مالذي يفرق بين القاعدة والحوثيين في آخر صورهم التي وصلوا لها؟ يتحدث كلهم بمنطق المدافع عن المعتقدات في مواجهة عدوهما الذي قررا إنه الغرب دولا ومعتقدات. مع أنهما يعبثان بدولنا التي نناضل ليل نهار لنقل القوة والقرار فيها الى مؤسسات وجهات غير الجيش والأمن. هاهو مسلسل قتل الجنود اليمنيين يعود نشيطا من مارب الى صعده؟ وبخطاب واحد يعتبر هؤلاء الجنود "محادين للذين آمنوا".. علما بأن الحوثيين والقاعدة كلاهما يشكك في إيمان الآخر.. وهاهي دولتنا غير الرشيدة تزيد من حشد قدراتها الأمنية والعسكرية في معركة لن يكسب المجتمع من نهايتها مهما كانت، لأن طرفيها ضد الدولة هما في الأساس جذور فكرية، وحتى الآن لم يعرف التاريخ أي نصر عسكري قضى على أي جذور فكرية لأي انشقاق. مايضاعف الأسف أن المجتمع مسترخ في مواجهة هاتين الظاهرتين، خلافا مثلا لمدى اهتمامه بالصراع مع مايسمى الحراك الجنوبي. لست هنا اتفق ومنطق لقاء أبين المشترك والذي توافق بيانه بشأن خميس زنجبار الدامي مع بيان الرئيس علي سالم البيض في تعريضهما بعدم قسوة الدولة في صعدة. بل أعتقد أن حروب صعدة ومأرب تستهكلان ارواحا وأموالا وتهددان المستقبل أكثر ممايفعل الحراك، حتى الان على الأقل إلا إذ تطور حد سيطرة منحى كالذي يعبر عنه "طماح" لاقدر الله. القاعدة أعلنت مارب هذا الأسبوع منطقة "قاعدية" بل وحذرت قبائلها مما أسمته "الخيانة" والتي تعني التعاون مع الدولة. وقالت إن خلايها في كل مكان منها وتنتظر الإشارة. والحوثي كخطاب وحركة عاد لممارسة ذات اللعبة من احتلال أماكن ومؤسسات عامة. وهما معا لايعنيهما أي جدل يدور في الساحة الوطنية، لأنهما مهما تحدثا بأي لغة سياسية ليسا أكثر من مليشيات السلاح أقوى وأنشط أعضائها. ولن يقبلا بأي تواصل اجتماعي مالم تكن معتقداتهما هي القاطرة له. هما إذا يستحقان الإهتمام الاجتماعي والثقافي حتى، وأهمل السياسي لأن بلادنا لم يعد فيها أدوات سياسية راشدة تؤمن بحقها وقدرتها، والسلطة لاشيئ تنشط في مكافحته كحركات سياسية تهتم بقضايا البلد بشكل حقيقي. إن الإهمال العام لايعني إلا افتقاد المنظومات التي تأسست لخدمة البلاد من مؤسسات السلطة الى الأحزاب، ومنها المنظومات الفكرية التي يلخصها الدستور والقوانين واللوائح والنظم، فقدت مكانتها كأطر تشد الناس للاتفاق والاختلاف حولها ومعها. حين تجلس في مقايل المعنيين بالقضايا تصاب بالذهول، مجرد سجالات لامعنى لها، كل يريد أن يرسم الواقع ويرتب الإحداثيات بمايخدم وجهة نظره. ذات الأمر تجده على صدر الصحف التي برصدها يتم التعرف على أهم مؤشرات السلامة الوطنية في الدنيا كلها، إلا في اليمن فلاينظر لها إلا كإحدى أدوات الصراع. حين وصلت المجتمعات العربية الى مثل هذا المستوى شهدت تحولات عاصفة كالثورات والانقلابات. وللأسف كلها لم تفعل أكثر من تعميق أزماتنا. وكلها لم تتعرض لأي نقد وتحليل يقينا شر عودتها. وهاهو القاعدة الذي غيرت الحرب الدولية عليه أهدافه من كونه منظمة تعمل خارج الحدود الوطنية لمواجهة من يقول إنهم خصوم هذه المجتمعات المحلية الى منظمات