في الوقت الذي تتعزز فيه مؤشرات عودة الهدوء إلى مدينة صعدة وحرف سفيان وخفوت نشاط ما يعرف بجبهة الحراك المطالب بفك الارتباط انتعشت حمى الصراع السياسي والتصعيد بين المؤتمر الشعبي الحاكم وتكتل اللقاء المشترك على خلفية إغلاق الحوار على طاولة اتفاق فبراير. وخلافاً للاتهامات المتبادلة كالعادة بوصول الحوار إلى طريق مسدود شرع المشترك بإعلان الدعم والمساندة للحراك الجنوبي المسلح واعتباره نتاجاً لشمولية المؤتمر الحاكم مبرراً جرائم القتل اليومية بحق مواطنين أبرياء بالهوية وإحراق عشرات المحلات لأبناء المحافظات الشمالية بأنها نضال سلمي نكاية بالمؤتمر الذي يرأسه الرئيس على عبد الله صالح . ولعل التصعيد خرج إلى العلن على خلفية خطاب الرئيس صالح اتهم فيه تكتل المشترك بالابتزاز والوقوف موقف متخاذل من فتنة صعدة وتوفير الغطاء للمتمردين وكذلك توفير الدعم لعناصر الحراك المسلح الذي ينتمي معظم قياداته إلى أحزاب المشترك وإن كانت تعمل في الحراك خارج نطاق سيطرة المشترك الذي لا يزال يبرر جرائم ما يجري في الحبيلين والحوطة وطور الباحة زنجبار ومواجهات سقط خلالها العشرات من الأمن والمواطنين وعناصر الحراك وسط حملات أمنية لتثبيت الأمن والاستقرار في محافظات الضالع ولحج وأبين كونها أيضاً خارج سيطرة السلطة الحاكمة . ورغم إعلان المشترك وقوفه بجانب الحراك المطالب بفك الارتباط مع الشمال إلا أنه دعا إلى اعتصامات لمساندة الحراكيين والتنديد بالسلطة وما أسماها عسكرة الحياة السياسية ، مطالباً بالشراكة في السلطة والثروة كشرط أساسي لحل المشاكل العالقة في اليمن . ورغم استجابة (4) محافظات لدعوات المشترك للتظاهر وهي العاصمة صنعاء والحديدة والضالع ولحج إلا أن الحشود لم تكن كبيرة ما عدا في العاصمة صنعاء ، حيث سرعان ما بادر الحاكم إلى اعتبار هذه الحشود الضئيلة بأنها الحجم الحقيقي للمشترك الذي تتمثل رسالته بتحريك الشارع للضغط على المؤتمر الحاكم بالقبول بشروطه. وشهدت الحديدة والعاصمة صنعاء مهرجانات سلمية إلا أن هذه الاعتصامات انحرفت عن مسار السلم في الضالع ولحج حيث التقت حشود المشترك بأنصار الحراك المسلح ونشبت صدامات في مدينة الضالع ومديرية طور الباحة بلحج أسفرت عن مقتل (3) من الحراك وإصابة (7) جنود من الأمن وقرابة (5) من المارة طالتهم الأعيرة النارية للطرفين . المشترك عزف من خلال " محمد سالم باسندوه" نائب لجنة التشاور الوطني التي يتزعمها رجل الأعمال الإصلاحي " حميد الأحمر" الذي اتخذ قرار الاعتصامات والتضامن مع عناصر الحراك وقدم الدعم المالي للمشترك للاعتصام ، شريطة أن يكون باسندوة هو المتكلم باسم المشترك وإن كان يوصف بالناطق الرسمي لحميد الأحمر . وركز البيان للاعتصامات على مغازلة قناة الجزيرة من خلال إدانة حملة محلية تطالب بإغلاق مكتبها في صنعاء جراء تماديها في التغطيات غير المحايدة كمل تقول السلطات المحلية في الضالع ولحج وأبين . وركزت الكلمة على الشراكة في السلطة والثروة وهو محور الرسالة التي وجهتها عبر الاعتصام في العاصمة في حين شهدت الحديدة وتعز حضور ضئيل وعدم استجابة أكثر من (15) محافظة لتلك الدعوات . وتؤكد مصادر حزبية مطلعة أن فشل الحوار كان سببه رجل الاعمال الطامح