مما لا شك فيه أن الحراك السياسي والجماهيري المشتعل منذ فترة بين أطراف المعادلة السياسية داخل الساحة اليمنية‘قد أفرز جملة من المعطيات والمؤشرات الهامة التي أزاحت الستار عن كثير من الحقائق والأشياء التي لربما أنها ظلت غائبة أو محجوبة عن البعض أو أنها لم تُطرح فيما مضى بصورتها الواقعية التي هي عليها‘ وذلك فيما يتعلق بالأوضاع التنظيمية لأحزاب المعارضة وكذلك الحزب الحاكم‘ بما في ذلك أساليب عملها ومستوى أدائها سواء على مستوى الشارع‘أو الجانب السياسي أو التنظيمي ومدى قدرتها على التواصل والتفاعل مع الجماهير في عموم الساحة الوطنية. وكما يرى كثير من المراقبين والمهتمين بالشأن اليمني وكذلك المحللون السياسيون ‘فإن ذلك الحراك السياسي والجماهيري والذي أخذ يتصاعد ويتسع بشكل أكبر في العامين الأخيرين وبالذات منذ العام 2006م والذي شهد إجراء الانتخابات الرئاسية والمحلية‘ وما ترافق مع هذا الحراك من أنشطة وفعاليات سياسية وجماهيرية من جانب تلك الأحزاب في أوساط الشارع ‘ أمور قد كشفت عن حقائق مهمة بالنسبة لما هو عليه حال الأحزاب والتنظيمات السياسية ‘ وبالذات ما يتعلق بالأداء والتواصل الجماهيري.. حيث بدى واضحاً في هذا الجانب تفوق أحزاب المعارضة ( المشترك) وبشكل ملحوظ على الحزب ( الحاكم ) المؤتمر الشعبي العام‘ وذلك من خلال ما أظهرته تلك الأحزاب من ديناميكية وقدرة كبيرة على المناورة والتحرك في أوساط الجماهير والتفاعل المستمر معها ‘ والذي يعود ربما إلى كون أحزاب المعارضة تنطلق في هذا الإطار وفقاً لأسس ومفاهيم عمل حزبية تنظيمية صارمة فيما يتعلق بالتواصل والتنسيق والعمل المشترك والمنظم بين قياداتها من جهة وبين قياداتها وقواعدها وأعضائها من جهة ثانية‘ ولعل في ذلك ما مكن تلك الأحزاب بالتالي من شد الأنظار إليها وما تقوم به من تحركات وأنشطة دعائية في أوساط الجماهير وجعلها تحظى كذلك باهتمام ومتابعة إعلامية على الصعيدين المحلي والخارجي في ظل اهتمام واضح لها بوسائل الإعلام سواء المقروءة منها او على الشبكة العنكبوتية "الانترنت" بالاضافة الى التفوق الواضح في الاستيلاء على منظمات المجتمع المدني ورفدها بقيادات نشطة وذا صوت اعلامي مسموع على الرغم من تواضع حجم القاعدة الجماهيرية بالنسبة لهذه الأحزاب ‘ مقارنة بما لدى المؤتمر الشعبي ( الحاكم)‘ من قاعدة جماهيرية واسعة كانت قد مكنته من التفوق الكبير والتفرد بتحقيق النجاحات الانتخابية والحصول على حصص الأغلبية في مختلف العمليات الانتخابية التي شهدتها اليمن خلال السنوات الماضية سواء البرلمانية او الرئاسية او المحلية ‘إلا أن المؤتمر بدا في الفترة الأخيرة في وضع غير مطمئن او مريح كما يرى المراقبون ‘ مقارنة بما هو عليه الحال بالنسبة لأحزاب المعارضة‘ في تكتل أحزاب اللقاء المشترك وبخاصة ما يتعلق بجوانب الأداء السياسي والإعلامي والتواصل الجماهيري. ووفقاً لهؤلاء المراقبين فإن المؤتمر الشعبي العام بات يواجه تحدياً صعباً أمام تلك الأحزاب ‘حيث تشير الدلائل إلى أن ثمة حالة من الجمود الحزبي أصابت الحزب ( الحاكم ) وجعلته يقف مشلولاً أمام ما يُعتمل داخل الساحة من جانب معارضيه‘ويتعامل مع ذلك بموقف مرتبك وخجول. فهذا الحزب – أي( المؤتمر)- ورغم