إن المتابع لأحداث الثورة في اليمن يكاد لا يرى مخرجا للأزمة هناك لأن جميع أطراف اللعبة السياسية متطرفون في أفكارهم فلا يريد احد منهم أن يقدم خطوة تجاه الأخر فالحاكم يرى انه قد استنفذ كل ما في وسعه من تنازلات بينما ترى المعارضة والشباب أنها إذا لم تستغل هذه الفرصة السانحة للثورة فإنها قد تفقدها وللأبد ومن خلال متابعة شخصية الرئيس نجد انه ليس بالشخص الذي يستسلم بسهوله وذلك لطموحه بأن يسطر التاريخ ذكره بل وان يضل عطره فائحا زكيا لما يعتبره من انجازات تحققت على يديه لليمن. ولو أنه غادر باكرا لحقق ذلك. إذا فما أسباب هذه الثورة بغض النظر عما إذا كانت تقليدا لما حصل في تونس ومصر من عدمه فهذا ليس عيبا وقد قيل( فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح)بل إن الثورة وإرادة التغيير أمر حتمي وسنة إلهية لا يختلف عليها عاقل. وأهم هذه الأسباب: 1- انعدام الأمن والعدل(والعدل نقيض الظلم) أي انه إذا لم يكن هناك عدل إذا فهنالك بالتالي ظلم والدولة لم تقم بواجبها أبدا لإصلاح هاتين المؤسستين فالأمن لا يهمه القاتل ولا المقتول بقدر مايهمه من يدفع وبالتالي يخدم أكثر حتى قيل(رجال الأمن البواسل الذين يلقون القبض على المقتول ويتركون القاتل). وأما القضاء فهنالك مماطلة كبيرة في القضايا يتمكن من خلالها القاضي من الحصول على الأجرة من كلا الطرفين ثم أفضلهم من يحكم بالعدل بعد أن يكون قد تخم من الأكل من الطرفين وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال(قاض في الجنة وقاضيان في النار)ولا شك أن دولتنا الحكيمة لا تختار إلا من القاضيان اللذان في النار مع اعتذاري لما ندر من النزهاء منهم. 2- الفساد المالي والإداري الذي استشرى كالسرطان في مفاصل الدولة والدولة ليس أنها لم تقدم شيئا في هذا المجال بل إنها تعدته إلى تعطيل أدواتها فبعد أن كان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يتبع مجلس الشعب قديما حول بقدرة قادر إلى جهاز يتبع الحكومة وسحب تابعيته لمجلس الشعب وأصبحت تقاريره أسيرة أدراج المكاتب بل إن اللجنة التي عينت للقضاء على الفساد أثبتت فشلها وعدم فاعليتها في ظل تخاذل الدولة عن دعمها وما زاد الطين بله أن الفساد أصبح ثقافة شعبية فكل متربص بالفرصة التي سوف تسنح له لوظيفة يقوم من خلالها بإهدار المال العام والعبث بمقدرات هذا الشعب والدولة ساعدت على إذكاء هذه الثقافة بعدم أخذها على يد المفسد بيد من حديد وهذا لم يحدث في مجتمعات أخرى حتى العربية منها حيث أن الفساد غالبا ما يكون محصورا ومقصورا على الحيتان الكبيرة. 3- المناطقية في السلطة هذه الأخيرة جعلت مقدرات اليمن وسلطتها في يد مناطق معدودة على أصابع اليد الواحدة و خلقت نوعا من عدم الرضى والسخط لدي الشعب بل وأفرزت نوعا من عدم التوازن أدى إلى المناداة من جديد للمناطقية والعشائرية بعد أن كانت قد اقتربت من الزوال إبان الوحدة فمما اذكر ويحسب للرئيس انه أمر بتعيين دفعة من خريجي الشرطة العسكرية مدراء نواحي في عموم الجمهورية وكانت جميع المحافظات بل والطبقات الاجتماعية ممثلة في هذه الدفعة وكذلك الأمر في القضاء بعد أن كان حكرا على اسر بعينها مما