ترجمة(اميرة الحسيني) - رحم الله جدتي لم تعش حتى تدير أمور غزه بعد غياب الكهرباء و تفيدهم بخبراتها، و تعلمهم ما لايعلمون عن انطفاء الكهرباء و سياسة التوفير في الشمع و الاستخدام الأمثل لها. أنا يمنية اعرف الشمع اكثر من من معرفتي بالكهرباء، و اتذكر انقطاع الكهرباء ثلاثة ايام متواصلة. و لازلت احمل انقطاع الكهرباء مسؤولية ضعف نظري و اي ضعف في درجاتي الدراسة حينها و ربما اي فشل في حياتي. لذلك ادرك تماماً معاناة الغزاوية في انطفاء الكهرباء ليس لأني صاحبة القلب الكبير و لا لأني امتلك مشاعر قومية و دينية من اي نوع لكن ببساطة لأني مررت بمعاناتهم و لازلت امر بها كل يوم لكن معاناتي لم تتصدر عناوين الأخبار و لم اكن محظوظة حتى يكون لي عدواً واضحاً مثل اسرائيل احمله مسؤولية بؤسي. الشمع في بلادنا حق لابد منه و لا مفر منه و كلما زاد انطفاء الكهرباء كلما زادت شموعنا رشاقة و صغراً، و من كثرة انطفاء الكهرباء حتى سيطر على جدتي- رحمها الله- هاجس اختفاء الشمع، فقررت احتكار الشمع بالبيت فأي احد يشتري شمع صادرت منه شمعه و أي احد خزن شمعاً كشفت تهريبه . مارست جدتي سياسة التقنين في استخدام الشمع و لم يعد بالإمكان استخدام الشمع في البيت دون طلب لجدتي التي تقرر صرف الشمع حسب تقديرها للحالة الانسانية فمن يذاكر قد تتجاوز و تعطيه شمعتين و من يقرأ كتاب ليس مدرسي اعطته شمعه و من يتحدث حرمته من الشمع لأن الشمع لا ضرورة له في الحديث و من يدخل الحمام اعطته شمعة صغيره مشدده على كراهة الإستحمام بالظلام. كانت جدتي ما أن تنطفيء الكهرباء حتى تدور بالبيت في نشاط تراقب الشمع و تشرف عليه و كيفية استخدامنا له فمن عبث بأعقابه حرمته من الشمع و تشددت معه إذا ماطلب منها الشمع فيما بعد، و تظل في نشاط حتى تعود الكهرباء فتجمع جدتي الشموع و تعيدها لمخرنها الأمين. في الواقع الكهرباء اختراع غربي ربما لا نستحقه لاننا لم نشارك فيه، مشكلتنا معها اننا مستهلكين فقط و مشكلتنا مع العالم إننا مستهلكين فقط و لانكف عن الشكوى، و مشكلتنا مع الحكومات العربية إننا لا نتوقف من مطالبتها بحقوقنا و هي لم تتوقف عن خذلاننا و مشكلتنا مع غزه إنها ليست وحيدة فهي غارقة في الظلام تستجير بآخرين اوضاعهم ليست افضل بكثير. فالعراق بعد ما بني مفاعل نووي في الثمانينات صار آلان يغرق في الظلام و يستخدم آلان اختراع محلي اسمه لالة و عادوا لبناء الجص عوضاً عن الاسمنت حتى يتأقلم مع اجوائهم، هكذا نحن في تراجع مستمر و الظلم ظلمات و الكهرباء من ظلماته. لكن الوجة الآخر من الكرة الأرضة يختلف فمن المضحك- ليمنية مثلي- أن لندن اعتبرت الشمع جزء من التاريخ حتى وضعته في المتحف و صنعت منه التماثيل و اهدرت هذه الثروة الملحه، لربما لوساعدتنا المملكة المتحده و مدتنا بشيء من الشمع كانت جدتي ستعطيني شمعتين اقرأ فيهم و اوفر ثمن النظارة التي استخدمها. و اخرون اشد سخافة اعتبروها مصدر جمالي رومانسي بينما كنت احاول ابحث عن كل وسائل الحيلة لتهريب شمعه و اخفائها بعيداً عن انظار الرقابة للحفاظ على الثروة الشمعيه و افنيت ساعات طويلة من حياتي في بؤس افكر بأي أمل تحمله الحياة مع ضوء الشمعه المحدود و تعلم تضييع الوقت مثل السجناء حتى لااموت كمداً. لكن تأبي إلا أن تظهر لنا كل يوم ببدعة و اخرها إنها قررت دخول عالم الدول النووية و استخدام الطاقة النووية لتستخدمها شعوبها التي تتجاوز اميتها 50% في العادة. رحم الله جدتي لم تعش اليوم الذي ترى فيه الحكومة اليمنية -التي لم تستطع توفير كهرباء لشعبها- تتحدث عن الطاقة النووية التي لم تكن جدتي ستفهم ماهي؟ و ماذا تعني؟ و لن تستطيع حتى نطق اسمها، و بالتأكيد لم تعرف جدتي اي عبث اصاب ثروتها الشمعية التي خزنتها و قضينا عليها بشره محدث النعمة. "بدلاً من أن تلعن الظلام اضيء شمعة" حتى لا تقع في شرور اليأس و لعن الظلام المسؤولة عنه الحكومة و لتكن مواطناً اكثر ايجابية و اضيء الشمع المتوفر والحمدلله و شكراً للحكومة التي وفرته، لكن في الواقع الحكومة التي حاولت جاهدة أن تعلمنا الاستهلاك الإقتصادي للكهرباء و جدتي التي حاولت أن تعلمني التقشف في استهلاك الشمع لم ينتج عنه إلا إني تعلمت الإقتصاد في الاحلام حتى لاابكي كثيراً لوحدي في ظلمة الكهرباء. * صحفية وكاتبة مقيمة في اونتاريو ، كندا.