منطقة الخليج العربي من المناطق المهمة استراتيجياً في العالم بحكم موقعها الجغرافي وأهميتها التاريخية والسياسية والاقتصادية والحضارية، وضخامة الثروة البترولية الكامنة في أراضيها، والتي تعتبر عصب الصناعة في العالم ومحرك اقتصاده، ولكونها معبراً استراتيجياً هاماً للملاحة الدولية وواحدا من أهم المكامن الطبيعية وبوابة العالم العربي وخط دفاعه الأمامي... فقد ظلت هذه المنطقة عبر التاريخ نقطة ارتكاز واحتكاك ساخنة بين القوى المتنافسة على الهيمنة والنفوذ. ومما زاد من هذه الأطماع، اشتعال الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث اشتد التركيز على هذه المنطقة، خاصة بعد أن تأسست إسرائيل وفرضت احتلالها الاستعماري في فلسطين. فإسرائيل منذ تكونها ككيان غاصب، تحلم بمتابعة أهدافها الاستعمارية التوسعية داخل الوطن العربي وبالأخص منطقة الخليج، وذلك من خلال أسلوبها المفضل في التحالف مع الدول غير العربية ومع الأقليات والجماعات العرقية في الدول العربية وتأجيج الفتن وزرع الجواسيس... بهدف إبقاء المنطقة العربية في حالة عدم أمن واستقرار ولإعاقة مشروع النهضة العربية. وقد تحقق لها ذلك في عام 1975 عندما أمر الشاه الاستخبارات الإيرانية بإقامة علاقات مع وكالة الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" وإدارة تعاملات إيران الحساسة مع الدولة الصهيونية. وحسب ما جاء في كتاب "حلف المصالح المشتركة"، لمؤلفه تريتا بارزي، فإنه كان يجري تدريب ضباط الجيش الإيراني وعملاء الشرطة السرية على أيدي "الموساد" في كل من إيران وإسرائيل. بل وصل إلى تكوين علاقة خاصة مع أكراد العراق، حسب ما ذكره "شلومو نكديسمون" في كتابه "الموساد في العراق ودول الجوار". لكن الخطوة الأخطر في هذا التغلغل والاختراق، حدثت مع الغزو الأميركي للعراق، حيث دخل "الموساد" هناك وتغلغل في داخل العراق وأنشأ العديد من المحطات التجسسية، وباشر في إثارة القلاقل والاغتيال وإشعال الفتن بين الطوائف. واستناداً إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن مشروعات استخبارية ضخمة قام بها "الموساد"، وبتأكيد من صحيفة "معاريف" فإن مئير دوغان زار العراق سراً للاطمئنان على مشروعات "الموساد" الاستخباراتية. وهناك 137 وثيقة كشف عنها "مركز العراق للدراسات" تحت عنوان "الدور الصهيوني في احتلال العراق"، تشير جميعها إلى خطورة وعمق هذا التدخل الذي وصل إلى أنحاء العراق تحت عناوين منظمات إنسانية وشركات مقاولات ونقل وسياحة ومراكز دراسات وأبحاث وغيرها. وكان أخطر إنجازات هذا الاختراق للعراق، هو ما كشفه تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية ورفعته للرئيس بوش، وقد أشارت فيه إلى أن ضباط "الموساد" والكوماندوز الصهيوني الذين دخلوا العراق منذ الغزو، تمكنوا من قتل 350 عالماً نووياً عراقياً وأكثر من 300 أستاذ جامعي في كافة التخصصات العلمية. ولعل الأمر الخطير الآن، والذي يجب أن نتنبه له قبل فوات الأوان، هو تمدد "الموساد" إلى باقي دول الخليج العربي، حيث ذكرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن عشرات من كبار الضباط السابقين وعدداً من كبار مسؤولي جهازي "الشاباك" و"الموساد" السابقين، لهم نشاطات مكثفة في عدد من دول الخليج، حيث يتحركون بأقنعة مختلفة وجوازات متعددة ضمن شركات أجنبية يديرونها من الباطن. وذكرت الصحيفة أسماء بعض تلك الشركات التي تستخدم واجهات لهذا الاختراق. والخطير في هذا الأمر أن يد "الموساد" التي بدأت تتغلغل وتخترق دول الخليج تحت أقنعة تجارية واقتصادية مختلفة، ليست بعيدة عن العديد من العمليات الإرهابية التي شهدتها المنطقة في الأعوام الأخيرة. وقد أشارت صحيفة "الأسبوع" اللبنانية في أحد أعدادها إلى ذلك عندما ذكرت أن جهاز "الموساد" قام بتهريب الأسلحة والمتفجرات إلي بلد خليجي لاستخدامها من قبل جهات إرهابية متطرفة. وكان كتاب "مصنع الظل"، لمؤلفه جيمس بامفورد، قد أشار إلى مثل هذا التورط. ومؤخراً صرح الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بأن الأجهزة الأمنية اليمنية المختصة تمكنت من إلقاء القبض على أعضاء خلية إرهابية لها ارتباطات بالمخابرات الإسرائيلية، رغم أنها ترفع شعار الإسلام! *نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية