الصحة: إصابة 21 مواطنًا جراء استهداف العدوان مصنع اسمنت باجل    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    القسام توقع قوة صهيونية بين قتيل وجريح بكمين مركب في خانيونس    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الفاشلة وتحدّيات التفتيت والوحدة
نشر في الوطن يوم 19 - 11 - 2010

لم تعد ثقافة التفتيت وسياساتها تقتصر في مفاعيلها على المجتمعات المتعددة طائفياً أو مذهبياً، بل صارت البنية القبلية أو البنى العشائرية والطائفية والمذهبية حتى غير المتعددة عموماً، من أكثر المناطق ابتلاءً بأدواء التشظية والتفتيت، حيث مجموعة من القوى المحلية والإقليمية والدولية، تُمسك بأعنّة الصراعات التي لا تكاد تختفي واحدتها حتى تظهر الثانية، وهكذا دواليك... وصولاً إلى حدود من التداخل والتشابك بين أكثر من مسبّب لمظاهر الصراع الواحد، في معزل عن مسببات أخرى لمجموعة من مظاهر صراعات أخرى، نتائجها في المحصلة لا تقتصر موضعياً على وضع جزئي، قدر ما تؤثر في مجموع الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام، في محيط إقليمي أوسع من بيئة محلية ليست معزولة، بما تحمله من انعكاسات على موازين القوى الداخلية، وعلى وضعية السلطة الحاكمة تحديداً.
لقد هيأت البنية القبلية السائدة في أفغانستان، أرضية خصبة لاختراق قوى خارجية، ك «تنظيم القاعدة» و «إفرازاته الطالبانية» المدعومة من قوى إقليمية، طوال فترة الاحتلال السوفياتي وبعد انسحابه من أفغانستان، ما أدى إلى تفتيت كامل البنى المجتمعية والقبلية التي أنشأها السوفيات، كما جرى ويجري منذ الغزو الأميركي لأفغانستان. حتى أن السلطة وطوال عهدي الاحتلال، لم تكن تملك سوى خيارها التبعي الوحيد للقوى الدولية المهيمنة على هذا البلد.
وبسبب الوضع الأفغاني، انتقلت عدوى «الإفرازات الطالبانية» إلى الداخل الباكستاني، حيث البنى القبلية التقليدية السائدة؛ تمنع أو تحد من قدرة السلطة المركزية على ممارسة سلطتها على الأطراف والمناطق الحدودية، ما وضع هذه الدولة أمام تحديات تمرد واسع من جانب القبائل التي هيمن عليها «تنظيم القاعدة»، ووضعها وجهاً لوجه في مواجهة الولايات المتحدة وتدخلاتها العسكرية المزدوجة، ناهيك عن حربها داخل أفغانستان، تواصل «الإفرازات الطالبانية» على جانبي الحدود، وضع النظام وحماته من الأميركيين والغربيين عموماً، على محك المواجهة واتساع نطاقها من داخل أفغانستان إلى مناطق الحدود القبلية، حيث الوجود الرئيس لقوة القبائل المدعومة من بعض قوى أمنية وجيش باكستاني وإن بطرق ملتوية وسرّية، وهي السرّية ذاتها التي حكمت دعم بعض النظام العسكري الباكستاني على اختلاف واجهاته السياسية لحركات «المجاهدين الأفغان» منذ الغزو السوفياتي، وحتى التورط الأميركي والأطلسي الواسع، المتواصل في الحرب على «الإرهاب القاعدي» انطلاقاً من جبال أفغانستان وكهوفها. أما في اليمن، فيكاد الوضع القبلي هناك، يتشابه ووضع البنى القبلية الأفغانية والباكستانية، من حيث وجود مجموعة ولاءات لأطراف الصراع، يضفي عليها التفتيت المذهبي؛ عناصر «تشاركية» أخرى في تأجيج حروب تكاد لا تنتهي إلاّ لتبدأ، في ظل ضعف بنى السلطة القائمة، وهي في الأساس لم تعد بالمقاييس النسبية متماسكة أو موحدة، لا هي ولا مؤسساتها وأجهزتها الأمنية، فضلاً عن المؤسسة العسكرية التي يجرى العمل على تفتيتها هي الأخرى، وشراء تبعية الكثير من عناصرها لمصلحة أهداف المتصارعين على الإمساك بأعنّة الصراعات المتداخلة، على الهيمنة، وعلى السلطة، وعلى النفوذ المحلي والإقليمي، وهو الأهم على ما يبدو حتى الآن، نظراً لصعوبة، إن لم نقل استحالة الإمساك بسلطة نظام فاشل، أو هو بسياساته الخبط عشوائية، يخطّ الآن مزيداً من الفشل في لوحة تحكمه بالسلطة.
