مفاجأة ثقافية أن تقبض دولة خليجية مثل "قطر" على استضافة بطولة عريقة مثل كأس العالم لعام 2022. إنجاز شاركت فيه امرأة عربية مثل الشيخة موزة، والتي كانت من ضمن العرّابين الذين سعوا لتثبيت البطولة في دولة قطر الشقيقة؛ الاستضافة بصراحة تضعنا أمام مفارقة تاريخية ما بين استضافة اليمن التي نجحت بانتهاء فعالياتها بأمن واستقرار - حتى تاريخ كتابة هذا المقال - وبين استضافة قطر. حاولت أيادي الغدر أن تنال من القدرة الحكومية التنظيمية لدورة الخليج، ولم تتمكن من هدفها لأن القوة الباطشة لا تستطيع مهما كانت قوتها أن تنال من مشاعر الفرح، الرياضة علّمتنا الفرح والبهجة والقدرة على تجاوز المخاطر الأمنية، ففي أوروبا مثلاً كانت التحذيرات الأمنية محلّ اعتبار لكنها أيضاً كانت محلّ سخرية وتندّر، كما حدث لدى الأسبانيين في مبارياتٍ كثيرة، أو لدى الإنجليز في بطولاتهم الساخنة والتي لا تعرف المزاح. اليمن تجاوزت مخاطر البطولة بهدوء؛ استمتع الخليجيون ببطولتهم الجميلة التي كانت مليئة بالمشاهد الفلكلورية والممتعة. أعجبني في تظاهرة فوز قطر حضور المرأة فيها، كانت العرّابة الأولى الشيخة موزة المسند ملهمة الإنجاز والتي كانت أبرز الحاضرين في صور البطولة، إنها المرأة التي جالت العالم طولاً وعرضاً لتبرز وجه المرأة القطرية المعتدلة المتسامحة التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة، وأشعلت أنوار وسطية المرأة العربية والخليجية التي تجمع بين الإسلام والعروبة والاعتدال. فكّرتُ في داخلي؛ ليت أنها كانت نموذجاً للمرأة الخليجية برعايتها وإفنائها لوقتها من أجل نهضة بلدها ووطنها، لم تكن يوماً أسيرة العقد التي تأسر المرأة بالتقاليد والعادات، لهذا أفتخر بوصفي امرأة بإنجازها العظيم. الخليج الآن بين تجربتين بين اليمن وقطر، بين دولة استضافت بنجاح دورة الخليج الرياضية واستطاعت أن تنجح في هذه الاستضافة عبر إجراءات أمنية شديدة، وبين قطر التي أثلجت صدورنا باستضافة كأس العالم لعام 2022 وهي استضافة ستكون بالتأكيد لصالح قطر اجتماعياً لناحية منح الآراء الأخرى فرص الحديث ومناخ الحركة مهما كانت أديانهم وألوانهم وأشكالهم، وكلما استعدتُ فرحة الشيخة موزة مع المسؤولين معها أشعر بالفرح أن امرأة خليجية استطاعت أن تحقق أحلامها مع ذويها، وأن تبرز قدراتها الديبلوماسية والفكرية والعقلية والسياسية لاستضافة أهم بطولة رياضية في العالم. كامرأة تحلم بالمستقبل، وكحاضرة لهذا الحدث أرى أنها مرحلة تاريخية مهمة، أن أرى دولة مثل قطر تتمكن بعد سنوات عديدة من التخطيط تظفر بإنجاز استضافة البطولة؛ لم تكن لتظفر بها لولا أنها متمكنة جغرافياً وفكرياً لهذا الاستيعاب العالمي، ستضم الآخرين بكل انتماءاتهم، لن يعود للتطرف ملجأً في قطر، ستكون ميداناً للتعددية والبطولات الثقافية والفكرية المتنوعة، لن تصل إليها أيادي التطرف وألسنتها. بالفعل قطر قامت وستقوم بعملية تنقية شاملة لفكرها وساحتها من المتطرفين والغلاة، الذين يكرّهون المجتمعات بالآخر، بدءاً من استضعاف المرأة إلى انتهاك حقوق الآخر المختلف. كنا نحلم في الطفولة بأن يكون هذا الخليج المطلّ على هذا البحر الجميل ملاذاً لأجمل التظاهرات، كنا نطمح أن تكون مجتمعاتنا الصافية النقية والتي أحبت الحياة مشتركةً في مهرجان رياضي إقليمي على الأقل، اليوم تحقق قطر للخليجيين ما حلمنا به. كامرأة من الخليج أعتبر جهود الشيخة موزة مذهلة وملهمة للكثيرات من المسؤولات اللواتي لم يكتفين بالظهور المبالغ فيه فقط بل كنّ على مستوى المسؤولية ليظفرن ببطولة عظمى لرياضة كرة القدم تلك الرياضة الشعبية التي أحبها الملايين. هذا المكسب الخليجي ليس مكسباً قطرياً بل كسبه العرب جميعاً. لأن البطولة ستحيط الخليجيين بالاهتمام الإعلامي العالمي؛ ستكون قطر محور اهتمام عالمي ودولي خلال السنوات القادمة بفضل جهود مجتمعة شاركت فيها امرأة مثقفة هي الشيخة موزة التي أسرت النساء الخليجيات بحنكتها وجهودها الكبيرة. * الرياض السعودية