قاعدته الجماهيرية العريضة التي تكشفها نتائج صناديق الاقتراع في الجولات الانتخابية الماضية وسجله الحافل بالإنجازات الوطنية ‘ إلا أنه يعيش حالياً وكما يبدو وضعاً مهزوزاً وغير مستقر من الناحية التنظيمية‘حيث أن دوره السياسي يكاد يكون غائباً على صعيد الساحة الوطنية‘ خاصة فيما تشهده المحافظات الجنوبية من حراك يعود السبب الرئيسي فيه الى ذلك الغياب الملحوظ للنشاط المؤتمري في تلك المحافظات وذلك يعود كما يشير كثير من المراقبين والمهتمين إلى عوامل عدة من بينها وجود اختلالات كبيرة فيما يخص جوانب العمل التنظيمي على مستوى قيادات الحزب العليا والوسطية ومنظماته القاعدية في مختلف مناطق اليمن ‘ حيث العشوائية والارتجالية هي السائدة في هذا الجانب‘وذلك في ظل غياب التواصل والتنسيق فيما بين قياداته وأعضائه وقواعده الجماهيرية‘ وأيضاً غيابه عن الكثير من الفعاليات المهمة التي يمكن القول إنها تندرج في إطار العمل التنظيمي‘ بما في ذلك عقد الندوات واللقاءات النقاشية والوقوف أمام الأوضاع والتطورات والمستجدات داخل الساحة اليمنية ‘ ولما من شأنه خلق حالة من التفاعل إزاء مجمل القضايا الوطنية.. هذا إلى جانب عزوفه عن النزول إلى الشارع والاقتراب من الجماهير والتفاعل معها وتلمس همومها وقضاياها.. هذه العوامل وغيرها من الأمور الأخرى‘قد أثرت سلباً ومن دون شك على موقف المؤتمر الشعبي العام وحدت كثيراً من دوره على مستوى الساحة التي اصبح فيها وكما يقال (الحاضر الغائب) وربما مرد ذلك يعود الى حالة الركون التام من قبل قيات المؤتمر الى شعورهم الطاغي بأنهم يمثلون حزب الدولة وحيث يسيطر مثل هذا التفكير على عقلية القيادات المؤتمرية وتجعلها في حالة استرخاء او سبات شتوي ركوناً على تلك الانشطة التي يقوم بها رئيس الدولة واعتماده على ديناميكيته وانشطته ودفاعه المستميت عن المؤتمر وسياساته ولعل ما يدلل على ذلك ويؤكد صحته تلك الفعاليات الجماهيرية المتصاعدة ‘ بما فيها موجة الاحتجاجات التي شهدتها بعض المحافظات اليمنية وخصوصا الجنوبية مما يشير الى وجود خلل وقصور كبيرين في أداء الحزب ( الحاكم ) , ذلك أنه وفي الوقت الذي كان الكثير من المتابعين يترقبون ما يمكن أن يتخذه المؤتمر الشعبي من مبادرات وخطوات عملية في مواجهة ذلك النشاط المتصاعد والاحتجاجات المستمرة بحق أو بدونه من جانب خصومه في ساحة المعارضة‘ سواء أكان ذلك من الناحية السياسية أو النشاط الإعلامي أو من خلال تحريك قاعدته الشعبية والجماهيرية وهي الورقة التي لطالما ظل دوماً يتباهى ويلوح بل ويهدد بها في أكثر من مناسبة , إلا أنه ظهر خاملاً وجامداً وكأنه أخذ على حين غره عكس موقفاً بعيداً عن ذلك الذي كان يتوقعه الكثيرون, ليؤكد بالتالي (نظرية ) تحركاته الموسمية فقط (خلال الانتخابات),والتي اعتاد الركون فيها إلى رئيس ( الحزب ) وليس إلى العمل التنظيمي وذلك على صعيد حصد أصوات الناخبين وتحقيق المكاسب الانتخابية. هذا في الوقت الذي ظهرت فيه قيادات المعارضة في المشترك راكبة موجة الاحتجاجات مستغلة بذلك مجمل العوامل والظروف التي هيأتها لنفسها على مستوى الشارع وتفاعلاتها معه ‘ في تسويق مشاريعها السياسية وطرح أجندتها المختلفة‘ بهدف كسب مزيد من التأييد