أظهرت النتائج النهائية للمسوحات الأثرية الميدانية التي نفذتها الهيئة العامة للآثار بمحافظة المحويت غربي العاصمة صنعاء على خمس مراحل اكتشاف 200 مقبرة صخرية تحتوي على موميات محنطة يرجع تاريخها إلى مراحل متقدمة جدا من فترات ما قبل الميلاد ومرحلة العصر الحجري القديم. ولا تزال الموميات اليمنية رغم ما أفصحت عنه كثاني اكتشاف لممارسة التحنيط في التاريخ القديم بعد الحضارة الفرعونية، تشكل لغزا محيرا في جانب الامتيازات أو الاختلافات في عملية التحنيط التي استخدمتها حضارات اليمن المختلفة قديماً وسواها من الحضارات. الاكتشافات المعلنة اليوم الاثنين بينت وجود رقي حضاري وثقافي كبير في مناطق الجبال المسنمة والهضبة اليمنية الوسطى والتي تقع في نطاقها محافظة المحويت بتقسيماتها الحالية-حسبما نقلته وكالة سبأ الرسمية عن مدير مكتب الآثار بالمحافظة محمد احمد قاسم ، الذي أشار أيضا إلى أن تلك المقابر تم اكتشافها خلال تنفيذ مهام المسوحات على مستوى مديريات محافظة المحويت. واوضح أن هذه المقابر حفرت على شكل فتحات مستطيله في أعالي الجبال الشاهقة وتفتح إلى الداخل بشكل أوسع وهي بهيئة غرفة واحدة وأحيانا اثنتين أو أكثر حسب احتواء المقبرة الصخرية للجثث المدفونة فيها سواء لأفراد أو جماعات أو عائلات. وذكر قاسم أن أبعاد هذه المقابر تصل أحيانا إلى 2,5متر في 3متر فيما يصل ارتفاعها إلى 1,5متر - 2متر واتساعها إلى 1 – 1,20متر وحفرت في جدرانها الداخلية كوات توضع فيها الأثاث الجنائزي والذي يضم الأدوات والأواني الفخارية والحربية للمتوفين وهي موضوعه بأسلوب فني مميز يضمن بقاءها أعواما ودهورا طويلة. ولفت أن هذه المقابر الصخرية وجدت في مناطق مختلفة من مديريات شبام كوكبان والمحويت والرجم وملحان وحفاش وبني سعد والطويلة وجميعها تعود لمراحل ما قبل الميلاد بآلاف السنيين، ومن هذه المكتشفات النادرة اكتشاف مقتنيات أثرية نادرة في مديرية بني سعد يزيد عددها عن ألف قطعه أثرية لمراحل قديمة من العصر الحجري القديم والذي يعود تاريخه إلى ما قبل 300 ألف سنة قبل الميلاد. وكان فريق من خبراء الآثار الفرنسيين الذي يتبع جامعة جرنوبل الفرنسية عمل خلال فترات عامي 2009 ، 2010 ، على دراسة الموميات المكتشفة ونظام التحنيط الذي اتبعه اليمنيون في الحضارات القديمة . وأفصح حينها البروفيسور ألن فرومانت مدير مجموعة متاحف الإنسان بباريس وكبير خبراء البعثة الفرنسية التي زارت اليمن قبل عامين لإجراء واخذ عينات لعدد من المومياوات في صنعاء والمحويت ، أن بعض النتائج الأولية لدراسة المومياوات اليمنية المكتشفة في تلك المناطق منها اختلافها من حيث المقاسات والأحجام عن المومياوات في مختلف أنحاء العالم ، وتشابهها مع عدد من المومياوات في دول أخرى من حيث الشكل والملامح، موضحا أن اليمن من أفضل الدول عالمياً في أستخدام طرق أفضل للتحنيط حيث تحل في المرتبة الثانية بعد مصر ثم تشيلي ، واصفا التحنيط في البلدان الثلاث بانه من أتقن أنواع التحنيط التي كانت تستخدم قديماً على مستوى العالم أجمع. وبحسب العالم الفرنسي فان الطريقة التي أستخدمها اليمنيون القدامى في التحنيط تختلف من حيث استخدام المواد، مشيرا إلى انه في مصر كانت تلف الجثث بنوعية مخصصة من القماش ، أما اليمنيون فكانوا يستخدمون الزبيب ودهن الجمل وبعض أوراق النباتات في تحنيط الجثث ، منوها إلى ممارسة اليمنيين التحنيط قبل الإسلام بألفي عام . وأنشأت اليمن مؤخرا مركز للمومياوات في محافظة المحويت حيث اكتشف خلال السنوات القليلة الماضية عدد منها في منطقة الطويلة رغم تعرضها للعبث على أيدي الباحثين عن الكنوز في المقابر القديمة ، غير ان المركز لا يزال دون المستوى المطلوب من حيث التجهيزات والإمكانيات والخبرات. ويلفت الدكتور عبدالحكيم شائف -أستاذ مساعد قسم المومياوات في كلية الآداب -بجامعة صنعاء في حديث سابق ل"الوطن" إلى ان الاكتشافات التي توالت في العديد من المناطق ليست اكتشافات علمية بالمعنى المنهجي ولكن اغلبها كان يتم عن طريق الصدفة . ويؤكد شائف انه لم يتم حتى الآن الدراسة الدقيقة لمومياوات اليمن كما في مصر لأنه كان يتم الاكتشاف في مصر من خلال متخصصين في علم الدفن وتم دراستها من قبل متخصصين في كثير من الامراض لكن الاكتشاف في اليمن يتم عن طريق الصدف ولم يتم دراستها دراسة علمية منهجية دقيقة. ولكن من خلال المومياوات التي تم فتحها-يقول الدكتور شائف- وجد انه كان يتم شق البطن واستخراج الاحشاء ووضع بعض المواد النباتية مثل نبات (الراء) الذي يساعد على امتصاص السوائل التي يفرزها الجسم بالاضافة الى وضع مواد اخرى سواء داخل الجسم مثل الصبر او المر او القار او الزفت وتقويته بنوع من الخشب الملفوف بنوع من الكتان حتى يبقى شكل التجويف البطني كما هو ، بالإضافة إلى مواد كان يتم بها تغطية الجسم مثل مادة الراتنجات وهي مادة قريبة الشبه من مادة اللبان وفائدتها تعمل على الحفاظ على المواد العضوية. وأشار إلى أنه ومن خلال العينات التي تم اخذها من منطقة شبام الغراس وتم تحليلها وجدت مواد معدنية كثيرة مثل الزنك ومواد مركبة يتم استخدامها لم يعرف بالتحديد مقاييسها او نوعيتها ولكن فائدتها كانت ايضاً تساعد في جفاف الجثة وبعد ذلك يتم تكفين الجثة. ويؤكد الدكتور شائف انه لم يتم إلى الآن الا اكتشاف جثة محنطة واحدة بطريقة علمية من قبل قسم الآثار على الرغم من أن المقبرة فتحت ، وهذا يعني ان نابشي القبور هم الأسرع إلى هذه المقابر، وهذا لا يساعد المختصين على دراسة وضع الجثة ودراسة إذا كان هناك تركيب لنوعية الأثاث الجنائزي بجانب الجثة، أيضا دراسة نوعية الاختلاف في عملية التحنيط وفي التكفين نفسه لأن كل خطوة تفسر مرحلة معينة .