توقع تقرير اقتصادي حديث عدم انخفاض أسعار القمح في الأسواق العالمية خلال العام الزراعي 2007/،2008 موضحاً أن فاتورة استيراد القمح للدول النامية ومنها العربية سوف تستمر في الزيادة بما سيمثل عبئاً كبيراً على اقتصاداتها وكذلك على أسعار المخبوزات بها التي تمس طبقات عريضة منها . وقال تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الذي صدر مؤخراً عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن اليمن تتصدر قائمة الدول العربية الأقل في معدل الاكتفاء الذاتي من القمح بنسب لا تتجاوز 15% تليها الجزائر 32%، المغرب 40%، العراق 44% ثم مصر 55%، والسودان 62% وذلك وفقا للتقارير السنوية التي تصدرها المنظمة العربية للتنمية الزراعية خلال الفترة من 2000 إلى 2007 ولا يوجد سوى دولتين فقط من الأقطار العربية نجحتا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وانتقلتا إلى آفاق التصدير وهما سوريا والمملكة العربية السعودية، لتتصدر الجزائر ومصر والعراق واليمن قائمة الدول الأكثر استيرادا للقمح من الأسواق العالمية . ولفت التقرير إلى أن العام الأخير شهد طفرات كبيرة في أسعار تداول بيع القمح في البورصات العالمية حيث سجلت أسعار شهر سبتمبر/ أيلول 2007 مستويات تراوحت بين 340 و346 دولارا أمريكيا للطن، وارتفعت الأسعار في نهاية العام إلى نحو 430 دولارا للطن، وأرجع التقرير ذلك إلى عدة أسباب أهمها انخفاض المساحة المزروعة بالقمح في مصر إلى 2 .2 مليون فدان عام 2007 بالمقارنة ب 1 .3 مليون فدان عام 2006 وكذلك انخفاض المساحة المزروعة في العراق بسبب الحروب الدائرة هناك، كما أشار إلى انخفاض محصول عدد من الدول الكبرى المصدرة للقمح مثل كندا بنسبة انخفاض 5 .3% استراليا (بسبب الجفاف) نحو 20% وروسيا وأوكرانيا بمعدل 6 ملايين طن مع انخفاض طفيف في المحصول الأمريكي . كما أرجع التقرير الذي نشر مقتطفات منه الملحق الاقتصادي لصحيفة الخليج الارتفاعات الملحوظة في أسعار القمح إلى أسباب أخرى في مقدمتها دخول عدد من الدول الآسيوية التي حققت الاكتفاء الذاتي من القمح لسنوات عديدة كمشترين جدد في أسواق القمح العالمية، وهي دول ذات كثافة سكانية عالية مثل الهند، باكستان، بنجلادش، والصين، فضلاً عن ترويج الدول المصدرة لشائعة دخول القمح في معترك إنتاج الوقود من الحاصلات الزراعية واستجابة بعض الدول العربية للدعايات العلمية المدعمة بالرسوم التوضيحية والمرسلة من الدول المصدرة للقمح التي تزعم أن استيراد مصر وباقي الدول العربية للقمح أرخص من زراعته، إضافة إلى ما سيوفره ذلك من كميات كبيرة من المياه العذبة المستخدمة في ري القمح بكميات تبلغ نحو 5 .8 مليار متر مكعب من المياه في مصر وحدها . ويطرح التقرير رؤية للتغلب على الارتفاع في أسعار استيراد القمح في الدول العربية خاصة غير البترولية منها، والتي سيتأثر اقتصادها كثيراً لو استمرت هذه الأسعار على هذا المستوى مثل اليمن، والسودان والجزائر ومصر، مشيراً إلى أهمية زيادة المساحة المزروعة بالقمح في الدول العربية إلى 50% من مساحة الأراضي الزراعية في البلدان العربية (100 مليون فدان) بدلا من 30% فقط حاليا بما يوازي 60 مليون فدان، كذلك زيادة المساحة المزروعة بالقمح في مصر إلى 4 ملايين فدان وذلك بوضع سياسة مالية جديدة ومجزية لأسعار شراء القمح من المزارعين تتماشى مع الأسعار العالمية، وتشجع المزارعين على زراعته، بحيث يتجاوز العائد المحقق من زراعة البرسيم المنافس الأول للقمح في الزراعة والذي يتجاوز عائد زراعته 4 آلاف جنيه للفدان، كما أكد على أهمية النظر في إمكانية استغلال الأراضي الزراعية الزائدة على احتياجات دولة السودان والمعروضة فعلا للاستثمار والتي تبلغ نحو 20 مليون فدان من إجمالي 32 مليون فدان جاهزة للزراعة فعليا في السودان، وأكثر من ضعفها من الأراضي القابلة للاستصلاح والزراعة، مشيرا إلى أن هذه المساحات تحتاج إلى الخبرة العلمية والتقنية والعمالة من مصر ومعها الاستثمارات المالية من دول الخليج البترولية وهي مساحة كفيلة بسد جزء كبير من الفجوة الغذائية في العالم العربي ولتحقيق الاكتفاء الذاتي العربي الكامل من الذرة والقمح . ويؤكد تقرير الاتجاهات الاقتصادية أن التقديرات شبه الرسمية تشير إلى أن لدى دولة السودان فائضا في الأراضي الزراعية تقدر بأكثر من عشرين مليون فدان من أخصب الأراضي الزراعية السمراء التي تتوافر لها المياه . وحذر التقرير من مواصلة الأسعار العالمية للقمح ارتفاعها بسبب دخول العالم عصر سخونة مناخ كوكب الأرض وتزايد نوبات الجفاف في أماكن كثيرة من العالم، خاصة في دول جنوب شرق آسيا، وشبه القارة الهندية والشمال الغربي الإفريقي في وقت لا يجود محصول القمح سوى في ظروف المناخ البارد الممطر . وقال إن تزايد تكرار نوبات الجفاف مستقبلاً في دول شرق وجنوب آسيا التي نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وهي دول ذات كثافة سكانية عالية سوف يزيد من احتياجات هذه الدول إلى كميات إضافية من القمح العالمي بما سيفوق المعروض من الإنتاج، وبالتالي يمكن أن تحدث زيادة جديدة في الأسعار بما يفرض على الدول العربية أن تضع استراتيجية للاكتفاء من القمح .