للأسبوع الثاني على التوالي ما يزال البرلمان عالقاً في مناقشة سلامة الإجراءات المتخذة في اعتقال النائب عن المؤتمر الحاكم أحمد البرطي، ممثل الدائرة 40 في المجلس. وفي كل جلسة يعيد النواب في نقاشاتهم الانتقاد نفسه للنيابة ووزارة العدل والسلطة التنفيذية، ويتوعدونهم بالمحاسبة وسحب الثقة من وزير العدل أيضاً. مرت جلسات الأسبوعين الماضيين دون سماع صوت برلماني معارض للإجماع الذي خيم على القاعة في قضية النائب المحتجز، حتى من الكتل المعارضة أو كتلة المستقلين. وفي أواخر جلسة الأحد الماضي سأل النائب المؤتمري -الهادئ عادةً- عبدالقادر الدعيس، زملاءه، بصوت رجل رصين وعاقل: "لماذا نستجوب وزير العدل؟". وأخذ يفهمهم أنه لا سلطة دستورية للوزير على مجرى القضاء. ولكي يؤكّد لهم أن مطالبتهم باستجواب الوزير ليست عادلة قرأ عليهم المادة 97 من الدستور اليمني، والتي تقول ما مؤداه: يختص مجلس القضاء الأعلى وحده بمحاسبة أي قاض. واجه الدعيس هجوماً من الأعضاء، وهاجمه أحدهم بشراسة متهماً إياه بأنه يحاول "الظهور على حسابنا". وطلب الجميع عدم التعمق في الموضوع، والسير في الطريق الذي بدؤوه. في جلسة الأحد الماضي كاد النقاش الروتيني أن يجرهم إلى إعادة الكلام ذاته، بل لقد تكرر فعلاً في مداخلات النواب: علي اللهبي، علي العنسي، عبده بشر، عبدالعزيز جباري، ومحمد الحزمي، وبالسياق ذاته، لولا التدخل المناسب الذي لحقهم به النائب نبيل باشا، بطرحه نقطة هامة لم يتنبه إليها زملاؤه. في الفترة الأخيرة لوحظ أن الباشا لم يعد يتحدث في كل المواضيع، وبدأت مشاركاته تنخفض، لكنها تبدو أكثر تركيزا. وفي بداية كلام الباشا كانت القاعة مشغولة عنه بأحاديث جانبية، لكن الصورة تغيرت تماماً، فلاقى حديثه إطراءً كبيراً من الجميع، وتركزت كل الأضواء عليه، بما في ذلك كاميرا القاعة. لقد نبّههم إلى المخاوف التي تضمنها الخبر الذي بثته الفضائية اليمنية، مساء السبت الفائت، حول القرار الذي اتخذه مجلس القضاء خلال اجتماعه، بتقديم أحمد البرطي، عضو مجلس النواب، للمحاكمة بدءا من الأحد. وقال إن مجلس القضاء اتهم البرلمان بالتدخل في شؤون القضاء، ومؤكداً أنه لا سلطان على القضاء. وإذ لفت إلى أن مجلس القضاء الأعلى يعتبر هيئة إدارية، وأن المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية، استغرب من إصدار مجلس القضاء أحكاماً تستبق أحداث محاكمة البرطي: يدينه بارتكاب جريمة القتل، ويؤكدّ سلامة إجراءات النيابة بأنه تم اعتقال النائب وهو في حالة تلبس. وأضاف: "مجلس النواب لم يتدخل بشؤون القضاء، بل أراد منه تصحيح إجراءات غير سليمة اتخذتها النيابة ضد البرطي، لكن مجلس القضاء -يوم أمس- تدخل بشؤون القضاء دون وجه حق". متسائلاً عن مصير حيادية القاضي: "كيف سيقوم القاضي بدوره في النظر بالقضية بشكل حيادي ومجلس القضاء يتدخل بشؤونه". ونبّه النواب إلى أن هناك إشكالية في القانون، إذ يفترض ألاَّ يكون رئيس المحكمة العليا هو رئيس مجلس القضاء الأعلى، لأن الثاني هيئة إدارية، والأول هيئة قضائية. مجلس النواب هو الذي سنّ هذا القانون، لكنه لم يدرك ذلك إلاّ الآن، إذ استعان الباشا بأمثلة للتوضيح: لو تم إبعاد قاض من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى فإلى من يشكو!؟ فرئيس اللجنة الدستورية هو رئيس المجلس أيضاً، ولا يجوز الخلط بين الموقعين. لا يتعصّب الباشا مع البرطي، هذا ما أعلنه في الجلسة، ووجه نصيحته للأعضاء قائلا: "لا نطالب أن تحمينا الحصانة، بل القانون، وكأي مواطن. ونؤكد للقضاء أننا لن ندافع عن مجرم، حتى لو كان نائباً. والبرطي هو مواطن في الأخير، ولا يجوز أن يصطف الجميع ضده، بما في ذلك القضاء". بعد أن أكمل الباشا مداخلته استرخى قليلاً على مقعده لاستقبال إطراءات زملائه بدءا بالهجري الذي جاء وجلس إلى جواره للحديث معه قبل أن يأتي دوره في الكلام. وعلى الرغم من محاولات النواب الحثيثة لرصد سبق آخر يوازي ما طرحه الباشا، إلا أن النقاشات ظلت تعيد ما قاله الباشا وتثني عليه. وكان الأخير يسمع ذلك من مقعده الدوار خلف القاعة فخوراً بما حققه من نصر. جاء اسم سلطان البركاني -في قائمة طالبي الكلام- بعد الباشا مباشرة، وأشاد بما قاله نبيل الباشا، أولا، ثم أسف على ما تضمنه بيان السلطة القضائية، من تعقيد للأمر مع البرلمان. وأضاف: "تواصلت مع مجلس القضاء للوصول إلى حل، لكنه نسف المبادئ الدستورية، ومنها حق مجلس النواب في التأكد من سلامة الإجراءات المتخذة حيال أي من أعضائه، وليس من واجبه اللجوء للقضاء في هذا الأمر". وإذ اعتبر أن مجلس القضاء لم يتعامل مع البرطي كسلطة وإنما كمواطن يستهان به، حذر البرلمان من الانجرار للمهاترات الإعلامية مع مجلس القضاء، لأن الدائرة الدستورية صارت طرفا في الأمر. تعمّد الهجري عدم تكرار ما أورده الباشا، وركز حديثه في رفضه لأن يقف المجلس عاجزاً أمام ما أسماه ب"الاصطفاف ضد البرطي؛ القضاء ضده والأمن ضده والنيابة ضده" قال، مقترحاً على النواب اللجوء إلى البرلمان الدولي للتدخل لحماية البرطي وإيقاف الانتهاك الذي يتعرض له. وقال إن "ممتلكات البرطي ومحلاته التجارية في خدير ومعداته الزراعية نهبت وتنهب،ومواطنين يسجنون بالهوية! لسنا في اسرائيل حتى تنهب خدير باسم مقتل الشوافي"، مطالباً بسرعة تقديم الجناة للعدالة. وفي غمرة هذا السجال ردت الحكومة على طلب البرلمان استجواب وزير العدل، الذي يطلب سحب الثقة منه برسالة قرأها أحمد الكحلاني، قال رئيس الحكومة إنهم سيجتمعون يوم الثلاثاء (أمس) لمناقشة موضوع الاستعجال في مجلس الوزراء، وسيتم على ضوء ذلك الاتفاق بين المجلس والحكومة وتحديد الموعد بحسب الدستور والذي يشترط موافقة الحكومة في حال الاستعجال. وفيما ذهب رئيس الوزراء إليه وافقه النواب في حديثهم على ضرورة الاتفاق بين الطرفين في الاستعجال، وانتقدوا التفاصيل النهائية للرسالة من احتمال عدم موافقة الحكومة على الاستجواب وقالوا إنه أمر محسوم دستورياً. ولأن من المقرر أن يرفع البرلمان جلساته اليوم فقد تقدم النائب محمد الحزمي بمقترح تمديد أعمال المجلس لمدة أسبوع حتى يتسنى لهم الإفراج عن البرطي واستجواب وزير العدل وسحب الثقة منه. وفي الجلسة اتهم النائب عبده بشر القضاء بأنه فاسد، ولوحظ أن مداخلة الأعضاء تضمنت آيات قرانية وأحاديث شريفة تندد بالقضاء وتنادي بالعدالة لم يتمكن البعض منهم من قراءتها بشكل صحيح، مما اضطر النواب إلى التعديل عليهم. وأكدوا على تمسكهم بحصانة البرطي، محملين المسؤولية كل من خالف الدستور والقانون. فيما اتهم رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح، عبدالرحمن بافضل، الإعلام ب"ترويج العراك بين البرلمان والقضاء، وهذا لا يوجد"، قال إن قضية المجلس ليست مع القضاء، بل مع السلطة التنفيذية، في الإجراءات الخاطئة التي اتخذتها ضد البرطي. صحيفة النداء