الجماهيري وذلك من خلال الحرص على فرض نفسها على تلك الفعاليات التي واكبها زخم إعلامي كبير ومبالغ فيه إلى حد ما من جانب وسائل إعلام ( المشترك), فيما بدت قيادات الحزب الحاكم تائهة أمام ذلك وتوارت خلف أسوار (اللجنة الدائمة) فيما ظل رؤساء فروع المؤتمر في المحافظات والمديريات في موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيهم ‘باستثناء البعض ممن حاولوا الظهور على استحياء ومن باب (إسقاط الواجب) للرد على الاتهامات التي تكال لحزبهم من جانب أحزاب المعارضة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مناسبة فيما ظل الرد العملي على مستوى الشارع غائباً لا أثر له. وبالإضافة إلى ما سبق‘ هناك من المراقبين من يشير إلى إن قيادات المؤتمر سواء في اطار الامانة العامة او الدوائر العامة او التكوينات القيادية الادنى من ذلك تعودت العمل على تنفيذ التوجيهات فقط, وخصوصا التوجيهات والارشادات التي أعتادت أن تحصل عليها من رئيس ( الحزب) للتعامل مع الأحداث والمستجدات على الساحة اليمنية وحتى العربية والدولية , ومن دون أن يكون لها أية مبادرات تذكر‘كما أن تلك القيادات وإلى جانب افتقارها لروح المبادرة ‘فإنها تعمل كذلك وفق آلية عقيمة وبعقلية متحجرة غير قابلة على التعاطي المرن مع المتغيرات .. معتبرين أن اعتماد الحزب الحاكم على (رئيسه ) وشعبيته الكبيرة وكاريزميتيه يعد من ابرز المعضلات التي يعانيها هذا الحزب كتنظيم سياسي , وأن ذلك جعل من مناصب (المؤتمر) شرفية أكثر منها مواقع عمل , الأمر الذي انعكس على واقع الحزب وبدى جلياً من حالة خلال الخمول والتقوقع الذي تعيشها قياداته سواء في اللجنة الدائمة أوفروع المؤتمر في المحافظات أوعلى مستوى اللجنة العامة‘ والتي وصل الأمر ببعضها إلى حد الاستهتار بكل اللوائح التنظيمية‘ بل والظهور بمظهر المخالف لكل توجهات المؤتمر ‘مما يعني أن كل تلك القيادات (المؤتمرية) تفتقر لأساليب العمل المنظم والمتناسق بين هياكلها. ويرى كثير من المراقبين أن السبب في تلك المواقف المتخاذلة والسلبية يعود إلى أن أغلب قيادات المؤتمر أنضمت إليه لمصلحة ذاتية وعندما تنتفي هذه المصلحة يتحول أغلبهم إلى مناوئ للمؤتمر أو يعود إلى حزبه الأصلي هذا إذا لم ينبر للتحول إلى وضع المهاجم والمنتقد للمؤتمر وقياداته وهو ما ظهر أخيراً من خلال مواقف بعض أعضاء اللجنة العامة وقد استطاع البعض من هؤلاء أن يحقق مكاسب شخصية من وراء مواقفهم المناوئة والناقدة للمؤتمر. ولعلنا في هذا السياق نجد أن التوصيف الذي ظل المؤتمر الشعبي العام يطلقه على أحزاب المشترك بالتنافر والتناقض بين صفوفها ‘قد ارتد على المؤتمر نفسه‘عندما ظهر غير منسجم في أطروحاته التي كانت تخرج من اللجنة الدائمة من باب (رد الفعل) فقط ومجاراة خطاب خصومه وذلك في ظل غياب الرؤية الصحيحة في التعامل مع المستجدات والقضايا المختلفة , إلى جانب ظهور تكتلات في صفوف ( الحاكم) محسوبة على قوى داخل الحزب, الأمر الذي أدى وحسب ما يرى المراقبون إلى شلل سياسي و عقم إعلامي للحزب الحاكم مع عجز واضح عن مجاراة المناشط السياسية المبرمجة ( مهرجانات , ندوات , محاضرات , حلقات نقاشية) في كل الدوائر والمديريات والمدن والمحافظات لغريمه التقليدي