عصام السفياني - قدر تقرير بريطاني صدر عن المعهد الملكي للشئون الدولية في لندن أواخر عام 2009م كلفه إعادة بناء الدولة في اليمن في حال انهارت، بنحو 50 مليار دولار حسب التقرير الذي استحت حينها المجتمع الدولي على الحيلولة دون انفراط عقد الدولة في بلد يتموضع في رقعه مهمة من خارطة العالم. المخاوف الغربية من انهيار اليمن بدأت ترتفع وتيرتها في الآونة الأخيرة بعد أن دخلت الأزمة في اليمن شهرها الخامس منذ بدأ شباب في عدد من المحافظات نصب خيامهم وسط الشوارع والساحات للمطالبة بإسقاط النظام. تمسك الرئيس علي عبدالله صالح بالسلطة وعدم محاكاته لرئيس تونس ومصر اللذان سلما السلطة بعد أقل من شهر من الاحتجاجات ضدهما وضع واشنطن وأوروبا شريكا النفوذ الدولي في حيرة لم تبددها مغادرة الرئيس للعلاج في السعودية. وتخشى واشنطن التي يعمل سفيرها في اليمن بكل طاقته للحافظ على المستوى الحالي من التمسك في بنيان الدولة من انهيار سريع لبلد يعيش مخاضا مؤلماً بفعل عوامل كثيرة كان أخرها موجه الاحتجاجات ضد النظام والتي لم تنتهي حتى اللحظة. تجارة النفط وإشراف اليمن "جغرافيا" على طريق ينقل يومياً أكثر من 3 مليون برميل من النفط وتنظيم القاعدة "الكابوس المزعج لواشنطن" والجارة الكبرى المملكة العربية السعودية هذه المحددات الثلاث هي من سترسم خارطة اليمن الجديدة بعيداً عن أحلام تتكدس داخل خيام ساحات الثورة. لن تسمح المملكة السعودية أيضاً كما هو حال واشنطن وأوروبا بأي تغيير داخل اليمن من شأنه إزاحة قوى مهمة مثل توجهها خلال السنين الماضية مع المتغيرات الدولية عنصر تثبيت لواقع ارتأت هذه القوى الثلاث ضرورة استمراره لتماشية مع مصالحها. وفي المقابل لن تقبل هذه القوى وخلقها المجتمع الدولي بانهيار بلد يتنازعة طرفان أحدهما غير قادر على صياغة بنية متجانسة تجمع مكوناته المتعددة كما وتوجهاً في تحركاته للإطاحة بالطرف بالحاكم والذي فشل هو الاخر في اقناع المجتمع الدولي بقدرته على انقاذ البلد من وضع مأساوي انحدر خلال العقد الماضي بالواقع التنموي الى مستويات مقلقة. تسعى واشنطن والسعودية إلى فرض تسوية في اليمن تقوم على اسس تحفظ للجميع قدراً ولو بسيطاً من الامتيازات مع استبعاد طرف مهم في اللعبة هم الشباب الذين لم يخفضوا سقف مطالبهم رغم تيقنهم أن مصير بلدهم تقرره قوى عالمية وليس خيام الساحات. الأيام الماضية عادت والقوى الغربية تتحدث عن الدستور في اليمن باعتبارة مدخلاً لأي انتقال سلمي للسلطة في اليمن حين يتم في حين يتم اغفال الحديث عن شرعية الثورة كبديل للنصوص الدستورية كما يطرح الشباب وبعض قادة المعارضة في خطابهم السياسي. أواخر الأسبوع الماضي صدم السفير الامريكي في صنعاء ,امين عام التنظيم الوحدوي الناصري حين رد على العتواني غاضباً بقوله أن انتقال السلطة مرتبط بالرئيس علي عبدالله صالح بعد أن طلب العتواني من السفير تحديد موقف بلاده من الأزمة في اليمن ومع أي طرف . والسفير في رده على العتواني قطع الطريق على أي محاولات من قبل قوى المعارضة لدفع واشنطن إلى تبني خيارات أخرى ضد الرئيس صالح ونظامة كالعقوبات على غرار النظام السوري أو التدخل العسكري على غرار ليبيا. ويجب الاشارة هنا إلى أن حديث الخارجية الأمريكية وأوروبا عن الدستور اليمني كإطار لأي حل لأزمة اليمن يفتح الباب أمام طرح معالجات جديدة للوضع في اليمن قد تكون من بينها انتخابات مبكرة لفتح طريق جديد لخروج الرئيس صالح من السلطة بعيداً عن الاستقالة التي تعرضها المبادرة الخليجية. وكان الرئيس علي عبد الله صالح اقترح