بعد عشرة أيام من مهرجان جماهيري غير حاشد نظمته أحزاب اللقاء المشترك " تكتل المعارضة اليمنية " شهدت مدينة الثورة الرياضية وبالأخص ملعب المريسي مهرجاناً حاشداً بالطلاب والمواطنين نظمه المؤتمر الشعبي العام وبقية الأحزاب التابعة المنضوية في إطار التحالف الوطني الديمقراطي ولعل المشترك بين المهرجانيين أنهما لم يحفلا بأي شيء يخدم المواطن اليمني المثقل بارتفاع درجة حرارة الأسعار جراء الأزمات المتوالية التي تصيب البلد وليست من صنع الجماهير بل من إنتاج هؤلاء المتصارعين في حلبة اتفاق فبراير. في المهرجان الأول للمشترك تمترست قيادات التكتل كالعادة خلف "محمد سالم باسندوة" نائب "حميد الأحمر" للجنة التحضرية للحوار الوطني ونائب الممول أيضاً وكان الهدف استعراضي بامتياز مفاده الضغط بورقة الشارع وإن بدت هزيلة للمرور لجلسة الحوار وتثبيت نقاطه ضمن اتفاق حوار جديد للحوار على اتفاق فبراير، لكن المؤتمر الشعبي العام بادر للتأهب والتعميم لكافة قواه التقليدية بالجاهزية لعمل استعراضي لكن من النوع الثقيل لسحب ورقة " الشارع" من على طاولة الحوار الذي كان من المقرر عقده الأربعاء . انعقدت جلسة الحوار برئاسة الدكتور عبد الكريم الارياني من طرف المؤتمر الحاكم وفي منزله وبحضور قيادات للمشترك لكن الجلسة التي انعقدت بعد قطيعة وخارطة تحالفات جديدة لم تصل إلى تسوية نهائية و أعاقت نقطة واحدة الاتفاق غير المعلن ، لكن الجلسة القادمة تتطلب من المؤتمر تنفيذ ما أعد له من مهرجانات وكالعادة تنتشر قيادات المؤتمر للصف الأول والثاني مدعومة بالوعود والمشاريع نحو المحافظات للتحضير لمهرجانات تمثل رداً رادعاً لخصمه الذي يهدد بالنزول للشارع وبالتالي تصبح هذه الورقة غير فاعلة . ولعل أول مهرجان نظمه المؤتمر الشعبي العام بالعاصمة صنعاء وصف بالحاشد بغض النظر عن طبيعة الحشد وبياناتهم الديموغرافية لكنه ظهر أقوى من جليسه على طاولة الحوار ، بغض النظر عما إذا كانت هذه الجماهير ما زالت تضمر الولاء للرئيس على عبد الله صالح وليس لسياسة حزبه . وكما لم تكرس تلك المهرجانات للتنديد بلهيب الأسعار وتدهور سيطرة الحكومة على وتيرة ارتفاع الأسعار رغم التغييرات المهمة وأبرزها إقالة الرئيس صالح لمحافظ البنك المركزي وتعيين جديد مشهود له بحسب خبراء بالاقتصاد لم تقف عجلة التدهور وانتقلت من قائمة البضائع المستوردة التي أعلنت الحكومة رفع الضرائب عليها 15% وارتفعت على أرض الواقع إلى (100%) إلى رفوف المواد الغذائية المنتجة محلياً وبشكل متفاوت يؤكد غياب الرقابة بحجة أن المواد الخام للصناعات المحلية قادمة من الخارج وبالتالي صارت عرضة لرفع الضرائب ولعلها انتقلت عقب إقامة مهرجان الحزب الحاكم وحلفائه إلى المواصلات ، حيث فرض أصحاب الباصات زيادة (10) ريال على المشوار لكن المواطن وبعد هتافاته في ملعب المريسي ملزماً بدفع (10) ريال على مشوار العودة من هذه المهرجان ومن " غير ليه" !!!! وتضمنت البيانات الختامية تبادل الاتهامات كالعادة من كل طرف للأخر بالتأزيم وتعميق الأزمات والدعوة إلى العودة إلى جادة الصواب ..