ومنها الإصلاح والاشتراكي في حالة تيه وانعدام توازن. لقد كان واضحًا منذ البداية أن المشهد السياسي قام على الريبة وعدم ثقة الأطراف ببعضها البعض، ومن أن الوطن لا يمثّل أكثر من شماعة؛ إذ لو كان هو مرتكز الحوار لكان قد تم الاتفاق منذ وقت مبكر، باعتبار أنه ليس مطلوبًا أكثر من خارطة طريق مزمنة تقود إلى انتقال سلمي وشرعي للسلطة سدًّا للفراغ السياسي الحاصل.. إلا أن ما حاصل أن "أنصار الله" يريدون أن يحكموا من خلال عملية انقلابية دون أن يدفعوا كلفة الانقلاب بمنحه شرعية التوافق، بينما المؤتمر ليس لديه مشكلة بالانقلاب، وإنما بشرعنته من خلال مجلس النواب حتى لا يتم حرمانه مما تبقى له من قوة سياسية.. ليبقى المشترك محافظًا على تخبطه المحايد باستثناء الوحدوي الناصري، فيما الجميع يبدون منتظرين طوق نجاة السيد المتمثل بإعلان الانقلاب رسميًّا وتحمّل نتائجه، بعيدًا عمّا يمكن أن تُمثّله المشاركة من إغضاب للملكة ومجلس التعاون الذي رفض تشكيل المجلس الانتقالي المؤكد على شرعية هادي كرئيس. المؤتمر الموسع الذي دعا إليه عبدالملك الحوثي، وكان مقررًا إعلان بيانه في يوم واحد، تم تمديده لثلاثة أيام، وفي حال لم تتوصل المكونات لحلّ مُنحت لها فرصة أخرى حتى لا يمنحها فرصة التنصل وتحميله وحده المسؤولية رغم ما كان واضحًا من التصعيد الذي كان تم تسريبه، ومن ذلك ما أعلنه عبر قناة (السعيدة) شقيق زعيم "أنصار الله" (يحيى الحوثي) - عضو مجلس النواب، والذي كشف من أن القرارات تتلخص بتشكيل مجلس وطني من قبل المؤتمر الوطني الموسع, تشكيل مجلس رئاسي من قبل المجلس الوطني, انتخاب رئيس لمجلس الرئاسة من قبل المجلس الرئاسي, تشكيل حكومة من قبل مجلس الرئاسة, تعيين قيادة عامة للجيش من قبل رئيس مجلس الرئاسة.. إلا أنه تم فرملة قرارات كهذه، وحدد اللقاء الموسع - في البيان الختامي - عشرة مطالب وصفها بالثورية, جاء في مقدمتها تحذير واضح لكافة القوى السياسية وإمهالهم ثلاثة أيام للخروج بحلّ يسدّ الفراغ القائم.. مهددًا من أنه قد تم تفويض اللجان الثورية وقيادة الثورة باتخاذ الإجراءات الفورية الكفيلة بمعالجة وترتيب الأوضاع في حال لم تتوصل القوى السياسية لحل خلال المهلة التي أعطاها المؤتمر. ولأجل إعطاء الشرعية لهذه المخرجات تم تسيير مظاهرات في العاصمة والمحافظات. وطالب البيان الصادر بتشكيل اصطفاف وطني شامل لمواجهة من وصفها بالجماعات التكفيرية والإرهابية.. مطالباً الجيش بالقيام بدوره في محاربتها. واتهم البيان الختامي أطرافًا سياسية بالتلاعب باتفاق السلم والشراكة وعرقلة تنفيذه، مؤكدًا اعتزاز الحاضرين بالدور المشرف للقوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية في حفظ الأمن. كما أكد البيان على ضرورة تعديل الخلافات الواردة في مسودة الدستور وفقًا لمخرجات مؤتمر الحوار والسلم والشراكة، ورفض تمزيق الوطن تحت أي مسمى.. ورفض التدخلات الخارجية التي تستهدف سيادة الوطن وأمنه واستقراره، وكذا ضرورة تحقيق مبدأ المواطنة المتساوية وإعادة من تم إقصاؤهم في الفترة الماضية، ومنح أبناء المناطق التي توجد فيها الثورات امتيازات استثنائية. كما طالب البيان الختامي للمؤتمر الموسع بضرورة الإسراع في معالجة القضية الجنوبية وحلّها حلاً عادلاً ومنصفًا، بالإضافة إلى المطالبة بتنفيذ المعالجات الاقتصادية العاجلة للتخفيف من معاناة المواطنين.. داعيًا القوى الإقليمية والدولية إلى تقدير الشعب الذي يسعى لحياة كريمة وعلاقة طيبة مع جيرانه وبقية دول العالم، تقوم على أساس الاحترام المتبادل.. إلا