مؤخرا إجراء انتخابات رئاسية مبكرة حسب الدستور الا ان المعارضة لم تقابل المقترح بأي اهتمام بينما الانتخابات المبكرة قد تكون مخرجا مقبولا لدى الرئيس صالح المسكون بهاجس عدم القبول بالهزيمة على اعتبار ان استقالته بموجب المبادرة الخليجية تعد هزيمة له في نظر خصومه . وبالتوازي مع جهوده في الشأن السياسي يعمل سفير واشنطن على ضمان عودة الخدمات والوقود إلى المستهلكين في اليمن بالتنسيق مع السلطة والمعارضة وإنهاء خيار تعطيل الدولة الذي اتخذته المعارضة سبيلاً لدفع الرئيس صالح إلى الاستسلام . وترى واشنطن خيار تعطيل الدولة مدخلا إلى نفق الانهيار للدولة بعد ان قادت أزمة الوقود المستهلك إلى أزمة اقتصادية شاملة على اثر ارتفاع أسعار السلع في السوق المحلية بسبب ارتفاع كلفة النقل وتعطل حركة الإنتاج . وقدمت المملكة العربية السعودية 3 ملايين برميل من النفط لمواجهة احتياجات السوق اليمنية التي تعيش ازمة خانقة بعد انقطاع امدادات النفط الى مصفاة عدن وانقطاع طرق نقل الوقود من المحافظات الشرقية الى العاصمة وبقية المحافظات بسبب اعمال تقطع قبلية ذات طابع سياسي كما تدعي السلطة التي تحمل خصومها المسئولية . الصفقة النفطية المقدمة من السعودية والتي اطلق عليها هبة لن تكون الاخيرة من المملكة وحدها بل ستقدم دول خليجية اخرى دعم نفطي ومادي لليمن من اجل السماح بقدر من الاستقرار يحافظ على شكل الدولة مما يسمح بالتفاوظ على التسوية دون اشكالات متفرعة وهو ذات الامر الذي دفع السعودية عبر ملكها وولي العهد الى التدخل بقوة لوقف المواجهات بين شيخ قبيلة حاشد والدولة في العاصمة. مايمكن التأكيد عليه ان دول الخليج مرغمة على دفع فاتورة الازمة اليمنية كاملة في الوقت الحاضر وحتى بعد انجاح التسوية السياسية لانها تقف بين سندان الثورة وخطورة نجاحها على دول المجلس ومطرقة الانفلات في اليمن والذي سيجلب على دول الخليج الكثير من المشاكل التي لاترغب هي في استيرادها من اليمن . القوى المناهضة للنظام لازالت غير متجانسة وتتباين رؤاها للمخارج من الأزمة كلاً حسب معتقداته الفكرية وعلاقاته السياسية مما جعل هذا الشتات موضع شك بالنسبة للمجتمع الدولي الذي لا يثق حتى اللحظة بإمكانية توافق هذه القوى على صيغة حل موحدة تجاه الأزمة وبعدها خلال الفترة الانتقالية حيث أن السفير الأمريكي طلب من الإصلاح ضمانات عن التزامه بإجراء الانتخابات الرئاسية في 60 يوماً في حال تم التوقيع على المبادرة الخليجية من قبل الرئيس صالح أو تقلد نائبة السلطة. وهذا الشك من الجانب الأمريكي مردة توجه داخل حزب الإصلاح يرى في تنحي الرئيس صالح الهدف الأول للثورة وأن إسقاط النظام بكل مكوناته هو ما يجب أن يتم. وكان المؤتمر الشعبي العام طرح في الخطة التنفيذية للمبادرة الخليجية أن يستمر نائب الرئيس في منصبة رئيساً للبلاد بعد استقالة الرئيس حتى يتم إجراء الانتخابات الرئاسية حال تعذر إجراءها خلال المدة الدستورية المحددة بستين يوماً. ورشحت معلومات عن طلب أمريكي تقدم به سفيرها في صنعاء للمعارضة بضرورة تشكيل تكتل سياسي يضم كل القوى المناهضة للنظام الشباب والمشترك والحوثيين والحراك ومعارضة الخارج والتكتلات التي خرجت من رحم النظام أثناء الأزمة إضافة إلى القوى القبلية لتجنب الصراع بين هذه القوى مستقبلا إضافة إلى ان هذا التكتل سيعمل على خلق توازن مع النظام الذي تحرص واشنطن على بقائه في المشهد السياسي لمنع تفرد طرف واحد بالسلطة . وكان الدكتور محمد عبد الملك المتوكل أشار في مقابلة صحفية له الى ان الغرب يفكر أنه لو