إن عدم هيمنة النظام وسلطته على كامل الأراضي اليمنية، وبقاء مجموعة من القبائل خارج سلطة الدولة، يضفي على اللوحة السوداء التي يقبع تحتها النظام، المزيد من الظلال القاتمة، تمرداً ورفضاً لشرعيته وانسياقاً خلف أطروحات معادية له بالمطلق، لا سيما من جانب أفراد «تنظيم القاعدة» الذي بات يجد موئلاً له بين مجموعة من القبائل المعدمة، التي لم تعرف للدولة وجوداً في مناطقها، هذا فضلاً عن «الحراك الجنوبي» ومناطقه التي باتت هي الأخرى مراكز للتمرد، حيث تتداخل فيها «عوامل الحراك» مع «عوامل القاعدة» مع «عوامل تمردية» أخرى، لها علاقة بطابع التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تجاهلت نصيب الجنوب من الثروة والمشاريع والاستثمارات، والصرف على البنى التحتية والخدماتية المهمة... إلخ. من عوامل لا توفر للدولة في اليمن المزيد من إمكانات أو مقومات بقاء الدولة على ما هي عليه، حتى عند نقطة الفشل في إدارة الشؤون العامة.
إن توجّه إصلاح اقتصادي جدي، وإصلاح سياسي جذري، لدولة الوحدة اليمنية، يمكنه أن يحدّ من تآكل شرعية النظام في نظر المواطنين، على اختلاف اتجاهاتهم وتوجهاتهم، ويوقف نزيف تسرب المزيد من اليمنيين نحو التمردات القبلية، وفي الوقت نفسه، يحد من قدرة «تنظيم القاعدة» على تنفيذ تدخلات أساسية في شؤون اليمن، وفي شؤون إقليمية، وحتى دولية باتت تخضع لحسابات الأمن الدولي، وقدرة الأجهزة الأمنية العالمية وإمكاناتها على منع أو الحد من أخطار التفجيرات العابرة، والطرود التي قيل إنها أرسلت من اليمن.
وحتى لا تسقط الدولة اليمنية تحت تأثير ضربات «أصوليي القاعدة» وتحالفاتها القبلية، بالرهان أو بانتظار إنهاء تلك الظاهرة أميركياً، عبر القوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة، احتلالاً أو في ما يشبه الاحتلال... وحتى لا يستمر نزيف التمردات القبلية السياسية والمذهبية، أو تلك التي لها طابع التهميش والإهمال الاقتصادي والاستبعاد الاجتماعي، فإن على رأس النظام وأطرافه التوجه جدياً نحو إيجاد صيغة حلول سياسية، تستلهم الإيمان بدور المؤسسات في قيادة عملية تغيير متواصلة في نهج التعاطي مع المشكلات الداخلية أولاً، الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، لإعادة اللحمة إلى أطراف المشروع الوحدوي، دونما أي نزوع بيسماركي أو بونابرتي، ودونما تفرقة أو تمييز بين مواطني الشمال ومواطني الجنوب، ومعالجة نزيف الحروب في صعدة مع الحوثيين، قبل أن يستفحل خطر صراع مذهبي مع «جماعات القاعدة»، الجاهزة على الدوام لشن أكثر من صراع، والقيام بحروب غير محسوبة، وعمليات إجرام نوعية مع كل من لا يتفق أو ينحاز إلى فسطاطهم.
على أن الاعتراف بمعطيات الواقع اليمني الراهن، يقتضي من السلطة نبذ الحلول غير السياسية تدريجاً، والاتجاه نحو تبني حوارات عقلانية، هدفها إنقاذ دولة الوحدة اليمنية من سوس الانفصال الذي ينخر بنياتها الأساسية التي هي أحوج ما تكون راهناً الى التجديد، وتغيير أنماط تعاملاتها مع مواطنيها، والإشكالات التي يخلقها واقع التهميش وإدارة الظهر لبعض مطالب القبائل المحقة، باعتبار أنفسهم أبناء لدولة، لا لقيم التفتيت القبلية، أو قيم التفتيت المذهبية، وإلاّ فإن هذا هو بالتحديد ما جعل من «تنظيم القاعدة» يلبس لبوس «المخلّص» في نظر بعض أبناء القبائل الذين لما يعرفوا، ولم يتحسّسوا أي شكل من أشكال الوجود للدولة في مناطقهم.
على رغم كل ذلك، فإن الحل بالتغيير والإصلاح، يتطلب توافر الإرادات العاملة على توفير مقومات هذا الحل، بدلاً من استعادة سردية الانفصال التي سادت يوماً، ولم تنجح نظراً لتعدد مكامن صراعات القوى اليمنية ذاتها على النفوذ والهيمنة، لا نظراً لتدخلات خارجية إقليمية أو دولية فحسب، حيث لا يمكن مؤامرة أو مؤامرات خارجية أن تنجح من دون أن تتشكل في تربة الواقع سموم تخصيب أقوى تنحو نحو الانفصال... وما لم تعمل ثقافة الوحدة وتجرى ترجمتها على شكل سياسات ومشروعات جماهيرية، وأطر تنظيمية تعبّر عن أوسع شرائح المصالح الوطنية وتطلعاتها، على تمتين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإحاطته بسياج من الأمن والأمان، المقرون بالإيمان بديموقراطية أو مدنية الدولة، وعقدها الاجتماعي وحكم القانون، فإن نظام الدولة وسلطاتها بسياساتها النقيضة – التفتيتية – هي في المآلات الأخيرة إلى الفشل أقرب.
*الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.