أن اللافت أنه، ومع المهلة الممنوحة للمكونات، فإن رئيس المكتب السياسي صالح الصماد صعّد ضد الأحزاب في ذات يوم اختتام المؤتمر، في منشور على صفحته بالفيس بوك، متهمًا: «ما زالت القوی السياسية تتصارع في فندق موفمبيك بصنعاء للحصول علی أكبر قدر من المكاسب، مستغلين حساسية الوضع لابتزاز الوطن مع نسيانهم المصلحة الوطنية». مضيفًا: «رغم أن هناك تقدمًا بسيطًا في المفاوضات، إلا أن عقلية ما قبل 21 سبتمبر/ أيلول ما زالت هي المسيطرة علی أغلب القوی السياسية». واختتم مهددًا: «على الشعب أن يستعد لتحمل مسؤوليته التاريخية لإخراج الوطن من قبضة هذه القوی التي لا تبالي بالوطن ولا بمصالح الشعب وتضحياته ومكتسباته». المؤتمر الوطني الموسع الذي نظمته جماعة الحوثي لمدة ثلاثة أيام، اختتم جلسات أعماله، في ظل مشاركة واسعة من كل محافظاتاليمن، بينما قاطعه المشترك الذي كان رد على دعوة عبدالملك الحوثي بسخرية حين اشترط حضوره، إلا أن المؤتمر الشعبي العام اتخذ موقفًا سياسيًّا حين شارك بخمسة من أعضاء اللجنة العامة، وعدد كبير من الحاضرين من غير صفة حزبية. حوارات موفمبيك.. انقسامات وانسحابات وكان أعلن مكون الحراك الجنوبي في مؤتمر الحوار الوطني، الموقع على اتفاق السلم والشراكة، انسحابه الكامل من الاستمرار في الحوار العبثي، الذي قال إنه سيقود اليمن إلى المجهول.. مشيرًا إلى أنه يجري تحت التهديد والحصار لقيادات الدولة الشرعية والسياسية، وطالب - في بيان صادر عنه - بإزالة أسباب استقالتي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. إنهاء كل أشكال الحصار والتوتر والتهديد والعودة إلى أوضاع ما قبل 21/ سبتمبر2014. نقل انعقاد مجلس النواب إلى منطقة آمنة ليتمكن من اتخاذ القرار الصائب ومشاركة جميع الكتل البرلمانية. وضع الضمانات الكفيلة لاستعادة الشرعية من خلال إدارة الدولة من خارج صنعاء، ونقلها إلى مدينة تعز حتى تستقر الأوضاع. ونؤكد لشعبنا أننا لن نكون طرفًا في أي اتفاق أو محاولة لشرعنة الانقلاب. كما انسحب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي - الجمعة - من اللقاء، إلا أن الناطق باسمه عبده الجندي، خفف من حدته بالقول إن ممثلي المؤتمر لم ينسحبوا من الحوار، بل غادروا لإتاحة الفرصة للقوى السياسية الأخرى للاتفاق على رؤية معينة ليناقشوها معهم. وأكد الجندي، على تمسك المؤتمر الشعبي وأحزاب التحالف برؤيتهم المتمثلة بأن يكون حل أزمة استقالة الرئيس عبر وفي إطار مجلس النواب؛ كونه المؤسسة الدستورية الوحيدة، بالإضافة إلى أن الرئيس هادي قدم استقالته للبرلمان، ولم يقدمها لجهة أخرى. فيما يتبنى الاشتراكي والوحدوي الناصري دعوات لمسيرات ومظاهرات تندد بالتواجد الحوثي، التزم الإصلاح الصمت كموقف رسمي ومعلن، وعلى الأرض يتبنى بشكل غير رسمي المسيرات والحركات الاحتجاجية في العاصمة والمحافظات، ومنها "حركة رفض"، وهو على غير ما يبدو من مواقف مؤيدة لكل ما يطرحه الحوثيون أثناء الاجتماعات الرسمية. بعد المؤتمر الشعبي بدأت تتبلور مقترحات من قبل الناصريين والعدالة والبناء بضرورة العودة في أي اتفاق إلى الدستور والبرلمان، وهو ما يرفضه "أنصار الله".. وفيما لا زال الإصلاح والاشتراكي في حالة تيه سياسي.. الحوثيون يحاورون وبيدهم سيف يريدون من خلاله إمضاء مطالبهم لا يمنعهم شيء من استخدامه وإنما مخاوف تبعاته، كما أن الموقف الذي يتحصن به البعض يزيد من تفاقم الأزمة وخلط الأوراق بدلاً من وضع النقاط على الحروف.. على الأقل ليعرف الشعب غريمه قبل أن يحرضوه خفية للتظاهر.