عن نيوز يمن - في سابقة هي الأخطر في تاريخ الديمقراطية اليمنية ذات الثمانية عشر عاماً خرجت جلسة البرلمان اليمني الثلاثاء الماضي عن مسارها الدستوري بعد شكوى تقدم بها خمسون نائباً معظهم يمثلون حزب الإصلاح الإسلامي إلى هيئة رئاسة المجلس يكفرون بها صحيفة المستقلة الأهلية ويدعون إلى إغلاقها.. في ذات الوقت الذي تقدم به أحد عشر نائباً إصلاحياً بعريضة أخرى تطالب بإسقاط عضوية النائب المستقل / أحمد سيف حاشد ناشر الصحيفة من البرلمان. القضية التكفيرية التي يتزعمها الإخوان المسلمين داخل البرلمان تبدو هذه المرة كارثة جديدة تمس النظام الديمقراطي اليمني في عموده الفقري وتنذر بحملة قمع أشد شراسة ضد الحريات والصحافة اليمنية التي تتعرض منذ ميلادها إلى اضطهاد وقمع ومصادرة تارة بحجة المساس بالثوابت الوطنية وأخرى بتهم الخيانة وثالثة بتهم المس بالثوابت الدينية. الحجة التي ساقها أعضاء البرلمان اليمني ضد صحيفة المستقلة فتوى سرية تدارسها شيوخ الإصلاح منذ مايقارب العام تعتبر الصحيفة بموجبها الخطر الأول الذي يهدد المجتمع اليمني وقيمه الدينية باعتبارها تدعو إلى الرذيلة وتشجع على نشر الفجور وبالتالي يجب تسخير كل المنابر والخطب والمباخر والعصي لمواجهة هذا الكفر البواح القادم من أنين المغتصبات وصرخات المضطهدين ودموع المقهورين الذين تعمل الصحيفة منذ إنشائها على إيصالها إلى الناس وتكشف المتورطين في مصادرة حق الحياة للمواطن اليمني. الأمر يبدو أنه نضج تماماً داخل العقول التكفيرية التي تحمل داخلها إرث مفجع من الأفكار المحنطة التي حصرت الإسلام في بوتقة من العمائم والمباخر واللحى وحملات الألف خاتم والبكاء على المنابر فبدا أمامهم مناقشة قضايا المظلومين والدفاع عن حق الناس في مواطنة كاملة إضافة إلى كشف مايدور داخل الغرف المغلقة والسجون من مصادرة لكرامة الإنسان أمور خرجت معها الصحيفة عن ملة الإسلام ويجب إغلاقها وفصل صاحبها عن مسجدهم (البرلمان) الذي ينقصه حتى الآن مأذنة يدعو منها نواب الإخوان أفراد الشعب اليمني إلى الجهاد ومواجهة الكفر والكفار من الصحفيين والمدافعين عن الحقوق والحريات. الكارثة في قضية التكفير الجديدة قبول هيئة رئاسة البرلمان مناقشة قضية رأي داخل المجلس – هذا إذا كانت هناك قضية – وإحالة القضية إلى لجنة الإعلام بالمجلس ليرتكب المجلس خرقاً دستورياً ويناقش قضية ليست من اختصاصاته التشريعية مخالفاً بذلك لوائحه ونظمه الداخلية ويتحول بذلك البرلمان اليمني – المفترض به الدفاع عن الحقوق والحريات- إلى محكمة تفتيش جديدة تبدو القضية داخلها أكثر جرماً مما أراد له خطباء الإصلاح ويسن بها سنة قبيحة تنذر بمجزرة قادمة ضد حرية الرأي والتعبير في اليمن. حملة التكفير النيابية لم تقف عند هذا الحد بل صعدها الخطباء (النواب) بشكوى احتساب طرحت أمام النائب العام تطالب بإسقاط العضوية عن ناشر الصحيفة النائب / أحمد سيف حاشد لإخلاله بشروط العضوية حسب زعمهم. ومع هذا التوجه السلفي الإخواني الجديد داخل البرلمان اليمني يبدو الأمر بالنسبة لي وللكثيرين أمثالي مدعاة للضحك والبكاء في آن .. الضحك على تعامل النواب في البرلمان اليمني مع جلسات البرلمان كتعاملهم مع خطب الجمعة التي يتقن هؤلاء فيها البكاء والنواح والدعاء بالويل والثبور على الكفرة والملحدين والمرتدين. أما البكاء فمرده الخوف على تحول بلد كاليمن إلى ثكنة تكفيرية تباح فيها دماء الناس وأعراضهم أمام القتلة والمتعصبين والمتأسلمين الجدد الذين لايرعون في مسلم إلاً ولا ذمة وهو ذات الخوف الذي قد يدفع باليمن إلى الانجرار وراء دعوات التكفير والتحريض ضد الأبرياء والأمنين الذين يسلمهم البرلمان اليمني بهذه القضية إلى سيوف الجهل والتعصب الأعمى وبالتالي يتحول البلد إلى بركة من الدماء بتشريع برلماني. الرعب الأكثر فتكاً في تحول البرلمان إلى ساحة لبث سموم الأفكار التكفيرية يقضي فيها على المستقبل المنشود والذي يبدو هنا أكثر قتامة في ظل التطرف والإرهاب الجديد الذي يتزعمه حزب الإصلاح الإسلامي ويحاول أن يشرعن له تحت قبة البرلمان منذ الآن لتسود فيما بعد شريعة الغاب وإراقة الدماء. إن القراءة السريعة للأبعاد التي يحاول حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن أن يكسبها من وراء هذه القضية فتبدو في أن حزب الإصلاح دفع بالجناح المتشدد داخله إلى إثارة قضية جديدة يعود فيها الحزب