ان الاستمتاع بالفنون التشكيلية وتذوقها ليسا بالامر الشاق حتى عند الشخص العادي قليل المعرفة الفنية، شأن الغالبية العظمى من الناس.. ومع ذلك يستطيع اي انسان استخلاص المتعة من ابسط تواصل حسي من رسم ما او تمثال او بناء مشيد، وهذه استجابة طبيعية، فنحن جمعيا فطرنا على ان نستجيب للانفعالات والاحاسيس المختلفة الصادرة عن اناس نشاهدهم يوميا في الحياة، وكذلك يمكننا التفاعل مع الاحاسيس والتعبيرات التي يبثها عمل فني وننفعل معه، وهذا بلا شك امر يسير. امر يبرر انجذاب اشخاص كثيرين لشراء فازة خزفية او ليحتفظوا في بيوتهم بتمثال صغير او ليعلقوا على الجدران صوراً للوحة ما، او حكمة لخطاط ملتقطة من روزنامة حائط متقنة الطباعة، وقد يأتي عنصر الفهم بعد ذلك ليرفع من مستوى متعتهم، ويصبح اعظم بكثير عند محاولتهم تتبع اثر الخبرة التي مر بها مبدعها، وتتبع هذا الاثر يقود المستمتع الى محاولة استرجاع الخبرة نفسها. الكون الذي نعيش فيه، زاخر بالجمال ومجال للبحث والتمعن بالنظر اليه، فكما ان الآذان لم تخلق فقط لكي يسمع بها ما يحدث عرضا من الاصوات كيفما كانت، ولكنها تعطينا اصواتا تنطوي وراءها تصورات ومعان، وهكذا العين يجب الا نكتفي بان تكون اداة لرؤية احتياجاتنا النفعية فقط، بل يجب ان نعيش في الاشياء التي نشاهدها امامنا، وتلك اول خطوة في مجال التذوق الفني. ان كان هذا قول المنظرين، فلنر ما هو اعظم واجل فيما ورد ذكره في آيات القرآن الكريم «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق»، وقوله تعالى «الذي خلقك فسواك فعدلك في اي صورة ما شاء ركبك» وقوله تعالى «والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون» صدق الله العظيم. العين الانسانية التي ترى وتشاهداعمالا لفنانين هي اكثر من مجرد جهاز للرؤية، بل اكثر من مجرد وسيلة للحصول على الفائدة الجمالية، فقد يكون الاكثر اهمية ان نتعرف على طابع الفنان واسلوبه الخاص في ادائه من تخطيط اشكاله، وما تنطوي عليه صوره من خطوط والوان ومساحات، واحجام كتلة وفراغاتها ان كان ذلك نحتا، ومدى قدرته في ابراز ما يريد التعبير عنه، فنشعر بذاتية الفنان وعمق احاسيسه في صوته او تمثاله. ويستطيع المشاهد المتذوق الذي نال حظا من تدريب العين والحس والفكر ان يدرك بتأمله العمل الفني، القيم الجمالية للايقاع والتنغيم في الخطوط واشكال المساحات ومدى تناسبها بعضها الى بعض وانسجام الالوان ودرجاتها، وما تضفيه على العمل من تماسك في التكوين والبناء، وقد يصل هذا المتذوق المتبصر الى ان يحس بالانفعال الممتع الذي صاحب عملية الابداع التي خاضها الفنان، ولا لزوم ان يترجم هذا الاحساس بكلمات، فقط ساعتها يدرك ان طبيعة العمل الفني وممارسته ، لا تختلفان كثيرا عن طبيعة الاستمتاع به. (القبس)