وبين التنكيل والإشادة بكل شيء بهذا الوطن من كلا الطرفين الذين اعتادا العزف على مقطوعات خارج السرب لم يعد يعتبر فيها المواطن سوى حالة آنية للتخدير كون الطرفين لم يقدما له اكانو فرادا او مجتمعين في اطار تحالفاتهم شيئ ،وما تلمسه الجماهير وفق معطيات الواقع هو أن هذه الأحزاب المتصارعة على لجنة الانتخابات ليست جديرة بالثقة وبالتالي صار المشاركين في هذه الاستعراضات ثلة لا تقارن مع أغلبية للمتفرجين على مسرحيات ركيكة ليست جديرة بالاهتمام . وعلى الرغم من تدهور الأوضاع وسوء الأحوال لدى المواطن اليمني وتراجع أداء الاقتصاد الوطني ورداءة بعض الخدمات وانتشار الفساد وقفزات للريال أمام الدولار وزيادة أسعار بشكل مخيف من الحديد وحتى الزبادي، فإن هذه لا ترقى إلى أن تعيد هذه الأحزاب المعارضة والحزب الحاكم للالتفات والعناية ولم يشهد ملعب المريسي مهرجاناً يندد بتدهور حالة الريال وانطفاءات الكهرباء ورداءة خدمات الصحة ونهب الأراضي بعدن والحديدة وانتشار الفوضى في معظم المحافظات حيث باتت العديد منها تنضوي ضمن محور الشر وبات الاستقرار والأمان لا يتعدى ضواحي العاصمة صنعاء والحديدة وتعز وذمار وأب والمحويت والبيضاء والمهرة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإطفاء الحرائق المشتعلة من قبل جهات معينة وبتوجيهات الرئيس صالح لا تزال مؤشرات العنف تتصاعد وتفوح يوماً عن يوم ببشاعات القتل بالهوية وسقوط عدد من المواطنين مدنيين وعسكريين في دائرة العنف المناطقي في الحبيلين وأبين . وإن كانت أحزاب اللقاء المشترك المعارض ترى أنها تشفي غليل أحقادها من النظام وحزبه وتقف موقف المتفرج في أوقات سابقة إلا أنها مؤخراً باتت تخترق هذا الموقف الباهت والشامت إلى تكوين تحالفات مع الشيطان للنكاية بالحاكم وحزبه وخاضت اجتماعات شبه معلنة مع عناصر التمرد الحوثي عبر اتفاق ضحيان رغم أن دماء الشهداء والضحايا والمنكوبين لم تجف وباتت تلوح باتفاق ضمن خارطة تحالفات غير إستراتيجية مع قيادات الحراك الانفصالي رغم جرائم القتل المناطقي غير المدان من هذه الأحزاب ولعل التأخير في إقامة هذا الحلف الجديد رفض الحراكيين للمشترك كونه الوجه الأخر للسلطة الحاكمة وشريكها في الأخطاء والتراكمات والفساد أيضاً . وأمام هذه التحالفات تصبح المواقف رمادية وحينما تتداخل الأفعال تتناقض النتائج والأحكام كما يؤصل ذلك علماء الاجتماع ويصبح الحكم على هذه المواقف المتناقضة خاضعاً لمرجعية المواطن البسيط القائمة على عبارة " وجهان لعملة واحدة " ، فعقد تحالف مع الحوثيين قبل أن يعود السلام والأمن والاستقرار إلى محافظة صعده وحرف سفيان تصرف لا مسئول ونكاية غير فاعلة وتعكس رؤية الشراكة والغايات بين أصحاب البرامج السياسية والأفكار والرؤى الفكرية وحاملي البنادق وجميعهم يحمل يافطة التغيير ولكن تصبح المصيبة فادحة عندما تنضوي الأحزاب تحت مظلة حركات العنف والدماء والدمار . ولعل ما يؤكد تعامل هذه الأحزاب بالنكاية والمماحكات انجرارها لإصدار البيانات المنددة بإخراج الطلاب والموظفين في مسيرة جماهيرية باعتباره يفاقم أزمات اليمن مع أن المراقب لبيانات هذه المعارضة يجد انها خالية من اي تنديد او ادانة لجرائم القتل المناطقي في مثلث الرعب ابتداء من الجبلي والعنسي وحتى مقطوع الأذن والعضو الذكرى والجندي الأعزل في الحبيلين . وبالمثل لم يصدر عن هذه الأحزاب ما يندد بمؤشرات عودة الحرب إلى صعدة وسفيان وسط اتهامات متبادلة وألغام واختطافات لكن هذا بالتأكيد سيحرجها أمام الحليف الجديد القادم من جبال مران وضحيان بمسمى "أنصار الله" وليس من المهم أن يكون حليفاً مدججا بالسلاح والعنف المهم أن يضيف رقماًً للمعادلة مهما كانت النتيجة !!! وفي المقابل لم يقدم المؤتمر عبر حكومته خارطة طريق للخروج من أزمات متسلسلة وبادلت