رواية "مصحف أحمر" للكاتب اليمني محمد الغربي عمران مثيرة للنقاش بسبب الرؤية الفكرية لشخصيتها الذي يريد الكاتب أن يوصل من خلاله وجهة نظره عن وحدة الأديان ونبذ التعصب والتكفير، ولكن الخيال السردي في الرواية يتقاطع زمنيا وفنيا مع الرغبة في التوثيق واستعراض تاريخ اليمن الحديث عبر أبرز مفاصله، والصراعات السياسية والاجتماعية التي شهدها منذ عقد السبعينيات. لا يمكن قراءة الرواية دون فك الترميز الذي يلف عناصرها ومن أبرزها التسميات التي تبدأ بالعنوان المشير إلى نسخة يعتمدها الجد (العطوي) مازجا في مجلدها نسخة من العهدين القديم والجديد، بينما يكون ابنه تبّعه المرمز اسمه من تاريخ اليمن القديم قد اختار الكفاح السياسي لتحقيق هدفه، بعد اعتراضه على العسف والاستغلال في القرية، وهروبه من سجن الشيخ، ثم تعرفه على شخصية غريبة هو الشيخ مولانا الذي يصحبه بين القرى ليهتدي أخيرا لرفاق سياسيين سيتطور عمله معهم ليصبحوا مسؤولين عن الحكم في الجنوب، ويخوضوا تفاصيل الخلافات الدموية بينهم، ما يدعو للاعتقاد بموت تبعه الذي صار في الصفوف الأمامية من قياديي السلطة لكنه ظل يبرز في ثنايا السرد متخفيا ليلاقي زوجته سمبرية ترميزا لتعاضد ثورتي الجنوب والشمال وحلمهما بالوحدة، وتكون هبات السرد الكثيرة في الرواية كفيلة بإعادته لصنعاء ولكنه فاقد لوعيه ومدمن بسبب ما لاقاه خلال حياته. تُظهر قراءة الرواية حرص كاتبها على معالجة عدة موضوعات مهمة ومتشابكة في تاريخ وطنه ولكن ذلك اقتضى تمدد الحبكة الرئيسية للرواية لتغدو حبكات ذات اتجاهات متعددة على مستوى الأحداث والشخصيات ولكنها تلتم حول الحبكة الرئيسية كنقاط تعود لخط واحد. كما أن الروائي اعتمد لإيصال الوقائع، تقنية الرسائل التي تكتبها سمبرية لابنها حنظلة ولا تصله لأنها لا تبعثها فكانت راويا مختلط الهوية: تكتب مذكرات أو يوميات كشهادة على أحداث ترويها بكونها ساردا خارجيا، وترويها ضمنيا لأنها تسرد ما تعيش من تفاصيلها، وتقلبات حضور زوجها وغيابه وانغماسها في السياسة وبحثها عن الجد والزوج في مغامرات خطيرة، وكذلك تقلب طباع ابنها الذي يعود من دراسة الطب في العراق متشددا تكفيريا يحاول أن يفرض عليها ما يرى أنه الصحيح ويهجر البيت نهائيا لتنتهي الرواية بوعد عودته أو حلم انتظاره.. وبهذا التدرج من الترميز إلى الواقعية والتوثيق لأحداث الوطن في أدق مراحل حياته وتحولاته تتنوع مرائي الرواية ومشاهدها التي سيظل الكلام عليها مفصلا ضرورة نقدية لأنها تثير إشكالية صلة الروائي بالتاريخ أو الخيالي بالحَدثي وكذا وعي الشخصيات وإمكان تعبيرهم عن مثل تلك الأحداث بما قدموه في الرواية من تصورات تفوق قدراتهم. تكسب الرواية اليمنية "مصحف أحمر" عملا مقلقا يؤدي دورا إيجابيا في إثارة الأسئلة والوعي بالتحولات؛ لأنها في وصف نقادها أي الرواية ككتابة ما هي إلا فن التحولات. *الاتحاد الاماراتية