على طريقة "الأرض بتتكلم عربي"، تمور الساحة اليمنية بالمبادرات، السياسية منها والقبلية، الداخلية منها والخارجية لحلحلة الصراع القائم بين السلطة والمعارضة ومعها قطاع الشباب، فيما لا يزال أفق الحلول المقدمة من هذه المبادرات مسدوداً . وفي غضون شهر ونصف، عرضت السلطة مبادرتين لتجاوز الأزمة القائمة مع المعارضة، وكلتاهما مقدمتان من الرئيس علي عبدالله صالح، الأولى في الثاني من فبراير/شباط أمام اجتماع لمجلسي النواب والشورى والفعاليات السياسية والاجتماعية في البلاد وقاطعتها المعارضة، وهي التي عرفت ب "اللاءات الثلاث"، أي "لا تمديد للرئاسة، لا توريث للحكم، أي عدم تسليم السلطة لنجله الأكبر أحمد، لا لتصفير العداد، ما يعني حذف المادة 112 من الدستور الحالي الذي يحدد ولاية رئيس الدولة بفترتين مدة كل واحدة منهما سبع سنوات"، إضافة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتأجيل الانتخابات التشريعية التي كان مقرراً أن تجرى في السابع والعشرين من إبريل/نيسان المقبل، وتجميد قانون الانتخابات الذي سبق أن أقره البرلمان، وتجميد التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس صالح عمراً أطول في الحكم . أما المبادرة الثانية، فقد أعلنها الرئيس في الخامس من مارس/آذار الجاري، وأبدى فيها استعداده لتسليم السلطة لحكومة منتخبة برلمانياً، بعد إعداد دستور جديد يعتمد النظام البرلماني عوضاً عن النظام الرئاسي القائم، لكنه لم يتحدث عن موعد رحيله عن السلطة . وعرض صالح في مبادرته فكرة إنشاء أقاليم جغرافية، أي نظام فيدرالي في إطار يمن واحد وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على الإعداد لانتخابات تشريعية جديدة . وبين موعد إشهار مبادرتي الرئيس صالح كان وزير السياحة نبيل الفقيه يقدم مبادرة جديدة شملت تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى نهاية العام الجاري على ألا يقوم الرئيس صالح بترشيح نفسه فيها في إطار حزمة من الإصلاحات التي تتضمن اعتماد إصلاحات سياسية ومالية وإدارية، بينها تغيير نظام الحكم من الرئاسي إلى البرلماني، واعتماد القائمة النسبية بنسبة 50% كي يحول ذلك دون سيطرة حزب واحد على السلطة، وتأمين التداول السلمي لها . ولم تجد أي من هذه المبادرات أي ترحيب من المعارضة، التي ردت بأن وقت المبادرات والحوارات والصفقات السياسية قد ولى، وأن الحل الوحيد الذي يمكن أن تقبل به المعارضة هو رحيل الرئيس صالح في أقرب وقت، لكنها مع ذلك تعاطت مع مبادرة أخرى بلورتها هيئة العلماء برئاسة رئيس جامعة الإيمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني مكونة من ثماني نقاط، تدعو في مضمونها إلى سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته لمجلس النواب لإقراره بالتوافق، وكذلك سحب مشروع التعديلات الدستورية لتحقيق التوافق بشأنه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق وإحالة الفاسدين إلى القضاء، وإطلاق أي سجين لم تثبت إدانته، إضافة إلى اختيار خمسة قضاة، يقوم كل طرف باختيار اثنين منهم والخامس يتم اختياره من لجنة العلماء، أو بالتوافق بين القضاة الأربعة، وذلك للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي، وإيقاف لحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض بما يهيئ الأجواء لإنجاح الحوار الوطني وإيقاف المظاهرات والاعتصامات، وبما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع، والنقطة الأخيرة المتعلقة بوقف الاعتصامات أدرجت بناء على طلب الرئيس صالح، وفق ما أعلنه الشيخ الزنداني، الذي بدا غير مقتنع بذلك، حيث ذهب إلى ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء، واعتبر أن ما يقوم به الشباب "حق مشروع" وأنه بمنزلة جهاد ويندرج في إطار قاعدة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" . لكن المعارضة اشترطت أن يعلن الرئيس صالح جدولاً زمنياً لرحيله وتنحيه عن السلطة في مدة أقصاها نهاية العام الجاري، وإقصاء أبنائه وأقاربه من المناصب العسكرية والأمنية والمدنية التي يتولونها، وهما ما رفضه الرئيس صالح، معلناً أنه سيدعو إلى مؤتمر وطني عام ليتخذ المؤتمر القرار المناسب . وبالفعل، حشدت السلطة ما يقرب من خمسين ألف شخص من مختلف مناطق البلاد، وألقى فيهم الرئيس صالح كلمة عرض فيها مبادرته الثانية التي قال في بدايتها إن المعارضة لن تقبلها قبل أن تعلن أو تدرس، ما دفع الناس إلى التساؤل عن السبب في إعلانها وهو يدرك أنها سترفض من قبل المعارضة، إلا أن الرئيس صالح ألحق مبادرته بعبارة أن ما قدمه هو "إبراء للذمة أمام الشعب" . وبعد أيام، أعلن عن مبادرة جديدة، قدمها الشيخ محمد علي أبو لحوم، للتوفيق بين الطرفين، وتتكون من سبع نقاط، أبرزها رحيل الرئيس صالح خلال فترة زمنية لا تتعدى نهاية العام الجاري، وإعداد دستور جديد للبلاد من قبل لجنة وطنية مبني على النظام البرلماني بكامل صلاحياته والقائمة النسبية في مدة لا تزيد على أربعين يوماً، على أن يتفق على موعد الاستفتاء على الدستور، وتغيير بعض المسؤولين من مواقعهم القيادية يتفق عليهم وعلى مناصبهم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية في فترة لا تتجاوز العام . غير أن هذه المبادرة رفضت أيضاً من المعارضة، لتفسح المجال أول من أمس أمام ظهور مبادرة جديدة تولاها رجال مال وأعمال مقربون من الرئيس صالح مكونة من عشر نقاط، أبرز ما فيها رحيل صالح خلال فترة زمنية لا تتعدى الشهر، وإزاحة بعض من أبنائه وأقاربه، إلا أن المبادرة استثنت موقع نجله العميد أحمد علي، الذي يتولى منصب قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، مقترحة رحيل قائد قوات الأمن المركزي العميد يحيى محمد عبدالله صالح (نجل شقيق الرئيس) وأن يتم دمج جهاز الأمن القومي (الذي يتولى فيه نجل شقيق الرئيس عمار محمد عبدالله صالح) مسؤوليته بجهاز الأمن السياسي، إلا أن المعارضة رفضت المبادرة الجديدة، وأصرت على مطلب واحد ووحيد هو تحديد جدول زمني لرحيل الرئيس صالح عن السلطة وتسليم السلطة للشعب، مالك السلطة ومصدرها . *( صحيفة الخليج )