من الملاحظ هذه الايام ان لقب شيخ كثر تداوله على نحو ملفت، ويوزع بالمجان، تسمعه عند اشارات المرور وفي الوزارات والمصالح واسواق القات، يكاد لقب الشيخ يطغى على الالقاب الاخرى التي يتداولها الناس من باب الاحترام مثل يا استاذ او يا فندم او يا اخ وسواها.. ولكن ما هو التفسير الاجتماعي وراء هذا الانتشار؟ هل لذلك علاقة بالفلكلور، ام ان لقب شيخ اصبح اوقع واقيم لدى من يطلقه ويتوقع انه بذلك يحترم من يخاطبه؟.. ربما يكون ذلك وربما يكون تفسيره ايضاً في رأى الاجتماعيين «ان القيم الحاكمة في اي عصر هي القيم السائدة فيه»، ولعل اياً من هذه التفسيرات او كلها لا يمت الى الواقع بصلة، بل ان المسألة مجرد «موضة» ستأخذ وقتا وتتلاشى.. وأيا كان الامر فإنه في موازاة هذا الانتشار للقب الشيخ، هناك ايضاً دلالات عدة للقب، فلم يعد الشيخ شيخ قبيلة فقط، كما هو الحال في الموروث، ولكن اصبح في التداول العام يطلق على المتخصصين في العلوم الدينية «شيخ».. وعلى رجال اعمال ايضاً استعرنا ذلك من اشقائنا في الخليج، ويطلقون عليهم «شيخ قروش».. ولم تسلم السياسة من التشييخ فهناك شيخ مؤتمري وشيخ اصلاحي وشيخ اشتراكي، وشيخ انتخابات، وشيخ بامر الدولة.. وسوى ذلك ما يجود به الفلكلور الشعبي على نحو: «من تمشيخ حبس أمه» واظن ان هذا النمط قد اوشك على الانقراض. اعرف - من يستهويه سماع لقب «شيخ» و«بينتفخ».. وان هناك من ينفر من سماع هذا اللقب، وينهر من يناديه به، وفي كل الاحوال فقد ابتذلت دلالة هذا اللقب، ربما لانتشار توزيعها حتى بدت وكأنها «لازمة» او لا تعني شيئاً في غير قليل من المواقف..على ان «القيل» في الازمنة الجميلة الغابرة هو المرادف للشيخ في زماننا على نحو ما، هو ما نفتقده فقد جاء في الامثال: «ما يكون قيل الا من يجر السيل» تحكي الآثار عن قيل «بينون» الذي حول مجرى السيل من خلال شق الجبل واحداث نفق فيه وبناء سد في اعلى الوادي الكبير، وقيل آخر في جبل صبر احاله الى غابة خضراء.. شتان بين اقيال زمان ومشايخ اليوم.. هذا لا يعني ان اليمن في تاريخنا المعاصر قد اصابها العقر ولم تعد لتنجب اقيالاً، ففي المشهد نماذج من المنجزين واصحاب المشاريع، وبوسعنا ان نطل عليهم في مجالات قادمة.