لقد وصلت الاستجابة الدولية للحرب في سوريا إلى درجة من الجنون جعلت كلاً من تركيا والمملكة العربية السعودية تعملان معًا على شحن الأسلحة والمال لجيش الفتح، وهو تحالف للثوار تعد جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا واحدًا من الشركاء الرئيسين فيه، وفقًا لتقريرين نشرا الشهر الماضي في كل من صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية وصحيفة الإندبندنت البريطانية. ويعرف هؤلاء الحلفاء أن خطتهم تعني تسليح تنظيم القاعدة، إلا أنهم موافقون تمامًا على ذلك. ويبدو هذا التصرف منطقيًا؛ إذ ترى تركيا والسعودية أن هناك ثلاثة فصائل عريضة في الحرب السورية، هي نظام بشار الأسد، وداعش، ومجموعة متنوعة فكريًا من الثوار المعارضين لكلا الفصيلين السابقين. ويشمل هذا الفصيل الأخير جبهة النصرة، التي ترى داعش كمنافس مغرور لتنظيم القاعدة، والتي اختارت الدخول في شراكة مع الثوار الأقل تطرفًا. وقالت الإندبندنت في مطلع تقريرها: "تدعم تركيا والمملكة العربية السعودية ائتلافًا من الثوار الإسلاميين ضد نظام بشار الأسد، وهو الائتلاف الذي يتضمن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، في خطوة أثارت قلق الحكومات الغربية". وأضافت: "يأتي النهج المشترك الجديد في أعقاب اتفاق تم التوصل إليه في أوائل مارس عندما زار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العاهل السعودي، الملك سلمان، في الرياض". وتنظر الحكومات السعودية والتركية والقطرية إلى تحالف الثوار هذا على أنه أقل شرًا. إذ إن نظام الأسد يعد عميلاً لإيران، وترى هذه الدول تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة على أنه أولوية استراتيجية قصوى بالنسبة لها. ويعد التوسع السريع للدولة الإسلامية أو داعش- التنظيم المعروف بتوحشه- تهديدًا إرهابيًا أكبر من ذلك الذي تمثله القاعدة على المدى القصير. ولذلك، وإذا كنت تريد أن يخسر الأسد، وإذا كنت تعارض داعش في الوقت نفسه، فلن يكون لديك في الواقع سوى خيار واحد، هو تسليح الثوار. وترى تلك الدول، أن مقاتلي القاعدة الثوار هم الأكثر فعالية في ساحة المعركة، وهو ما يجعل المخاطرة بتسليحهم أمرًا ذا جدوى. وقال روبرت فورد، الذي كان السفير الأمريكي في سوريا بين عامي 2010 و2014، لصحيفة وول ستريت جورنال: "لقد قرر الأتراك والسعوديون والقطريون أن المشكلة الأولى هي التخلص من بشار الأسد، وليس لدى الأمريكيين نفوذ عليهم لتغيير ما يقومون به". هذه الفكرة رهيبة، ولكنها توضح مدى السوء الذي وصلت إليه الأمور مشكلة هذا المنطق هي أن جبهة النصرة لا تزال تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وهي تمامًا مثل داعش من حيث إنها تريد إسقاط حكومات المنطقة، وإقامة خلافة تعتمد على تفسيرها للشريعة الإسلامية مكان هذه الحكومات. ولا تعني حقيقة أن جبهة النصرة تستطيع القتال جنبًا إلى جنب مع الثوار السوريين الأكثر اعتدالا إنها تخلت عن طموحاتها الإقليمية، بل ما يعنيه هذا فقط هو أن هذه المجموعة أكثر دهاءً في سعيها لتحقيق هذه الطموحات. وكتب ايرين سيمبسون، وهو الرئيس التنفيذي لشركة الأبحاث والاستشارات الخاصة Caerus Associates: "إن الاستعداد للاعتقاد بأن النصرة على نحو ما هي نسخة مخففة من القاعدة، أو أنها ليست جهادية جدًا، هو أمر مجنون". ولهذه الاستراتيجية سجل تاريخي حافل وواضح جدًا. ففي الثمانينيات، زرع السعوديون أسامة بن لادن كطرف فاعل في حربهم السرية ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان. وقد أصبحت شبكة بن لادن أقوى جزئيًا نتيجة لتطرف المجندين خلال تلك الحرب. وفي حين أن لا أحد في ذلك الوقت كان يستطيع توقع ما سيؤول إليه تنظيم القاعدة، نحن جميعًا نعرف اليوم بالضبط ما هي القاعدة، وكذلك الحال بالنسبة للسعوديين والأتراك والقطريين. وبالتالي، فإن حقيقة أن هذه الدول أصبحت على استعداد لدعم تنظيم القاعدة، رغم إدراكها تمامًا لمخاطر هذا الأمر، توضح إلى أي درجة أصبحت الأمور رهيبة في سوريا، وإلى أي درجة أصبح منطق اليائسين المشاركين في هذه الحرب ملتويًا.