البحث عن بصمات لمرتكب جريمة اختطاف وقتل ثلاثة من التسعة الأجانب (سبعة ألمان وبريطاني وكورية جنوبية) تبدو صعبة المنال في ظل انعدام معلومات مؤكدة ترفض الجهات الرسمية كشفها أو الإفصاح عنها لأسباب عديدة الكثير منها غير منطقي باستثناء انه هناك احتمال بسيط أنها لا تملك تلك المعلومات أصلا. اتهام الداخلية اليمنية للحوثي وأنصاره بالوقوف وراء الحادث وإنكار الحوثي لتلك الاتهامات تجعل من إصرار الداخلية دون تقديم دليل على ذلك التخفف من مسؤليتها في الحفاظ على أرواح بقية المخطوفين ومرتكبي تلك الجريمة وذلك لا يعفي الأجهزة الأمنية من مسئوليتها،وتقديم دليل يثبت ماذهب إليه وزير الداخلية اللواء مطهر رشاد المصري ومعه المصدر الأمني المسئول بان بصمات الحوثيين واضحة في هذا الموضوع. الحوثيين الذين قالوا انه ليس من مصلحتهم استهداف الأجانب وهو سلوك لم يكن يوما ضمن إستراتيجيتهم إذا ما استثنينا استهداف حافلة عسكرية تقل خبراء عسكريون روس في العاصمة صنعاء في 2006م بقنبلة يدوية من قبل احد العناصر التي تنتمي لجماعة الحوثي. كما ان وجود يحيى الحوثي في ألمانيا واستخدام الأراضي الألمانية في نشاطاته السياسية الهزيلة قد يكون مانعا للحوثيين هنا بإفساد إحدى الساحاتالتي يتحركون فيها في محاولة لإقناع العالم بعدالة قضيتهم ضد الحكومة اليمنية!!!. تبادل الاتهامات بين الحوثيين والحكومة حول الحادث دون ان يمتلك أي منهما دليل واضح ضد الآخر زاد من تعقيد الأمور إذ أن ذلك قد يكون مؤشرا لوجود طرف ثالث من مصلحته العودة بالطرفين لمربع الحرب الدائرة هناك منذ حوالي ست سنوات دون حسم لجولات الحرب الخمس الماضية لأي من الطرفين ،وتصبح تلك الاتهامات من باب محاولة كل طرف تسجيل نقاط على حساب الآخر والبحث عن طرف يتحمل تلك الجريمة البشعة. ولا أدل على ذلك إعلان الحكومة اليمنية لاحقاّ رصد مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن مكان بقية المخطوفين والجهة التي تقف وراء حادثة الاختطاف التي يشوبها الكثير من الغموض. كما أن تبادل الطرفين للاتهامات حول المكان الذي تم فيه الاختطاف او الذي وجدت فيه جثث النساء الثلاث حيث أن الأول يقع ضمن المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات الحكومية بينما الثاني يقع ضمن المناطق التي يسيطر عليها الحوثي وأنصاره من شأنه أن يوضح أن الخاطفين لديهم إمكانية التنقل بحرية تامة بين ضفتي الصراع دون أي مشاكل قد تعترضهم وهذا قد يعني ان الخاطفين استطاعوا استدراج المخطوفين ولم يواجهوا أي مشاكل تذكر خلال عملية الاختطاف مما يشير لكونهم من أبناء المنطقة ويعرفون طرقها حيث لم يستطع أي شخص كان مشاهدتهم خلال تنفيذهم لعملية الاختطاف ، هذا إذا ألغينا إمكانية تواطؤ سكان المنطقة مع الخاطفين. الحوثيين اتهموا بصراحة اكثر من مرة احد الزعامات القبلية القريبة من السلطة في المنطقة الذين قالوا أن عدد من أنصاره هم من نفذوا عملية الاختطاف للضغط على السلطات المحلية لتعويضهم جراء فقدانهم احد أقاربهم في الحرب في المحافظة كونه كان يقاتل إلى جانب القوات الحكومية ولم تحصل أسرته على تعويض مناسب من الحكومة. وهناك رأي أخر يقول أن الخاطفين هم من تجار المخدرات في المنطقة التي تعد أحد منافذ تهريب المخدرات إلى دول الجوار،لجئوا للاختطاف بعد قيام أجهزة الأمن في المنطقة بمصادرة شحنة كبيرة من المخدرات كان تجار المخدرات يعتزمون تهريبها،وانه تم الاتصال بالأجهزة الأمنية في محاولة لمبادلة المخطوفين بالشحنة إلا أن عرضهم لم يلق قبولا لدى أجهزة الأمن ،ولإثبات جدية تهديداتهم قتلوا ثلاث رهائن. المانيا من جهته وعبر معلومات قالت انها استخباراتية اتهمت تنظيم القاعدة بالوقوف وراء العملية على خلفية قيام القاعدة بالاعلان في أكثر من مناسبة بانها ستسعى لاستهداف رعايا ومصالح المانيا. تلك التصريحات التي تداولتها وسائل الإعلام الألمانية يبدو أنها لاقت ارتياحا لدى الحوثيين الذين تعهدوا للالمان فيما يبدو بأنهم سيعملون جاهدين على كشف هوية الخاطفين وملاحقتهم. الجانب الحكومي اليمني يبدو ان تلك التصريحات لم تناسبه اذ انه مستمر في اتهام الحوثيين بالوقوف وراء الحادث ،حيث ذكرت مصادر أمنية أن محافظة صعدة ليست من المناطق التي ينشط فيها أعضاء تنظيم القاعدة في اليمن. لكن تلك النظرية تتناقض مع ما كانت روجت له أجهزة الأمن اليمنية والسعودية التي ذكرت قبل نحو شهرين انها توصلت لوجود رابط بين تنظيم القاعدة في اليمن والحوثيين على لسان أحد المعتقلين السعوديين المنتمين لتنظيم القاعدة الذي قال ان الحوثيين اتصلوا بقيادات تنظيم القاعدة في اليمن وعرضوا عليهم مساعدتهم وتوفير التوفير اللازم للقيام بعمليات تخريبية تستهدف منشئات ومصالح أجنبية في اليمن ،وهو الأمر الذي دفع الحوثيين لإنكاره بسرعة وقالوا أن ذلك تلفيق يمني – سعودي. لكن طريقة تنفيذ العملية بهذا الشكل تنفي ان تكون القاعدة ورائها لان عمليات القاعدة تميزت باسلوب الهجوم السريع والمباشر وعدم الاحتفاظ برهائن حيث ان هدف القاعدة هو احداث اكبر قدر من الخسائر في عملياتهم ، إلا اذا كان لهم هدف تفاوضي مع السلطات كاخراج معتقلين من السجون مثلا. قبل ما يزيد عن أسبوعين ذكرت وسائل إعلام محلية قيام خطيب احد المساجد في محافظة صعدة السلفيين بالتحريض على الأجانب الذين يعملون ضمن بعثة خيرية صحية واتهمهم بالقيام بممارسة أعمال تبشيرية تحت غطاء العمل الإنساني وقد مرت تلك التصريحات بسلام تام ،ولم تقم السلطات الامنية بفتح تحقيق في تلك الحادثة. تشير معلومات إلى أن بعثة الهيئة الخيرية الصحية تعمل في المستشفى الجمهوري بمحافظة صعدة تعمل فيها منذ نحو خمسة وعشرين عاما ولم يتعرض أي من العاملين فيها لأي حادثة تذكر، وهذا يدفع للتساؤل عن مغزى استهدافهم هذه الفترة بالتحديد. الأربعاء الفائت وصلت جثث الضحايا الثلاث للعاصمة صنعاء وسط تكتم شديد ولم يشر الخبر الرسمي عن أي معلومات حول الكيفية التي قتلت بها الضحايا وماهو السلاح المستخدم في الجريمة وهل سقطن خلال مواجهات مسلحة بين الخاطفين وجهة أخرى أم قتلن بسبب ما قيل خلال محاولتهن الهروب من الخاطفين. بالتأكيد هناك أطراف كثيرة من مصلحتها ان يؤدي حادث الاختطاف وجريمة القتل لاشتعال المواجهات من جديد وبشكل كبير بين القوات الحكومية والحوثيين ،من بينها أطراف دولية وإقليمية إلى جانب تجار السلاح والمخدرات في المنطقة الذين انتعشت تجارتهم خلال فترات الحروب السابقة. من شأن هذه العملية التي تكشف بوضوح عجز الدولة واجهزتها الامنية عن كشف ملابساتها الاضرار بعلاقات اليمن مع المانيا التي تعد واحدا من اكبر المانحين الاقتصاديين لليمن ، وكذلك التشكيك بقدرة اليمن على التعامل مع القضايا الامنية واضهار اليمن كبلد فاشل وعاجز وواحد من الأماكن الخطرة بالنسبة للأجانب وهو الامر الذي سينعكس على حجم النشاط الاقتصادي والسياسي من والى اليمن . تكشف حادثة الاختطاف هشاشة الوضع الامني على الميدان وخروج محافظة صعده عن كيان الدولة التي لا تعترف الا بمنطق القوة والقهر وتغيب بالمفاهيم الاخرى مفسحة المجال للفوضى كبديل وحيد للغياب القسري. [email protected]