كان يبدوا وقتها انه إزالة للطبقية والمناطقية معا لكن هذه المحاولات اجحضت مع الوحدة لما كان يبدوا أنة تنافس على إرضاء المواليين من جميع الأطراف المشاركة فيها. 4- التوريث أ- والذي قبل أن يرفضه الشعب رفضه أتباع النظام القائم من قادة ومسئولون وحتى من الحزب الحاكم نفسه والسبب انه قائم على مبدأ تخوين كل زملاء الدرب السابقين واستبدالهم بالموالين الشباب الجدد الذين ليس لديهم الخبرة ولا الحنكة السياسية ولكن لديهم الحماس والغطرسة وفرض الأمر الواقع فهم القادرون على حشد الجماهير وتعبئة الصناديق بالقوة والحكم بيد من نار هؤلاء الذين عينوا من خلف النظارات الشمسية تجمعهم المصالح فأينما كانت كانوا لونهم الحرباء وكثير منهم ممن لفظتهم الأحزاب الأخرى والمثل يقول (لو كان فيه خير ما كان رماه الطير) هذا كله خلق نوعا من الحنق في عموم القيادات العسكرية والحزبية القديمة التي ترى أنها أحق بهذا الأمر من المؤلفة قلوبهم الجدد للأسف إن هذه الاختيارات كانت خاطئة لأنها اختيرت في عتمة من خلال النظارات القاتمة التي لا تظهر الأشياء بمظهرها وأبعادها الحقيقية وبالتالي فان هذه الشلة المنتفعة ممن بسطوا نفوذهم على عموم مؤسسات الدولة ولا يقبلون إلا من كان على شاكلتهم من الفساد وهم قد أساءوا للنظام أكثر مما أفادوه وكان ضرهم أكثر من نفعهم . ب- من جهة أخرى فان هناك من يتربص أو قل يطمح للسيطرة على كرسي الحكم بطريقة مباشرة وغير مباشرة مثل الشيخ حميد الأحمر (وهو طموح شرعي لكل فرد في المجتمع)ولكن ليس هناك إجماع وطني على الشيخ فهو يرضى أن يكون مخرجا للأحداث على أن يكون في الصورة المباشرة لأن الشعب قد يرفضه لأسباب متراكبة ومتراكمة غير أن هذا الحنق كان مبكرا وذلك للخلاف الذي تداول بين الرئيس وبين الشيخ عبد الله الأحمر قبيل وفاته وهذا مرتبط أيضا بالتوريث حيث يقتضي ذلك بسط النفوذ والسيطرة وقص أجنحة الشيخ بل ومنافسته أحيانا في مناطق نفوذه. 5- الظروف الاقتصادية أوردتها أخيرا وذلك لأسباب أهمها: أ- أن اليمن ليس بلدا غنيا ومن يقل غير ذلك فهو مكابر على عكس ما يروج له البعض ربما لدفع الناس إلى الثورة فما لدينا من نفط لا يتجاوز300.000 برميل يوميا يكاد لا يفي بالاستهلاك المحلي المتزايد وإذا ما قارناه بإنتاج اقل دوله خليجية لا تبلغ مساحتها مساحة محافظه حجة مثلا وإنتاجها أكثر من اليمن وسكانها اقل ولو علمنا أن النفط يحتل أكثر من 80% من الناتج المحلي فلنا أن نعرف حجم الكارثة لأن النفط في تناقص مستمر لذلك فباعتقادي أن أي حكومة مهما بلغت نزاهتها لن تستطيع التعامل مع هذه الإمكانيات الشحيحة حتى إذا ضبطت ولم يتم العبث بها ولنا أن نعلم أن ميزانيتنا في اليمن لم تبلغ حتى ألان دخل مصر من عبور السفن في قناة السويس فقط بدون أدنى جهد أو خسارة والتي تبلغ أكثر من 8 مليار دولارسنويا. لكل ذلك كان يتوجب البحث عن بدائل أخرى وهذا ما لم تقم به الدولة أو تحسب له حسابا أيضا. ب- الشعب اليمني شعب قاس استمد قوته وصلابته من طبيعة جباله الشامخة ومناخه القاسي الذي اكسبه قوة تحمل يرضى معها بالقليل من الزاد مقابل الكثير من العزة والكرامة وان كفل له الأمن والعدل لاكتفى ثم إن هذه الظروف الاقتصادية ليست وليدة اليوم فقد مرت اليمن بظروف أقسى. هذا كله لا يمنع أن يطمح المواطن اليمني إلى حياة كريمة وعيش هنيء كغيره من الأمم. 