إلى ذاكرة الناس باعتباره مدافعاً عن الدين وحاملاً للواء الإسلام خاصة وأن الحزب دأب منذ إعلان التعددية الساسية مع قيام الوحدة اليمنية في العام 1990م إلى دغدغة عواطف الناس الدينية وأصدر العديد من فتاوي التكفير ضد السياسيين والمفكرين والأدباء والصحفيين اليمنيين والتي أبرزها فتوى تكفير الحزب الإشتراكي اليمني واستباحة دماء أعضائه والتي دفع بموجبها الإصلاح بكل قواه التنظيمية لمواجهة الكفر القادم من جنوب اليمن حسب فتواهم -والمتمثل بالحزب الإشتراكي- في حرب 1994م ليحقق بذلك مكسباً سياسياً آنياً لم يستمر طويلاً ليكتشف الناس مدى الخداع الذي مارسه شيوخ الإصلاح مع المجتمع اليمني .. هذه الحرب التي مازالت اليمن تدفع فاتورتها باهضاً ويدفع الشعب اليمني ثمن مرارتها ومازالت اليمن حتى اللحظة عاجزة عن معالجة آثارها. إن الإصلاح وهو يعيد التكفير بهذه القضية إلى واجهة الساحة السياسية في اليمن يبدو أنه يدرك تماماً أن استخدام الدين في صراعاته السياسية أصبح منقذاً له للعودة إلى عواطف الناس ونيل ثقتهم خاصة وهو يستعد للانتخابات النيابية القادمة التي يحاول جاهداً أن يكون له نصيباً كبيراً فيها بعد خسارته القاسية في انتخابات سبتمبر 2006م المحلية . كما أنه وبالنظر لنوابه الذين تقدموا بدعوى التكفير ضد صحيفة المستقلة فإن معظمهم إن لم يكونوا جلهم من خطباء المساجد داخل أمانة العاصمة والمحافظات والذين آراد الإصلاح أن يكون لهم دوراً يظهرهم أمام ناخبيهم دعاة مدافعين عن الدين والإسلام وبالتالي يعودوا مرة أخرى إلى مقاعدهم فائزين داخل البرلمان القادم. الحفاظ على قيم المجتمع اليمني وأخلاقه يبدو أنها اللعبة القديمة الجديدة التي يحاول حزب الإصلاح لعبها للحفاظ على توازنه في المعادلة السياسية اليمنية ولم يعد تكفير المستقلة والمطالبة بإغلاقها هي كل ما عند الإصلاح من ماء بل تعداه الأمر إلى التحذير من إفساد أخلاق المجتمع اليمني عبر استقدام الفنانات والفنانين من خارج اليمن وحفلات الرقص والموسيقى واحتفالات وزارة الثقافة في اليمن بالأعياد الوطنية من خلال فتوى وزعها الإصلاح في الشوارع والمحلات والأماكن العامة ووقع عليها أكثر من خمسين شيخاً معظمهم من جامعة الإيمان التي يتزعمها المتشدد الإصلاحي عبد المجيد الزنداني وهي الفتوى التي تحذر من عواقب الأمور من انحلال أخلاق المجتمع اليمني وتدعو الحكومة اليمنية والشعب اليمني إلى التصدي لها ومحاربتها . الأمر لم ينته بعد فمازال في أجندة الإصلاح الكثير من العمل للعودة باليمن إلى العصور الوسطى عصور التخلف والجهل والمرض . الفنانة العربية آصالة نصري التي تحي الخميس القادم حفلاً غنائياً في مدينة عدن اليمنية لم تسلم أيضاً من حملات الإسلاميين في اليمن التي تتهمها بالفجور والمجون حيث طالب النائب الإصلاحي / فؤاد دحابة – خطيب أحد مساجد العاصمة وأحد الموقعين على فتوى تكفير صحيفة المستقلة – وفي رسالة وجهها عبر موبايله إلى مجموعة كبيرة من الناس طالب الإعلاميين اليمنيين إلى أن يكون لهم دوراً بارزاً بالسعي لإيقاف الحفل الفني الذي تحييه الفنانة آصالة في مدينة عدن باعتباره حسب رأيه مخالفة شرعية ودستورية. دحابة الشيخ الخطيب والنائب الذي ربما أنه لم يدخل عامه الثلاثين بعد قال أن الحفل تحضره فنانة مشهورة بمجونها معتبراً أن الحفل دعوة للتفسخ ومنكر جلل يجب التصدي له. هذه الدعوة اعتبرها مراقبون بمثابة رسالة تهديد مبكرة من المتتشددين الإسلاميين في اليمن للفنانة أصالة نصري للتراجع عن إقامة حفلها في مدينة عدن وقد تدفع في حال إحيائها للحفل أحد المتطرفين الإسلامين إلى اغتيالها في ظل ما تشهده المحافظات الجنوبية من احتقانات واحتجاجات شعبية وأوضاع أمنية متدهورة مذكرين في ذات الوقت بما حدث للقيادي الإشتراكي جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الإشتراكي اليمني في المؤتمر العام لحزب الإصلاح قبل عدة سنوات والذي اغتاله أحد المتطرفين الإسلاميين وخطيب أحد مساجد أمانة العاصمة بتهمة الكفر أمام مرأى ومسمع الجميع. وأمام هذا التوجه الجديد للإسلاميين الذين يحاولون تقديم أنفسهم للعالم كمعتدلين يظهرتفكير التكفيريين الجدد في اليمن نقيضاً حاداً للخطاب الإعلامي المطروح في وسائل إعلامهم ويضع في حال السكوت عنه مستقبل البلد برمته تحت رحمة عصى شيخ أولحية خطيب. * رئيس تحرير صحيفة إرباك www.erback.info