حزب الإصلاح ومن خلفه أحزاب (المشترك) ,حيث ظلت مثل تلك الفعاليات غائبة عن أجندة قيادات الحزب الحاكم التي بدت متنافرة وبعيدة عن قواعدها الجماهيرية ‘ وأكثر بعدا من الحراك السياسي الكبير في الساحة اليمنية ‘ والذي وجدت أحزاب المشترك فيه فرصة مناسبة لتدشين حملتها الانتخابية مبكرا استعدادا للانتخابات البرلمانية في ابريل 2009م وهو الأمر الذي أدركه الحزب الحاكم متأخراً ‘ وعمد على إثره إلى استدعاء قياداته في المحافظات ‘حيث عقد لقاءات تشاورية موسعة منتصف يناير الماضي, للبحث في برامجه المستقبلية على أمل تنشيط عمله السياسي والتنظيمي والاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة‘ لكنه وكما يبدو أن هذه اللقاءات لم تختلف عن سابقاتها من الاجتماعات واللقاءات الموسمية التي دأبت قيادات المؤتمر على الدعوة إليها كلما حمي ( الوطيس) واشتد الموقف مع المعارضة ,وهي الاجتماعات التي نجد أن كل ما يتمخض عنها عادة لا يتجاوز حدود ما يُكتب في محاضر التحقيقات والتي ينتهي بها المطاف إلى أدراج مكاتب قيادات المؤتمر‘التي تكتفي بما تنشره وسائل الإعلام المهترئة التابعة للحزب أو في بعض الصحف التي يعتبرونها وسائل مناصرة ‘ وذلك على الرغم من أن المؤتمر يتحمل أعباء مالية كبيرة من خلال ما يُصرف على مثل هذه الاجتماعات من مبالغ كنثريات ونفقات وبدل إقامة وتنقلات وغيرها ‘ وبخاصة للمشاركين من المحافظات ‘ومن ثم فإن اللقاءات الأخيرة والتي دُعيت إليها قيادات المؤتمر وكردة فعل على ما يجرى من جانب أحزاب المعارضة ‘جاءت كسابقاتها ‘فهي على صعيد الواقع العملي لم تسفر شيئاً ولم تأت بتلك النتائج التي يمكن أن تساعد ( المؤتمر) في الخروج من دائرة الجمود‘ خاصة في ظل وجود معطيات وتجارب عدة تؤكد عدم اقتران ( الأقوال بالأفعال) لدى الحزب الحاكم‘ إلا فيما ندر. وهناك من المتابعين من يرى أيضاً أن المؤتمر الشعبي يواجه الان خصوما احترفوا العمل السياسي واستطاعوا توظيف معاناة الناس وهمومهم المعيشية خاصة في ظل ظاهرة ارتفاع الأسعار‘وإن كانت هذه الظاهرة ( عالمية) لصالحهم في تحقيق بعض المكاسب السياسية من ناحية‘ واستغلالها من الناحية الأخرى كورقة في مواجهاتهم مع ( الحزب الحكم) الذي لم يستطع حتى الآن أن يدافع عن سياسات حكومته التي تتعرض لهجوم شديد من قبل المعارضة أو يوضح للجماهير ناهيك عن أعضائه وأنصاره أسباب ظاهرة ارتفاع الاسعار على الرغم من انها تمثل اليوم ظاهرة تعاني منها دول كثيرة ومنها دول غنية وذات اقتصاديات وموارد اكثر قدرة من الاقتصاد اليمني ذو الموارد المحدودة ‘بينما الأحزاب الأخرى تهدف بتحركاتها إلى التأثير على المؤتمر داخل الساحة ووضع مزيد من العراقيل والصعوبات أمامه وهو في طريقه نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة , والتي يشير المراقبون إلى أنها تضع ( المؤتمر) أمام تحدٍ كبير وحقيقي لمدى قدرته في الحفاظ على قاعدته الجماهيرية وعلى مركزه وما حققه من مكاسب في الانتخابات الماضية ‘ وذلك بالخروج بنتائج مشرفة في انتخابات أبريل 2009م تحفظ ماء وجهه وسمعته بشكل عام. وإذا كان قد تردد مؤخراً بأن الحزب الحاكم سيلقي بعدد من الشخصيات من العيار الثقيل إلى ساحة المنافسة في الانتخابات