حصل وهيمنت قوى واحدة بعد رحيل الرئيس صالح من السلطة احتمال أن الديمقراطية تنتهي وتنتقل السلطة إلى قوى متطرفة ولهذا يريد أن يكون هناك قوى متوازنة . وأكد المتوكل انه لم يسبق للمشترك حتى أن طرح نفسه بديلاً، وأنه قادر على أن يؤدي الدور الأخير، ولهذا هم يحاولون الآن أن تنتقل الأمور انتقالاً سلمياً دون أن تنهار الأوضاع كلها، وبالتالي يظل التماسك ماضياً خطوة بخطوة". أحزاب المشترك التي نزلت إلى الساحات قبل أن تحدد برنامج سياسي للمرحلة التالية فضلت إرجاء البحث في تفاصيل وتعقيدات فترة مابعد صالح خشية مواجهة التباينات مبكرا مما سيفسد عليها الوليمة التي دعوا إليها قوى متنافرة اجتمعت فقط على الثأر من الرئيس ونظامه. وتحدث المتوكل الأربعاء الماضي عن تحرك للمعارضة لانشاء ائتلاف وطني يحوي كل مكونات المشهد السياسي اليمني ويضم "معارضي النظام من شباب الثورة والحراك الجنوبي وتكتل العدالة والبناء ومعارضة الخارج والشخصيات الوطنية والحوثيين ورجال الأعمال". الائتلاف الجديد الذي اعلن عنه المتوكل سيواجه عقبات كثيرة يحتاج المشترك للتغلب عليها الى تمديد فترة مكوث الشباب في الخيام والرئيس في الرياض كون التكتلات المتفقة على اسقاط النظام مختلفة على الية بناء النظام الجديد اضافة الى تشعب تيارات الحراك الجنوبي ومطالبة بعضها بواقع جديد في الجنوب يبدأ بتقرير المصير ورفض الحوثيين والناصريين وكيانات شبابية للدور السعودي والأمريكي في ترتيبات الفترة المقبلة . ماطرحه المتوكل يؤكد أن المعارضة بدأت الخطوة الاولى في برنامج سياسي يمكن ان ينال ثقة واشنطن والمجتمع الدولي التي تعتمد سياستها الخارجية على التعامل مع طرف واحد وليس اطرف متشعبه كما هو حال القوى المناهضة لنظام الرئيس صالح. ويمكن القول هنا ان المعارضة لازالت بحاجة لمزيد من الوقت لترتيب أوراقها لمواجهة استحقاقات التسوية القادمة وليس استكمال تحقيق أهداف الثورة كما يرى شباب الساحات . وحسب الناطق باسم المشترك محمد قحطان الذي أكد الأحد أن عين الحكمة تقتضي إعطاء مساحة للحلول السياسية التوافقية "لم يقل إسقاط النظام ومحاكمة رموزه كما كان يطرح سابقا" قبل أن تتخذ الأداة الثورية مجرى آخر. وتشير المعطيات على الساحة اليمنية الى نجاح واشنطن ودول الخليج في تهيأت المطالبين بإسقاط النظام وتحديدا المشترك القوة الأساسية في الشارع لقبول مخرج توافقي يعمل على تجنيب اليمن سيناريوهات كارثية تنتظرها ويضمن تحقيق الحد الأدنى من مطالبهم حسب حسن زيد القيادي في المشترك الذي قال في تصريح لإحدى القنوات الفضائية أن الشباب نزلوا الى الشوارع قبل أربعة اشهر ومن غير المنصف أن يعودوا إلى منازلهم دون ان يحققوا حتى الحد الأدنى من مطالبهم. الظروف الحالية التي تعيشها اليمن وتبرم المواطنين من مستوى الخدمات وطول فترة المناورات بين السلطة والمناهضين لها وتمسك كل طرف بأوراق غير كافية لهزيمة الاخر سيدفع بالجميع الى القبول بمخرج من الأزمة ولو بالقليل من المكاسب التي كانت مرتجاه خصوصا وان المواطن العادي أصبح اكثر ميلا الى إعادة الوضع الى ماقبل التحركات المناهضة للنظام بمعنى أخر إنضاج التسوية يبدو في مراحله النهائية مالم تتغير المعطيات على الأرض او يندفع احد الأطراف الى مغامرة مجنونة لفرض رؤيته . الجغرافيا اذا هي اللاعب رقم واحد في الساحة اليمنية كونها لاتتغير وفق محددات سياسية بل السياسة هي من تتأثر بها فلو كانت اليمن بعيدة عن منابع الذهب الاسود لما كان سفير واشنطن يستحق شهادة تكريم بإعتباره انشط موظف يعمل على الارض اليمنية.