بالسلطة " حميد الاحمر" الذي تبني لجنة للحوار الوطني وعقد اجتماعات في مختلف المحافظات مستغلاً أحزاب اللقاء المشترك وبلورة رؤية لحل الأوضاع ركزت الانتقادات في مجملها على منصب الرئاسة ، حيث اعتبرها المؤتمر الحاكم استفزازاً متعمداً غير مقبول به على طاولة الحوار . ورغم جولات الحوار السرية والعلنية والمراسلات التي خرجت الى دائرة النشر وتسجيل النقاط بين الحاكم والمعارضة إن ما أوصل الحوار الى طريق مسدود هو إصرار لمشترك على دخول لجنة التشاور الوطني التابعة لحميد الاحمر طرفاً في الحوار في ظل رفض مؤتمري تام بحجة أن لجنة التشاور هي منضوية في إطار اللقاء المشترك وهو ما ادى الى إعاقة حوار شامل كان دعا اليه الرئيس صالح وتم دعوة (8000) الف شخصية سياسية واجتماعية ومحليات ونواب وشورى ومشائخ لكنه لم يرى النور جراء تلك الخلافات الناجمة عن استيعاب لجنة التشاور الوطني . ويشر مراقبون إلى أن قيادات المشترك اعتراها الارتباك جراء رفض المؤتمر للجنة التشاور إلا أن المشترك ضغط بكل ثقله لدى الرئيس صالح لإدراج لجنة حميد الأحمر وهو ما جعل الرئيس يقترح صيغة حل مناسبة تتمثل بأن تقدم رؤية لجنة التشاور الوطني لحميد الأحمر كرؤية للمشترك مقابل رؤية المؤتمر التي بلورها من اجتماعات دعا اليها للمجالس المحلية والمكاتب التنفيذية وصارت إستراتيجية جاهزة لترجمتها على الواقع العملي من قبل الحكومة خصوصاً ما يتعلق بالأوضاع في المحافظات الجنوبية الملتهبة . إلا أن هذا المقترح أصاب قيادات المشترك بالإحباط التي تريد " حميد الأحمر " طرفاً على الطاولة فيما يؤكد المؤتمر انه لا يمتلك أي صفة وليس معنياً بالجلوس مع هذه اللجنة كونها لا تمثل حزباً سياسياً بل هجيناً قائم على أموال رجل الإعمال " حميد الأحمر" . هذه المواقف المتصلبة تسببت في فتور مسيرة الحوار قبل أن يتدخل وفد سوري برئاسة " عبد الله الاحمر" الرجل الثاني في سوريا لاصلاح ذات البين وعقده اجتماعات استمرت أسبوع توصل خلالها إلى صيغة ملائمة لاستئناف الحوار بين أحزاب البلد الواحد . ولم يكد يجف حبر هذه الموائمة المتضمنة تنازلات تتمثل بعمل الطرفين على حل مشكلة الاوضاع المشتعلة في الجنوب وإيقاف عجلة التدهور الأمني وانفلات الأمور واشتعال بؤر العنف مقابل ترتيب الأوضاع للحياة السياسية وخوض الانتخابات باتفاق فبراير الذي وقعه الطرفان لإصلاح المنظومة الانتخابية . ويقول سياسيون في المؤتمر إنهم تفاجؤا باشتراطات جديدة على اتفاق فبراير يحملها المشترك إلى طاولة الحوار وهو ما اعتبروه ابتزازاً يقوم على استغلال بؤر العنف في جنوب الوطن كورقة مساومة الشراكة في الحل . ولم يتوقف المؤتمر عند هذه المساومات غير المعلنة بين الطرفين بل أعلن الرئيس صالح وقف العمليات العسكرية في صعدة وحرف سفيان وانتهاء المواجهات مع المتمردين الحوثيين نزولاً عند استجابة الحوثيين بتنفيذ النقاط الست والياتها في فترة زمنية محددة . وما وضعت الحرب أوزارها في صعدة وشرعت اللجان تنفس الحاكم وحزبه الصعداء وأعلنوا التفرغ لما يجري من حرائق في المحافظات الجنوبية ، وسقطت ورقة من الأوراق من ملف تكتل المشترك و التي كانت رابحة لانتزاع شروط من الحاكم . هدوء جبهة الحرب منحت الداخل