لا شيء في الأفق يوحي بأن هناك خطراً يهدد إيران، في الوقت الحالي على الأقل، ولكن أجهزة الإعلام مغرمة بتكبير المواضيع السياسية فالمسألة بالنسبة لها «أكل عيش». ومسألة مهاجمة إيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية هو احتمال من الصعب فهمه، ولكن الحرب الكلامية شيء جائز، وهي لن تخرج عن التكتيكات السياسية من أجل الوصول إلى أهداف معينة. والواقع الذي يمر به العالم اليوم يكذب كل التهويلات السياسية حول موضوع الحرب على إيران، فالولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها باتوا في موقف لا يحسدون عليه، لذلك ترى السياسة الإيرانية تحصد الانتصار تلو الآخر بسهولة يحسدهم عليها الكثيرون. فهدف واحد للإيرانيين يقابله أهداف متناقضة لدول التحالف الغربي. واحتمال قيام الأميركيون بهجوم عسكري على إيران محكوم بالفشل قبل بدءه، فالولايات المتحدة مازالت متورطة في العراق، وغارقة في أفغانستان، والخزانة الأميركية خاوية بسبب الأزمة المالية العالمية، وروسيا التي سكتت مكرهة عندما غزت الولايات المتحدة العراق، لن تقف متفرجة هذه المرة، لذلك لن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بمثل هذا التصرف ولو أقدم الإيرانيون على مناورات سياسية جريئة في تحدي العالم الغربي. وليس أمام الأميركيين سوى محاولة حشد التأييد الدولي لفرض عقوبات جديدة على إيران، لعلها تربك خطط الإيرانيين في انتاج السلاح النووي، وهو هدف سيقاتل دونه الإيرانيون حتى آخر «ملا» لديهم، فهو من الأهداف الاستراتيجية للقيادة الإسلامية في إيران، والفشل في تحقيقه يعني نهاية النظام السياسي الديني في إيران. ولدى الإيرانيون من الأوراق في المنطقة ما يجعل إسرائيل وأميركا تحسب لها ألف حساب، فلديها «حزب الله» في لبنان، وحماس في فلسطين، والحليف السوري، والحوثيون في اليمن، والحزب الحاكم في العراق، والمتعاطفون مع إيران على امتداد منطقة الخليج، والعداء الفطري للسياسة الأميركية ليس في العالم العربي فقط بل في العالم كله، والإسرائيليون يعلمون جدية النظام الإيراني في الرد على أي اعتداء عليهم، لذلك يجب أن نطرد الوساوس بشأن قيام هجوم إسرائيلي، أو أميركي على إيران، ويجب أن نفكر بأسلوب مختلف وعن احتمالات أكثر واقعية. فمن المعقول أن نقول ان سياسة الضغط الأميركية على إيران ستستمر، مع الاستفادة من الضغط الشعبي الداخلي على النظام، وهو الحل الأمثل لمثل هذه الحالات، ولكن الاحتمالات كلها قائمة، وكل شيء جائز، ونقاط الضعف في العالم الإسلامي كثيرة وأسهلها وأقربها إلى التحقيق هو إشعال حرب طائفية في المنطقة، ولو بشكل محدود، وهو من أخطر السيناريوات المحتملة التي قد تلجأ اليها الولايات المتحدة وإيران، وهو ما تتمناه إسرائيل، وتنتظره «القاعدة»! فإيران لديها خطوط مواجهة أمامية لهذه الحرب التي لن تمثل لها مشكلة على المستوى الداخلي. ورب ضارة لنا نافعة للغرب فمثل هذه الحروب تحتاج إلى السلاح، وغيره من المستلزمات، وهم على استعداد لتقديم المعونة للأطراف المتحاربة دون استثناء، فكل شيء بثمنه! ووقود هذه الحرب متوافر في النفط الثمين الذي سيباع بالرخيص، فالحرب تحتاج إلى هدر الفلوس كما تحتاج إلى بذل النفوس. وخطر الانزلاق وراء الدعوات الطائفية قائم، فشعوب المنطقة تعيش مرحلة الاعتكاف الديني الطائفي، وذلك نتيجة للظروف السياسية التي مرت بها المنطقة، ولسياسة حكومات المنطقة القائمة على دعم الفكر الديني المتشدد على حساب الاعتدال، وشحن المواطنين بالمشاعر الزائفة التي خلقت نوعاً من النرجسية والفوقية تجاه الآخرين، في وقت مازالت فيه هذه الشعوب تعاني من آثار التخلف الذي يمكن ملاحظته في الخلط الواضح بين الدين والسياسة، وكل ما سبق يمهد الطريق لاستقبال الفتنة الطائفية بالورود والزغاريد. لهذا يجب أن نضع عملية نشر صواريخ الاعتراض الأميركية في مكانها الطبيعي وفهمها من ضمن سياسة متكاملة تهدف إلى شحن دول المنطقة، فذلك لا يخلو من الفائدة المالية والسياسية بل والوقائية، فاحتمال أن تبادر إيران بهجوم محدود هو سيناريو جائز ومجرب في العام تسعين، وهو احتمال لا يريده الأميركيون حالياً، فإيران ليست العراق ولكنهم يستبقون الأحداث، ويضعون جميع الاحتمالات لرد الفعل الإيراني إذا ما تعقدت الأمور وازدادت العقوبات المفروضة على إيران. * ( الرأي الكويتية )