للعنف الوطني. والحوثيون انتقلوا من ضحايا القمع الرسمي الى مشروع سياسي لايهدأ حتى يعود للقتال، وفي كل مراحلهم يظلون ملتزمين لخطاب ثوري يسترخص الدماء ويفرح بالانجازات الصغيرة دون اكتراث لمايعنيه ذلك مستقبلا. ويقف "طماح" الذي يتحدث باعتزاز عن دمويته في بعض مناطق المحافظات الجنوبية تحديدا ضد مواطنين او جنود أمن أو شرطة قريبا من هذا المربع.. وفي حال استمر عجز الأدوات الأخرى عن الحضور فإننا نسير بذات الخطى التي أنتجت الكارثة بأيدي من قالوا إنهم عملوا لتجنبها. لست أحمل غيرنا ولا أنظر أبدا لأي "يد خارجية" لأن الله يحاسبنا نحن وليس الشيطان، فنحن من نفعل.. ولكن مايحدث اليوم هو في النهاية يصب لصالح اسوأ مايقول القاعديون والحوثيون إنهم يواجهونه، وهو الاستكبار الخارجي. ولو كررنا ماضينا القريب فلايعني إلا أننا مجتمعات لاتستحق أن تعيش حرة مستقلة، وأن الأفضل لها هو الوصاية الخارجية التي تجبرها على الانشغال بواجباتها. هل يمكن أن نتجنب ذلك.. أن نمنع تحويل أعزة بلادنا الى أذلة، فهذه البلاد تستحق حياة أخرى.. والله خير حافظ. ضريبة المبيعات تقول دولتنا المباركة إن القلق السياسي يؤثر على "الاستثمار" المنتظر في البلاد.. السؤال: ماذا يعمل تباطؤها هي في إنجاز أجندة الإصلاحات وبخاصة مايتعلق بهذا الاستثمار؟ وصلت الكهرباء الى منزل نجل مسئول أمني على الشواطئ الغربية في ايام فيما مستثمر جاء من قطر متجاوزا هذا القلق السياسي لكنه اضطر للعودة الى بلاده هربا من الحكومة؟ سؤال آخر، كم يضيع علينا استمرار القطاع التجاري في القطاع الخاص التهرب والتحايل والضغط ضد ضريبة المبيعات.. ضريبة المبيعات صارت هي هوية وجنسية مواطني هذا العالم، ونحن -والمصيبة أن الحكومة تعلم كل ذلك-، لايزال تجارنا يقيمون الدنيا ولايقعدونها ليس لمواجهة مايقولون إنه آثار سلبية سترافق تطبيق ضريبة المبيعات، بل لمواجهة هذه الضريبة. لدى الحكومة كشوفات تظهر أن الأستاذ القدير حسن الكبوس -مثلا- يسجل شاهيه باقل من نصف مايبيعه للمستهلك، ومثل ذلك مئات الآلاف من المستوردات تسجل في منافذ الدخول بأقل من ربع قيمتها، وبالتراضي بين المنافذ وهؤلاء التجار يدفع تجارنا الأشاوس مثل هذا الربع مما يجب للدولة، ويزيدون بالقول إنهم يخسرون بسبب أموال الفساد السياسي والاداري، وحين يكون الحل ضريبة المبيعات يفضلون التحالف مع الفساد ضدنا مواطنين وبلداً. خمسة أعوام ودولة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح عاجزة عن تطبيق ضريبة المبيعات التي بسبب غيابها تضيع مليارات على الخزينة العامة، وبتطبيقها ستضبط السوق ونشهد نقلة كبرى في إدارة الحياة في هذه البلاد المرهقة. القضية صارت أعصى من قضية السلام في الشرق الأوسط، ولن نتورط في تسمية من هم الفلسطينيون ومن هم الاسرائليون في حالتنا، لكننا سنكتفي بالقول: كنا سنفهم القطاع التجاري خاصة في القطاع الخاص لو أنه وافق على الضريبة ولو حتى بواحد في المائة.. لكنه يقاتل ليبقي هذا البلد بقرة حلوباً لهم وللفساد وكأنهما وجهين لعملة واحدة. [email protected] نيوزيمن