والخارج ثقة جزئية بجدية الحكومة اليمنية على لملمة مشاكلها وجر ذلك إلى انعقاد مؤتمر الرياض الذي عزز الدعم لليمن بعد مؤتمر المانحين بلندن وأكد دعم اليمن لمواجهة المشاكل وإعادة ترتيب الحياة القائمة على التنمية التي تخدم المواطن اليمني . بهذه المؤتمرات شعر الحاكم ان نقاطه ازدادت ارتفاعاً كونه استطاع جذب مساندة العالم بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول العالم بما فيها المنظومة الخليجية الداعمة الرئيسة لليمن ، حيث شرع في تعزيز نقاطه الرابحة بتفكيك ما يجري في الضالع ولحج وأبين من خلال تغييرات عسكرية وأمنية شاملة وتعزيزات على الأرض لوقوف عجلة التدهور والانفلات الأمني . هذه الإجراءات ساندها أعلن الرئيس صالح تشكيل لجان لحل ملفات الضالع ولحج وأبين بكل ما فيها من مشاكل عالقة تتمثل بالأرضي والشراكة وغيرها ويرأسها الدكتور يحيى الشعيبي وزير الخدمة وعبد القادر على هلال وآخرون . وتزامنت هذه التحركات مع وساطات غير معلنة تمكنت من حلحلة الأوضاع في أبين حيث يتمركز " طارق الفضلي " رئيس المجلس الاعلى للحراك والذي فاجأ الجميع بما فيهم فعاليات الحراك بنزع الأعلام التشطرية من محيط منزله وإزالة اللافتات والعبارات من ذات الشارع الذي يقطنه وهو ما اعتبر نجاحاً حققته وساطة لا تزال أسرارها مجهولة حتى الآن ، إضافة الى إعلان الرئيس صالح تشكيل لجان من أبناء المحافظات الجنوبية في البرلمان والشورى والمجالس المحلية وتخويلها حل كافة المشاكل في تلك المحافظات . هذه الخطوة بقدر ما حملت من مفاجأة مذهلة لجميع الأطراف على الساحة وأصابت الحراك بفتور شديد ، أصابت المشترك المعارض بصدمة حيث باتت الورقة الأكثر ربحاً على طاولة الحوار وشيكة السقوط بتفكيك ما عرف بالحراك والقضية الجنوبية ولم يعد هناك مجالاً للمزايدات والخطابات !!. وارتفعت في المقابل أسهم الحزب الحاكم على طاولة الحوار الذي وصل به الحال إلى دعوة المشترك الى حكومة وحدة وطنية نظراً لتراكم المشاكل المتمثلة باستمرار جبهة صعدة وحرائق الجنوب ومواجهات القاعدة . ولعل هذا الترتيب على ارض الواقع جعل الحزب الحاكم ينفض غبار الاستكانة لمطالب وشروط المشترك ، كونه بات على أرضية أكثر تماسكاً من قبل وبالتالي لا بد من إعادة صياغة شروط الحوار من جديد ، حيث اعتبر وعلى لسان الرئيس صالح أن اتفاق فبراير كان غلطة كبيرة لحزبه الحاكم ولن يكررها مستقبلاً في إطار تبادل الضغط وتبادل الأوراق مما دفع أحزاب المشترك إلى الإعلان عن التصعيد والاتجاه نحو مساندة ما تبقى من تحركات للحراك الجنوبي والتلويح بتثويرها من جديد . ولكن المؤتمر سرعان ما شن حملة تضمنت اتهام قيادات المشترك وأحزابها بتوفير المساندة والدعم لعناصر التمرد في صعدة وصب الزيت على النار في الجنوب في سبيل إضعاف الحاكم وإمكانياته وبالتالي الرضوخ لرؤية المشترك التي تزعمها " حميد الأحمر" من حوارات في الداخل والخارج ، في ظل اعتبار ما يجري حرب عبثية تشنها السلطة المعتادة على تأزيم الأوضاع والإدارة بالأزمات . وتضمنت اتهامات المؤتمر الحاكم لقيادات في المشترك بالابتزاز والمتاجرة بدماء القوات المسلحة والأمن لتحقيق مكاسب وشروط تخدم مصالحها الذاتية وبادر كذلك