استمرار الحوثي في التحدث باسم "المظلومية" و"المستضعفين" حتى الآن يشبه إلى حدٍّ بعيد استمرار الإصلاح في التحدث باسم "الثورة" و"المعارضة" بعد أن أصبح في الحكم. يبدو أن الحوثي لم يستوعب حتى الآن أنه أصبح "كابتن الظالمين" في البلاد، وبخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرته حيث يدس أنفه حتى في محتويات "أجهزة الموبايل" التي يجب ألا تتضمن أية "أغاني" بل صرخته وخطاباته فقط! وهذا على الأرجح ما يجعل ظلمه أقسى وأشد، لأنه يمارسه وهو "متحرر" من كل كابح و"متخفف" من كل إحساس: إنه يمارس الظلم وهو "متحرر" حتى من "ضمير الظالم" الذي يحتفظ أحياناً بقدر بسيط من الشعور ب"الرحمة" و"الشفقة" على "مظلومي"ه، ويمارسه وهو "متخفف" من أي "شعور بالذنب" قد ينتاب الظالم ولو للحظة أثناء ممارسته للظلم. كذلك الحال بالنسبة لفساد الإصلاح الذي كان أكبر وأسوأ من فساد صالح، لأنه يمارسه وهو "متحرر" من كل كابح و"متخفف" من كل إحساس: إنه يمارس الفساد وهو "متحرر" حتى من "ضمير الحاكم الفاسد" الذي يحتفظ أحياناً بقدر بسيط من الشعور ب"المسئولية" تجاه المال العام (حتى ولو من قبيل الخوف من إنهيار حكمه)، كما يمارسه وهو "متخفف" من أي "شعور بالذنب" قد ينتاب الفاسد ولو للحظة أثناء ممارسته للفساد. الظالم الذي يمارس الظلم وهو مدرك لكونه ظالماً يمكننا أن نطلق عليه صفة "ظالم سوي". وكذلك الفاسد الذي يمارس الفساد وهو مدرك لكونه فاسداً يمكننا أن نطلق عليه صفة "فاسد سوي". "الظلم" و"السوية" بالطبع لا يلتقيان في واقع الأمر، وكذلك "الفساد" و"السوية". غير أن هذه من "بركات" الحوثي والإصلاح اللذين قدما لنا- كي لا أقول: اجترحا لنا- نموذجين صارخين ومريضين جداً من نماذج الظلم والفساد: "ظالم غير سوي" يمارس "الظلم" بأقسى وأبشع صوره، لأنه أثناء ممارسته، ينظر إلى نفسه ك"مظلوم" فيما ينظر إلى "ضحاياه" باعتبار أنهم هم "الظالمون". وعليه، يصبح ظلمه أقسى وأشد وأنكى. و"فاسد غير سوي" يمارس "الفساد" على أوسع نطاق وأسوأ صورة، لأنه أثناء ممارسته، لا ينظر إلى نفسه ك"فاسد" ولا حتى ك"حاكم"، بل يعتبر نفسه "ثائراً" منزهاً عن الفساد. ولهذا، يبدو لي أن "فساد الثائر" يصبح أسوأ من "فساد الحاكم" الذي ثار عليه، ليس لأنه لم يقدم نموذجاً مغايراً لنموذج الحاكم الفاسد فقط، وإنما لأنه حين ممارسته للفساد يفتقر حتى لما يتبقى عادةً "للحاكم الفاسد" من إحساس بالمسئوليه تجاه حكمه ومحكوميه. "الظالم غير السوي" هو كل من يمارس الظلم وهو يعتقد أنه "عادل" ولا يقترف خطأ يذكر، وغالباً ما يكون هذا النوع من الظالمين "ضحية سابقة" تمارس ظلمها المريض والفتاك باسم "مظلومية ما". و"الفاسد غير السوي" هو كل من يمارس الفساد وهو يعتقد أنه "نزيه" ولا يقترف خطأ يذكر، وغالباً ما يكون هذا النوع من الفاسدين "ثائراً" يمارس فساده المريض والفتاك باسم "ثورة ما". ويبدو لي أن "الظالم غير السوي" أو "الفاسد غير السوي" لابد أن يكون في الغالب "عقائدياً"، تماماً كالحوثي والإصلاح. *عن صفحة الكاتب بموقع فيس بوك