تلك الاتهامات بمبررات لا ترقى إلى مستوى استعادة جزء من المصداقية لدى المواطن وباتت الأعذار والقفازات جاهزة لدى الحكومة التي لا تسيطر حتى على أدنى معيار لمخاطبة الشارع بأسباب ارتفاع الأسعار وانفلات السوق أسوة بالأوضاع الأمنية وحقيقة ما يجري على جبال صعدة وحرف سفيان. لم يعد الخطاب الحكومي مقناعاً إن يوصف لدى المواطن البسيط بأنه ساذج ومكرر ولا يصدر من مسئولين يعطون قدراً من الاحترام للجماهير ، كونه تردد أن زيادة الضرائب للحد من تسرب العملة الصعبة إلى الخارج وأن فاتورة الاستيراد تكلف الاقتصاد بأرقام متضاربة بين (2- 10) مليار سنوياً ولا بد للحد من هذه المشكلة بنظرها رفع الضرائب مقابل عدم سيطرة على طرق التهريب وضبط الأسعار ، كما أن مبرراتها لرفع الدعم عن المشتقات النفطية التي تتجاوز (3) مليار دولار سنوياً هو قطع الطريق على المهربين الذين يستفيدون من دعم الحكومة للتر البنزين وبيعه بسعر معوم خارج اليمن . ليس أمام هذا الانفلات والتهريب للمشتقات والعملة والعلاج من وجهة نظر الحكومة "العاجزة"إلا أن ترفع الضرائب ويرفع الدعم على كاهل المواطن الذي يجد نفسه محاصراً بين معادلة شراء (2) زبادي بسعر (120) ريالاً لكل وجبة فطور وغداء وعشاء ليكون الناتج الإجمالي (10800) ريال في الشهر إذا اقتصر تناوله على الزبادي فقط مقابل رواتب ضئيلة لا تتجاوز 30 ألف ريال وحقوق هذه المعادلة المعيشية لاتحاد عمال اليمن في تفاوضه مع رئيس الحكومة وفريقه صباح الخميس 22/4/2010م في مجلس الوزراء عندما سرى التفاوض على تلبية متواضعة لمطالب الاتحاد أمام لهيب الأسعار المتصاعد في السوق . ومثلما لا تمتلك الحكومة مبررات صحيحة للازمات تفتقد أيضاً لخطاب يحتوى على طمأنة المواطنين بمؤشرات انفراج تعلق عليه الجماهير أمالها ولو لفترة من الزمن إلا أن رئيس الحكومة رمى باللوم على المواطنين الذين يصابون بالهلع والذعر عندما تعترف الحكومة بوجود مشكلة وبالتالي يصبح خيارها الصمت من ذهب !!! وعلى هامش المعارضة والحاكم تتضح ملامح تيارات في الطرفين لا تحبذ الجلوس على طاولة الحوار وبالتالي تقف وراء توتير الطرفين للسير في الاتهامات والاستعاضة عن أيجاد الحلول والمعالجات بكسب مزيد من الأوراق حتى بالتحالف مع الشيطان الأزرق كما يقول إخواننا المصريين . وأمام قتامة هذا المشهد السياسي تقف منظمات مجتمع مدني مصابة بالتدجين السياسي وملوثة بالمماحكات ولعل أي مواطن يدور في عقله أن الأجدر بملتقى التضامن الوطني وجمعية علماء اليمن التنديد بقائمة نهب الأراضي في عدن والحديدة بدلاً تبني أجندة سعودية ومعارك دينية لا صلة لها بالواقع والمواطن الذي تدور على رأسه رحى طاحنة لأدنى مقومات المعيشة والحياة والحق بعيداً عن الحلم بالرفاهية والحاضر الأفضل . لكن الأمور تصبح أكثر سوء عندما يقرأ أي مواطن بيان علماء اليمن بخصوص الحفاظ على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع بعد معركة زواج القاصرات حيث يبذل علماؤنا جهوداً مضنية للتأثير على صانع القرار والالتقاء بالرئيس صالح شخصياً وتقديم مطالب مقابل تمسكهم بالوحدة الوطنية والوحدة العربية وزاوج القاصرات بلا تحديد سن بحيث يظل ما يجري في السوق يندرج تحت ذريعة الحكومة الواهية ( اقتصادنا رأسمالي يقوم على حرية السوق) و يتصارع المؤتمر الحاكم والمعارضة في حلبة اتفاق فبراير بلا نهاية .. في حين تظل معاناة المواطن اليمني مفتوحة على كل الاحتمالات !!!.