لم تفاجئني التطورات الأخيرة في مدينة الضالع عندما أفشل التيار المنادي بما يسمى "استقلال الجنوب الثاني" فعالية المعارضة قبل عدة أيام، فالسياق الطبيعي للأحداث كانت تشير إلى ما حدث، وربما سيحدث أسوأ منه إذا ما أبقينا نصم آذاننا عن الإستماع إلى صوت العقل، الذي يقول إن البلاد مقبلة على مخاض عسير لن يسلم منه أحد. أعلم أن كثيرين قد لا يتفقون معي فيما سأطرحه اليوم في هذه الزاوية، لكنني أعود وأكرر أن الوضع ليس بالسهولة التي يتصورها البعض؛ فما تشهده المناطق الجنوبية يشير إلى تنامي هذا التيار الذي يتعزز باستمرار في ظل غياب رؤية واضحة للتعامل معها من قبل أهل السلطة، وأخشى أن يأتي يوم نقتنع به بالتحرك فيكون الشارع قد فلت من عقاله، وصار من العسير الإمساك به. يا سادة، إن الوضع الذي نعيشه اليوم ليس طبيعياً، والمعارك التي نخوضها لنضرب بها بعضنا البعض صارت من أساليب الماضي، إن من يعتقد أن المعركة هي اليوم بين المعارضة الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك التي تحاول الدخول في جو الأحداث، وأنصار تيار "الاستقلال الثاني" هو واهم، ذلك أن الشارع في هذه المحافظات إن رفض المشترك اليوم سيرفض غداً الجميع، والفرجة على ما يحدث على أنه تصفية حساب بين المعارضة وبين أنصار هذا التيار في أكثر من مكان ستتحول إلى كابوس يقض مضاجعنا جميعاً. ما يحدث اليوم في المحافظات الجنوبية من البلاد لم يعد أمراً عادياً فكلنا يتذكر أن بداية التململ الشعبي في هذه المحافظات بدأ بداية صغيرة قبل نحو عام، لكنه سرعان ما تحول إلى كرة ثلج كبيرة صارت تتدحرج باتجاهنا جميعاً، وعلينا البحث عن بدائل توقف هذا الذي يحدث عوضاً عن السكوت عنه، وحتى لا يأتي يوماً ويقال لأهل السلطة "هذه عصيدتكم وأنتم متِّنوها"، بخاصة وأن مفاتيح الحلول باليد فيما البحث عنها مستمر. لا نريد أن تصل الأمور إلى ما يراد لها أن تصل من قبل بعض الأجنحة والتيارات والأنظمة في اليمن وخارج اليمن، فالحلول التي نرفضها اليوم قد لا نجدها غداً، وهو أمر يجب علينا تداركه قبل فوات الأوان. علينا البحث عن حلول تبقي اليمن موحداً في ظل التنوع، يشعر فيه المواطن في الضالع وشبوة وعدن وحضرموت وعدن، كما يشعر فيه المواطن في صعدة ومأرب والمحويت وصنعاء، أي الشعور بالمواطنة المتساوية، ولا يجب الاستمرار في تخدير الناس بالشعارات التي لن تفيدنا في شيء إذا وقع الفأس في الرأس. لا يجب الاستهانة بما يحدث اليوم في الجنوب، فالحل اليوم أسهل وأفضل للجميع وهو في متناول اليد، ويتمثل في الإسراع بإصدار قانون السلطة المحلية الذي يعطي للمناطق والمجالس المحلية كافة الصلاحيات، والإسراع في معالجة الفساد الذي إن لم نبادر إلى معالجته؛ فإنه سيقضي على أحلامنا في دولة كبيرة وعظيمة إسمها اليمن، بخاصة مع وجود مشاريع سياسية لا تخفى على أحد وتطبخ على نار هادئة. *(السياسية)