6- قد يقول قائل أين دور الحراك ولم لم يذكر أقول انه قام بسبب مشاكل في مناطق معينه من وطننا كانت بدايتها مطالب شخصية أكثر منها لعموم الجنوب استثير من خلالها عاطفة أبناء جنوب الوطن الذين استشعروا انه مغصوب حقهم منتهكة حماهم وكان أبناء المناطق الشمالية ربما غير مكترثين أو عابئين بها خصوصا أنها تحولت إلى مطالبة بالانفصال ومايمثلة ذلك من حساسية لديهم من فقدان الوحدة. الحل والسيناريوهات المحتملة 1- الحل يكمن في مدى تعقل المعارضة من جهة ومن جهة أخرى رفع سقف التنازلات من الرئيس وعدم انتظار رد فعل المعارضة على مايقدمه من تنازلات يبني عليها هو تنازلاته وبالتالي يتوجب عليه التخلي عن خط دفاعه من أسرته وهو بهذا يضع الكرة في ملعب المعارضة ويضعهم في مرمى سهام الشعب وهذا يقتضي عدم التلكوء أو التباطوء وحزم الأمر(وانأ استبعد هذا السيناريو لمعرفتنا بشخصية الرئيس العسكرية فإما النصر وإما الانسحاب بعد الكثير من الخسائر)وذلك لان العسكري غالبا ما يرى إمكانية النصر اكبر من إمكانية الهزيمة ومن جهة أخرى قد لا تكون المعارضة حكيمة وقد لا تتقبل مثل هذه المبادرة لان لعابها قد بدأ يسيل وسقف المطالب قد ارتفع حدا لايمكنها حتى هي من إيقافه. 2- مظاهرات سلميه طويلة الأمد على الرئيس أن يمنع من خلالها الاحتكاكات بين الأطراف وسوف يكون الرهان على صبر كلا من الدولة أو المعارضة. 3- أن تدخل هذه الأطراف في مصادمات يحاول كل طرف من خلالها أن يثبت قوته و تواجده في الساحة الدولة بأمنها وجيشها والمعارضة بشبابها وجناحها العسكري المتمثل بحميد الأحمر والقبائل من خلفه في الشمال والحراك في الجنوب وإذا ما سال الدم كبر الثأر. 4- تنادي قادة المعارضة الجنوبية لاجتماع في لندن يقتضي أن هناك طبخة بنكهة جنوبيه تدعوا إلى احد أمرين - إما الدعوة إلى فك الارتباط (هذا قد يكون أغبى ما يقع فيه هؤلاء لأن هذا سوف يؤدي إلى التفاف الشمال حول وحدته) - أو أن يتفقوا على تجنب شعارات الانفصال لكي لا يثيروا حفيظة الشماليين وعلى أن يبقى خيار الانفصال قائما بعد ذلك كما صرح به حيدرالعطاس في لقائه قناة أل بي بي سي. وما نأمل هو أن يجنب الله اليمن كل الفتن لأن المظاهرات والمظاهرات المضادة أثبتت أن الشعب اليمني منقسم تماما وبالتالي فإن حسم الأمر بالقوة (وهو ما تحاول الدوله فعله) أمر مستبعد كذلك حسمه بفرض الأمر الواقع (كما تحاول المعارضة فعله)مستبعد أيضا خصوصا أن المجتمع الدولي يرى الجلوس للحوار هو أفضل السبل لتحقيق ما يرجى تحقيقه وبالتالي فم المبرر للمواجهة المسلحة. وليس من المقبول أن ترتفع أصوات قائلة بأننا قد جربنا الحوار ولم يجد شيئا أقول فإن دماء اليمنيين أغلى من أن تسفك ولا باس من المحاولة لمرة أخيرة وإذا قيل ما الضمانات أقول كنتم في السابق وحدكم ولكنكم الآن ومن خلفكم الشعب والمتغيرات العالمية الجديدة التي لا ولن تقبل العودة إلى مرحلة الصفر فبادروا إلى الجلوس وليستمع كل منكم للأخر وأنا على يقين من النجاح هذه المرة.