إلى اتهامها بالتنصل من اتفاق فبراير والتلويح بعدم العمل به. إلا أن المشترك المعارض استوعب هذه الرسائل وسارع بدعوة أنصاره وأعضائه للتظاهر والاعتصامات لنصرة ما وصفهم بمظلومي الحراك وضحايا القمع الأمني وعسكرة الحياة السياسية في المحافظات الجنوبية . وقوبلت هذه الاتهامات بردود عديدة من الأمانة العامة للحزب الحاكم والتي حذرت المشترك من الإيغال في الفوضى ودعم العناصر الخارجة عن القانون ، داعياً قوات الأمن إلى التصدي للأعمال والتظاهرات الخارجة عن القانون للمشترك والحراك الجنوبي ، محذراً قيادات المشترك من التمادي في إشعال الحرائق والفوضى حيث سيضعها ذلك تحت طائلة المساءلة القانونية، ملوحاً بالورقة الأمنية ، حيث تشهد المعسكرات الامنية والعسكرية وخصوصاً في المحافظات الجنوبية رفع حالة التأهب واليقظة للتصدي لمشاريع تستهدف الوحدة الوطنية والمساهمة في تثبيت الأمن والاستقرار في المناطق الساخنة في لحج وأبين والضالع حيث تزداد عملية الانتشار الأمني كثافة وضراوة تجاه عناصر الحراك المطالبة بفك الارتباط بعد وعد الرئيس صالح في محاضرة أمس الأول بإزالة الأعلام الشطرية وان لليمن علم واحد هو علم الوحدة . كما أن المشترك لم يقف مكتوفاً حيث دعا إلى اعتصامات وتظاهرات شهدتها اليوم الخميس الموافق (11/3/2010م) في صنعاء والحديدة وتعز ولحج والضالع ، إلا أن الرسالة لم تصل كما أرادها المشترك من خلال استجابة ضئيلة في تلك المحافظات عدا العاصمة ، في حين لم تعر تلك الدعوة غالبية المحافظات . وقال محمد سالم باسندوة – رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في تظاهرة للقاء المشترك الخميس بصنعاء إن القضية الجنوبية قضية عادلة، حيث تعرض الكثير من أبناء هذه المحافظات للقمع والتنكيل والقتل وأحيل الكثير منهم إلى التقاعد، حيث زادت كل تلك الانتهاكات من الاحتقانات لدى أبناء المحافظات الجنوبية حتى بلغ ذوتها لدرجة صار الكثير يرفعون الشعارات الانفصالية، واعتبر ما يجري رد فعل طبيعي نظرا لممارسات السلطة الخارجة عن القانون والدستور. لكن خطابه حمل تناقضاً صارخاً نسف مبررات رفع الأعلام الشطرية والدعوة للانفصال من خلال قوله :" بقدر ما نؤكد تضامننا مع أبناء المحافظات الجنوبية، فإننا في ذات الوقت ندعوهم إلى التصدي الحازم للذين يعملون على الدس للانحراف بسير نضالهم، ونشر ثقافة الكراهية بين أبناء اليمن الواحد ". إلا أن البيان الصادر عن التظاهرة كان وضوحاً بقوله أن الاعتصام "يأتي انتصارا لوحدة الثاني والعشرين من مايو 1990م والقائمة على ( الشراكة الوطنية في الثروة والسلطة ) والمواطنة المتساوية والتي حملت في مضمونها مشروع إقامة الدولة اليمنية الحديثة القائمة على الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة". كما دان في الوقت ذاته كل الممارسات التشطيرية التي تقوم بها بعض العناصر المندسة في الفعاليات السلمية بهدف الإساءة لكافة أبناء المحافظات الجنوبية، حيث يؤكد أن الاعتصامات تصب في مناصرتهم واسترجاع حقوقهم . وهنا يتضح للمتابع أن الاعتصامات ليس هدفها التضامن مع القضية الجنوبية بل إعادتها إلى دائرة الضوء حتى يتسنى له استثمارها و اللعب من جديد على طاولة الحوار !!.