تقرّبت فرنسا من دول الخليج بسبب تعطشها للصفقات الدفاعية، وحصلت على عقود بقيمة مليار يورو في هذه العملية، ولكن استراتيجيتها لدعم جانب واحد في الصراع على السُلطة بين السُنة والشيعة في المنطقة هو أمر محفوف بالمخاطر، كما يقول الخبراء. هذه هي أوقات الازدهار لصناعة الدفاع الفرنسية، في ظل توقيعها لصفقات أسلحة بقيمة 15 مليار يورو (16.7مليار دولار) هذا العام، أي ما يقرب من ضعف مبيعاتها في عام 2014 والتي وصلت قيمتها إلى في 8.1 مليار يورو. أدى تصاعد الفوضى في الشرق الأوسط ودول الخليج الغنية بالنفط، إلى تسليح أنفسهم بشكل كبير، كما يترددون على نحو متزايد في العمل مع الولاياتالمتحدة، وذلك نظرًا لجهودها الأخيرة في بناء علاقات مع منافسهم الكبير، إيران. وقد ملأت فرنسا هذا الفراغ؛ إذ سافر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الخليج هذا الأسبوع، لتوقيع صفقة بقيمة 6.3 مليار يورو مع قطر لتوريد 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال، ليصبح أول رئيس لدولة غربية يحضر اجتماع قمة مجلس التعاون الخليجي. ويأمل فريقه في أن تطلب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة شراء أسلحة قيمتها عشرات المليارات من اليورو. وفي الشهر الماضي، بدأت فرنسا توريد الأسلحة إلى لبنان كجزء من برنامج تموّله السعودية بقيمة 3 مليارات دولار. وقال بيير لولوش، وزير التجارة السابق من حزب المعارضة الاتحاد من أجل حركة شعبية، إنّ: "هولاند بارع في التكتيك الحربي؛ لذلك فهم جيدًا قلق العالم العربي السُني من ثورات الربيع العربي والصراعات الطائفية التي ظهرت في المنطقة". ولكن في الصراع بين إيران ودول الخليج، تقف فرنسا بشكل واضح إلى جانب هذا الأخير، كما يحذر المحللون. وتساءل لولوش: "هل من المعقول أن تؤيد فرنسا معسكر واحد على حساب الآخر؟ لا... ولكن من الأفضل أن تحافظ على مسافة متساوية بين البلدين". وبدلًا من ذلك، تم استقبال هولاند بحفاوة بالغة في العاصمة السعودية الرياض هذا الأسبوع، وكان حديثه المشترك مع الملك سلمان مليء بعبارات مثل "روح الصداقة"، "علاقات مميزة" و "الشراكة الاستراتيجية". وقال ديفيد باتر من معهد تشاتام هاوس في لندن: "إذا كان الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية يشتد على نحو متزايد، فالخطر هو أن فرنسا سوف ينظر إليها على أنها تؤيد السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية". فرنسا فخورة ببيع الأسلحة لم يكن هذا جيدًا بالنسبة لإيران؛ حيث تحدث الرئيس حسن روحاني هذا الأسبوع حول الدول الغربية التي "تأتي إلى المنطقة وتفتخر ببيع الأسلحة بمليارات الدولارات أو اليورو". وقال روحاني في خطاب تلفزيوني مباشر: "هل هذه وسيلة لخلق فرص العمل في الدول الغربية؟ هل هي فرصة لشخص أن يعمل في مصنع للأسلحة في حين يُقتل الناس في بغداد ودمشق وصنعاء؟" تدهورت العلاقات بين دول الخليج والولاياتالمتحدة بشأن جهود واشنطن للتوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي. وعلى الرغم من أن فرنسا شاركت في مفاوضات إيران، لكنها كانت أكثر تشككًا من الولاياتالمتحدة وأيّدت فرض قيود أكثر صرامة على البرنامج النووي لطهران. وقال باتر: "تستفيد فرنسا من حقيقة أن سياسة الولاياتالمتحدة (في الشرق الأوسط) كانت غامضة لبعض الوقت، وأنّه لا توجد سياسة واضحة". وفي الوقت نفسه، تبدو إيران ودول الخليج على شفا حرب شاملة، بعد دعمهم للأطراف المتنازعة في الصراعات بسوريا واليمن، وكذلك الاضطرابات في العراقولبنان والبحرين. تخشى المملكات العربية من تزايد النفوذ الإقليمي لإيران إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي في نهاية يونيو، والذي من شأنه أن يزيل العقوبات العالمية على اقتصادها. "يجب أن يكون حذرًا" إذا تدهور الوضع أكثر من ذلك، يحذّر الخبراء من أنّ فرنسا قد تتراجع مرة أخرى، وليس فقط على الساحة الدولية ولكن في الداخل أيضًا. وكتب الصحافي جان كريستوف بولكين في صحيفة لا كروا الفرنسية يوم الثلاثاء: "يجب أن يكون هولاند حذرًا." تهدد المملكة العربية السعودية "بخطر انتشار نموذج أكثر قوة وتعصبًا للإسلام في كل مكان يعيش فيه المسلمون، بما في ذلك فرنسا". كما تعاني باريس بسبب الهجمات الجهادية في يناير التي قتلت 17 شخصًا، وشهدت أعدادًا غير مسبوقة من مواطنيها يغادرون للانضمام إلى الجماعات المسلّحة في سورياوالعراق.ويلقي كثيرون اللوم على دول الخليج لتمويل ودعم الدعاة المتطرفين في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي ساعد على تمهيد الطريق الأيديولوجي للشبكات الجهادية. وقال لولوش إنّ: "الإصدارات المتطرفة للإسلام لا تأتي من كوكب المريخ، إنّها تأتي من السعوديين".