البرلمانية القادمة (مثل عبدالقادر باجمال , وعبدالعزيز عبدالغني) وغيرهما في واحد من تكتيكاته لخوض غمار هذه الانتخابات ,فإن ذلك يُذكر بكثير من الأسماء الكبيرة من القيادات والرموز المعروفة بخبرتها وحنكتها السياسية والموجودة داخل ( المؤتمر) الذي يقول المتابعون إنه يحتضن في جنباته أفضل الكوادر الوطنية وفي مختلف التخصصات وامهر الكفاءات المجربة والناجحة حزبيا وبشكل يفوق بكثير ما لدى الأحزاب الأخرى‘ هذا إلى جانب جماهيريته العريضة وأكثرية أعضائه ‘ غير أنه لم يستفد من كل تلك المقومات الهامة ولم يسخر ما لديه من طاقات في هذا الجانب ‘ نتيجة القصور الواضح في الرؤى السياسية والكسل التنظيمي لدى قياداته التي تنشغل عادة بشئون نفسها ومصالحها الشخصية وفي ترتيب أوضاعها أكثر من انشغالها بقضايا ( التنظيم) ‘ لكونها اعتادت على الركون إلى قيادة الرئيس للمؤتمر وما يمكن أن يقدمه للحزب على الصعيد الجماهيري خاصة في مواسم الانتخابات حيث كان لذلك القصور في الرؤى والأداء من جانب قيادات ( المؤتمر) أن حال دون تمكين تلك الكوادر والطاقات من ممارسة نشاطها السياسي الحزبي بصورة مؤثرة في أوساط الجماهير‘ولعل في ذلك ما أدى إلى ما هو حاصل من حالة أقرب ما تكون إلى القطيعة بين (الحزب الحاكم) والجماهير التي يفترض أن يكون أكثر قرباً منها ومن وقضاياها وتطلعاتها ‘وأن يكون سباقاً في تبني مشاكلها وهمومها واقتراح بل ووضع الحلول المناسبة والناجعة لها في إطار حكومته التي شكلها على ضوء تلك الثقة الكبيرة التي منحته إياها الجماهير اليمنية على مستوى الساحة‘ وهي الثقة التي كان يتوجب على ( المؤتمر) الوقوف أمامها بروح من المسئولية وإعادة حساباته من هذا المنطلق. وعلاوة على ذلك يرى المتابعون والمهتمون أن ركون المؤتمر الشعبي على تكتيكاته الانتخابية التي كان قد اتبعها في العمليات الانتخابية القديمة الماضية ومن بينها الدفع بشخصيات كبيرة لخوض المنافسة‘ أمر قد ربما يأتي بنتائج عكسية هذه المرة ‘ ذلك أن نجاح مثل هذه التكتيكات في الماضي لا يعني أنها ستنجح في الانتخابات القادمة‘ وذلك من منظور أن الظروف لربما قد تغيرت وكانت مواتية فيما سبق خلافاً لما هو عليه الحال الآن‘في ظل وجود كثير من المستجدات والمعطيات الجديدة سواء ما يتعلق بساحة العمل السياسي أو على صعيد الساحة الوطنية عموماً‘وعليه فإن مثل هذه الخطوة تطرح أكثر من تساؤل .. إلى ماذا يمكن أن يستند المؤتمر الشعبي العام في تكرار مثل تلك التكتيكات‘وما هي الضمانات التي يضعها لنجاح تلك الشخصيات الكبيرة التي يراهن بها في الانتخابات القادمة‘ ثم ماذا سيكون عليه الأمر في حال عدم فوز تلك الشخصيات؟ وعليه يمكن القول إن (الحزب الحاكم) يقف أمام سباق مع الزمن لكي يثبت أنه الطرف الأقوى داخل الساحة ‘في مواجهة أحزاب (المشترك) التي استطاعت إن توجه إليه ضربات موجعة ومؤلمة في كثير من المواقف‘وخصوصاً منذ الفترة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في سبتمبر من العام 2006م والتي وإن كان قد حقق فيها نصراً كبيراً وساحقاً على خصومه‘ إلا أنه وفي ظل ضعف دوره السياسي بعد ذلك وبشكل شبه كامل تقريباً‘ وتركه الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام أحزاب ( المشترك) التي أفاقت من صدمة انتخابات 2006م وتنادت تحت صيحة الغضب الجماهيري وموجة من الاحتجاجات والاعتصامات ‘لتلملم شملها وتستنهض قواها استعداداً لمواجهة جديدة وبشكل بات يهدد مكانة ( المؤتمر) التي ظل متربعا على قاعدة جماهيرية عريضة طوال المرحلة الماضية. لذلك يتساءل الكثيرون حول ما إذا كان بمقدور المؤتمر الشعبي العام وفي ظل الوضع الهزيل الذي وصل إليه أن يستنهض قواه ويعيد ترتيب صفوفه وأن يُفعل من دوره السياسي في الساحة الوطنية وبشكل يعزز من حضوره داخل هذه الساحة خلال ما تبقى من الزمن حتى موعد انتخابات أبريل 2009م ‘ ومن ثم تحقيق تلك النتائج التي تحفظ له ماء الوجه‘ خاصة مع تلك المواقف السلبية المتخاذلة والمهزوزة لقياداته وفي مقدمتها قيادات الفروع التي كثيراً ما تبدو غير آبهة أو غير متحمسة لقيادة العمل السياسي للمؤتمر‘تاركة الساحة أمام القوى الأخرى لتتسيد وتشعل الشارع بالتضجيج لقضايا يرى المراقبون أنها في معظمها لم تعد بأي نفع للمواطن العادي, إن لم تكن تزيد من معاناته. وكما يتساءل المتابعون‘ فإنه وفي ظل وجود بعض الافتراضات التي تشير إلى أن قيادات المؤتمر الشعبي العام تريد هي نفسها أن يصل (الحزب) إلى هذا الوضع‘فهل لدى تلك القيادات رؤية لمرحلة ما بعد خسارتها في الانتخابات القادمة‘ وما سيكون عليه (المؤتمر) في حال وجوده في ساحة المعارضة.. ثم قبل هذا وذاك هل يستطيع المؤتمر الشعبي العام تحمل ذلك. معتبرين أن على المؤتمر (الحاكم) أن يثبت وجوده كحزب له إمكانياته الحزبية والتنظيمية القادرة على تحريك الشارع ومواجهة خصومه السياسيين والحفاظ على موقعة ومركزه على صعيد الخارطة السياسية‘ وإلا سوف يتلقى ضربة قاصمة في الانتخابات المرتقبة من شأنها أن تعصف به وبما حققه من إنجازات ومكانة على مدى سنوات حكمه لليمن.. وهو الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لكثير من التساؤلات عن مستقبل الحزب والذي أصبح مرهوناً بدرجة أساسية بما يمكن أن يقدمه خلال الفترة المتبقية لموعد الانتخابات البرلمانية. وختاماً وإلى جانب كل ما سبق ‘ فإن المستجدات الأخيرة التي شهدتها ساحة المؤتمر وإعلانه عن توجهات جديدة واجراء مراجعة تقييمية في الخطاب السياسي والاعلامي وبما يفعل من ادائه ويجعله اكثر قرباً من نبض الشارع ‘وإن كان البعض يقرؤها على أنها تحمل مؤشراً لمنعطف جديد في مسار عمله الحزبي‘إلا أن ثمة من يشكك في قدرة الحزب الحاكم على إحداث التغيير المنشود بالنسبة لوسائله الإعلامية وأدواته السياسية وتصحيح ما اعتراها من قصور وخلل كبيرين بالنسبة لأدائها في التعاطي مع مجمل الأحداث التي تعيشها الساحة والتصدي لوسائل إعلام المعارضة في المشترك التي أثبتت تفوقاً كبيراً على وسائل إعلام ( الحاكم) وبالذات في الجانب المهني والتحريض الجماهيري‘ أضف إلى ذلك الفجوة الكبيرة وحالة الجفوة بين قيادات الحزب وإعلامييه ‘ فضلا عن حالة الإهمال التي يعاني منها الجهاز الإعلامي للمؤتمر عموماً. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع الحزب الحاكم خلع رتابة أدائه السياسي والإعلامي , ليكون عند مستوى التحديات التي تواجهه كحزب , دون الركون على (رئيسه) لإخراجه من مازقه الراهن؟!