شهدت تونس يوم الجمعة فصلا جديدا من أعمال العنف المتصاعد منذ اغتيال المعارض شكري بلعيد الاربعاء الماضي الذي فجر اغتياله أزمة سياسية عميقة في البلاد، فيما شل الإضراب جميع مدن البلاد ومطارها الدولي ، وسعيا نحو التهدئة أعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية، وأمين عام حركة النهضة الإسلامية الحاكمة المتهمة بالضلوع بعملية الاغتيال، عن تمسكه ب"تشكيل حكومة تكنوقراط"، وانه لن يذهب إلى المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) للحصول منه على "تزكية" لهذه الحكومة، رغم رفض حزبه. واشتبكت الشرطة مع مشيعين شاركوا في جنازة مليونية حاشدة اليوم الجمعة لتشييع جثمان بلعيد في ما اعد أكبر جنازة تشهدها تونس منذ وفاة الحبيب بورقيبة زعيم الاستقلال وأول رئيس للبلاد عام 2000. وتحدى جموع المشيعين الأمطار وبرودة الطقس ليشاركوا في جنازة بلعيد في مسقط رأسه بجبل الجلود في العاصمة ورددوا هتافات مناوئة للإسلاميين وللحكومة. واندلعت أعمال العنف بالقرب من المقابر حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة وأشعلوا النار في سيارات. كما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد محتجين بالقرب من وزارة الداخلية وهي منطقة اشتباكات معتادة في العاصمة التونسية. وتعاني تونس مهد انتفاضات الربيع العربي من توتر بين الإسلاميين من حركة الاخوان المسلمين وحلفائهم الذين يهيمنون على مقاليد الحكم ومعارضيهم العلمانيين ومن خيبة أمل بسبب عدم حدوث أي تقدم على صعيد الإصلاحات الاجتماعية منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن على في يناير 2011. وسبب اغتيال بلعيد صدمة في تونس التي شهدت تحولا سياسيا سلميا بالنسبة إلى ما جرى في دول عربية أخرى شهدت انتفاضات شعبية فيما عرف باسم ثورات الربيع العربي، وردد المشيعون في العاصمة هتافات بان الشعب يريد ثورة جديدة كما رددوا النشيد الوطني. وطبقا لوكالة رويترز فقد أحاطت الحشود بعربة عسكرية مكشوفة تحمل جثمان بلعيد ملفوفا في علم تونس من مركز ثقافي في جبل الجلود في طريقها إلى مقبرة الجلاز فيما حلقت طائرة هليكوبتر تابعة لقوات الأمن فوق المنطقة، وحمل المشيعون صور بلعيد الذي أطلق مسلح الرصاص عليه بينما كان يهم بمغادرة منزله في طريقه إلى العمل يوم الأربعاء قبل أن يلوذ القاتل بالفرار بدراجة نارية مع شريك له. وقالت الوكالة أن عديد من المتظاهرين رددوا هتافات ضد راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة الإسلامية الحاكم ووصفوه بأنه قاتل ومجرم ورددوا "تونس حرة ..الإرهاب برة" ، كما نقلت عن شهود عيان القول إن الشرطة التونسية أطلقت اليوم الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين مناهضين للحكومة كانوا يرشقونها بالحجارة والقنابل الحارقة في قفصة في جنوب البلاد وهي معقل لأنصار بلعيد. وألقت أسرة بلعيد باللوم على حركة النهضة لكن الحزب نفى أي تورط في الحادث، وهاجمت حشود عددا من مقار الحركة في العاصمة ومدن أخرى خلال اليومين الماضيين. وفي سياق تطورات المشهد التونسي ألغيت اليوم /الجمعة / كل الرحلات الجوية من وإلى تونس بسبب الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) في يوم تشييع المعارض البارز شكري بلعيد الذي اغتيل بالرصاص يوم الأربعاء الماضي أمام منزله في العاصمة تونس، الأمر الذي دفع بتونس إلى أزمة سياسية عميقة. وقال مسؤول بمصلحة الإعلام في مطار "تونس-قرطاج" الدولي في تصريحات أوردتها قناة العربية الإخبارية "تم إلغاء كل الرحلات الجوية من وإلى تونس بشكل كامل يوم الجمعة" ، مضيفا أن الإلغاء يشمل أيضا حركة النقل الجوي داخل تونس (بين المطارات التونسية). وأوضح أنه بسبب الإضراب العام لن يكون بالإمكان مساعدة الطائرات على الإقلاع أو الهبوط في المطارات التونسية. هذا وأغلقت البنوك والمصانع وبعض المتاجر أبوابها استجابة لدعوة الإضراب التي أطلقتها الاتحادات العمالية احتجاجا على اغتيال بلعيد، لكن الحافلات كانت تسير بصورة منتظمة. من جهته، قال قاسم عفية الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، إن الإضراب اليوم جاء للتصدي للعنف السياسي الذي وصل مرحلة الاغتيال، معتبرا أن الحكومة عاجزة عن السيطرة على العنف. ولم يسبق للاتحاد أن أعلن الإضراب الوطني العام إلا مرتين الأولى في 1978 ، أما المرة الثانية فكانت دعوة للإضراب العام لساعتين فقط يوم 12 يناير 2011 قبل يومين من سقوط نظام زين العابدين بن علي. وسعيا نحو التهدئة أعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية، وأمين عام حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، عن تمسكه ب"تشكيل حكومة تكنوقراط"، وانه لن يذهب إلى المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) للحصول منه على "تزكية" لهذه الحكومة، رغم رفض حزبه. ونقلت "وكالة الأنباء التونسية" الحكومية عن الجبالي قوله "أنا متمسك بقراري بخصوص تشكيل حكومة تكنوقراط، ولن أذهب الى التأسيسي لتزكيتها، وتركيبة هذه الحكومة جاهزة تقريباً".( وكالات )