يؤجج انزلاق الصومال نحو أسوأ قتال خلال نحو عقدين من الزمن موجة من القرصنة تهدد بشكل متزايد واحدا من أهم الممرات المائية في العالم. ورغم أن تكاليف الشحن لم تتأثر حتى الآن فانها تجبر القوى البحرية الغربية على اتخاذ إجراءات لحماية الشحن. ويشتبه البعض في أن سداد الفديات للقراصنة قد يساعد المقاتلين الإسلاميين على قتال الحكومة المؤقتة الضعيفة. وتعوق القرصنة شحنات المساعدات للصومال وبالتالي تفاقم من الازمة الانسانية التي تغذي الفوضى. وخطف قراصنة مسلحون بأسلحة ثقيلة 30 سفينة على الاقل حتى الان هذا العام في خليج عدن وفي الاسبوع الماضي سجلوا رقما قياسيا بخطفهم أربع سفن في 48 ساعة. وقال بوتينجال موكوندان مدير المكتب البحري الدولي وهي منظمة عالمية لمراقبة القرصنة "كل شركات الشحن تأخذ هذا بجدية شديدة ويساورها قلق بالغ. هذا ارتفاع لم يسبق له مثيل في عدد الهجمات." والمياه بين الصومال واليمن شريان رئيسي تستخدمه نحو 20 الف سفينة في العام تتجه من والى قناة السويس. وتمثل حمولة اجماليها 700 مليون طن عبرت القناة عام 2007 اكثر من تسعة في المئة من ما يقدر بنحو 7.7 مليار طن حملتها السفن على مستوى العالم. وتحمل السفن التجارية اكثر من 90 في المئة من السلع التي يتم نقلها في العالم من حيث الكم. وفي مايو ايار ذكرت (لجنة الحرب المشتركة) الاستشارية بمؤسسة لويدز ماركت أن هذا الممر المائي الاستراتيجي معرض بدرجة عالية لمخاطر "الحرب والهجمات والارهاب والمخاطر ذات الصلة." وقال موكوندان لرويترز "هذه مجرد توصية وبعض شركات التأمين قد لا تتبعها من أجل عملائها شديدي الاهمية... التكاليف لم ترتفع. بالطبع اذا تمت عملية الخطف فسترتفع بشدة. لكن ليست هناك تكلفة مترتبة على القرصنة." ويحتجز قراصنة صوماليون حاليا نحو 130 من أفراد الطواقم رهائن على متن سبع سفن على الاقل بينها صهاريج كيميائية وسفن نقل بضائع ضخمة. ويحتجز مسلحون سفنا من اليابان وماليزيا وتايلاند ونيجيريا والمانيا وايران. وزادت الهجمات في البحر مع تزايد انعدام القانون في الصومال اذ لا توجد حكومة فاعلة هناك منذ أطاح زعماء ميليشيات بالدكتاتور محمد سياد بري عام 1991 . ومنذ بداية العام الماضي قتل اكثر من ثمانية الاف مدني في قتال بين الحكومة الصومالية التي تحالفت معها القوات الاثيوبية وبين متمردين اسلاميين. ونزح مليون اخرون عن ديارهم. هناك الكثير من النظريات بشأن من وراء سلسلة عمليات الخطف الاخيرة. وتدر معظم السفن المحتجزة فديات تتجاوز عشرة الاف دولار وفي بعض الحالات اكثر من هذا بكثير. ويقول بعض خبراء الامن ان هناك علامات على أن المتمردين ربما يتلقون بعضا من عائدات هذه الفدى ويستغلونها في تمويل الهجمات ضد الحكومة. وفي الاسبوع الماضي سيطر المتمردون على ميناء كيسمايو الرئيسي. وتقول الولايات المتحدة ان لهم صلات بتنظيم القاعدة. ويشير خبراء اخرون الى علاقات تشكلت بين قراصنة صوماليين ومعظمهم يتمركزون في منطقة بلاد بنط بشمال البلاد وشبكات اجرامية في اليمن عبر سنوات من تهريب البشر. وينفي الاسلاميون التخطيط للهجمات الاخيرة في البحر ويقول محللون اخرون ان المتمردين يحصلون على معظم أموالهم من صوماليين أثرياء في الخارج فضلا عن داعمين في دول عربية. ويرى محللون أن بعض أعضاء الحكومة المؤقتة وكثير منهم زعماء ميليشيات سابقون ربما يكسبون من القرصنة. ويتفقون جميعا على عدم قدرة ادارة بلاد بنط على سحق الجريمة المنظمة التي تغذي الفوضى في البحر. وحين أعلنت المنطقة الغنية بالمعادن نفسها منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي عام 1998 كانت تأمل في أن تكون نموذجا لصومال مستقبلي مستقر يقوم الحكم فيه على العشائر وتجري به انتخابات حرة ويملك برلمانا مؤثرا. وقال رشيد عابدي خبير الشؤون الصومالية في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "نرى الان بلاد بنط تتفكك ككيان... نشهد سيطرة تدريجية للعصابات الاجرامية على البلاد." ولا حيلة لمسؤولي بلاد بنط في مواجهة القراصنة المحنكين المزودين بزوارق سريعة وأسلحة ثقيلة. وعلى البر فشلت السلطات في وقف مزوري النقود وعصابات الخطف. وخلق هذا مناخا تستقطب فيه منازل القراصنة الجديدة وحفلات الزفاف الباذخة التي يقيمونها وسياراتهم الفارهة أعدادا متزايدة من الشبان الذين يتوقون الى الحصول على عمل في واحدة من أفقر الدول على وجه الارض. يقول سكان محليون ان تجنيد عناصر للعمل مع القراصنة يذكيه استياء من أساطيل الصيد الاوروبية التي تصطاد أسماك التونة من المياه الصومالية وما يقولون انه تخلص مستديم من النفايات السامة على شواطئهم. وقال عابدي من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات انه "يجب أن يتم النظر الى مشكلة القرصنة في السياق الاوسع نطاقا للاخفاق في بلاد بنط." وخنق انعدام الامن قدرة الامم المتحدة على توصيل المساعدات الغذائية للاعداد المتزايدة من المعوزين. وقفز هذا العدد بنسبة 77 في المئة هذا العام ليتجاوز 3.2 مليون فرد اي اكثر من ثلث سكان الصومال. وترافق سفن تابعة للبحرية الكندية شحنات برنامج الاغذية العالمي الى مقديشو حتى سبتمبر ايلول ويقول مسؤولون بالامم المتحدة انهم يأملون أن تتولى القوات الفرنسية والالمانية هذه المهمة. والى أقصى الشمال في خليج عدن دفعت الهجمات الاخيرة قوة المهام الموحدة لمكافحة الارهاب 150 الى التحرك. وتتمركز الوحدة المتعددة الجنسيات وهي جزء من عملية واشنطن المسماة (الحرية الصامدة) في جيبوتي المجاورة وقد تدخلت لمساعدة الكثير من السفن التي هاجمها القراصنة. وفي الاسبوع الماضي أعلنت مجموعة من النقاط التي تحدد منطقة دوريات أمنية بحرية او ممر امن حيث تقوم سفن حربية تابعة بدوريات فيما تحلق طائرات التحالف فوقها. وقالت اللفتنانت ستيفاني ميردوك المتحدثة باسم الاسطول الخامس بالبحرية الامريكية بالهاتف لرويترز من البحرين "انها تركز جهودنا على مدى اطول لتحسين الامن ومكافحة أنشطة زعزعة الاستقرار في المنطقة." * دانييل واليس - نيروبي (رويترز) * دانييل واليس - نيروبي (رويترز)