تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    حالة وفاة واحدة.. اليمن يتجاوز المنخفض الجوي بأقل الخسائر وسط توجيهات ومتابعات حثيثة للرئيس العليمي    الاحتلال يواصل جرائمه بحق سكان غزة وحصيلة الشهداء تتجاوز 34 ألفاً    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    خطوات هامة نحو تغيير المعادلة في سهل وساحل تهامة في سبيل الاستقلال!!    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    برشلونة يسعى للحفاظ على فيليكس    مصادر تفجر مفاجأة بشأن الهجوم الإسرائيلي على أصفهان: لم يكن بمسيرات أو صواريخ أرض جو!    أول تعليق إماراتي بعد القصف الإسرائيلي على إيران    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الرد الاسرائيلي على ايران..."كذبة بكذبة"    الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    اشتباكات قبلية عنيفة عقب جريمة بشعة ارتكبها مواطن بحق عدد من أقاربه جنوبي اليمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    السعودية تطور منتخب الناشئات بالخبرة الأوروبية    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص قصصية شيقة في أدب "الخيال العلمي":
نشر في الرأي الثالث يوم 23 - 09 - 2017

السفينة المجهولة – كبسولة القرن العشرين – هجوم الحشرات - الروبوت العاطفي – شامخ – رسالة عبر المجرات - راكانا وماكانا – منزل الأشباح
"السفينة المهجورة"
بعد أن خدمت السفينة الفضائية لسنوات طوال وخاضت تجارب رائدة واجتازت مخاطر جسيمة، قام مركز المراقبة الأرضي بإبلاغ رائد الفضاء الأخير على المركبة الكولونيل سعيد بأنه سيتم التخلي عن المركبة بعد أن استنفذت مهامها وقام قائدها بإجراء آخر تجربة فضائية. ثم طلب منه أن يحاول النزول بها بسلام على الأرض وأن لا يتركها تصطدم تائهة بعمران أرضي وتتسبب في دمار كبير بعد أن تتحطم بدل أن تدخل متحف الفضاء الكوني كأول مركبة فضائية قضت عقدين من الزمان وهي تعمل كمحطة للتجارب الفضائية الرائدة.
انزعج الكولونيل سعيد كثيراً وكأنه مقبل على فقدان كائن عزير، وقد أُبلغ أن هذه هي مهمته الأخيرة التي سيتقاعد بعدها، والتي ستتوج بطولاته الفضائية وتمنحه فرصة الحصول على ميدالية البطولة الفضائية التي تمنح للرواد المميزين.. "وفي أسوأ الظروف سأقوم بتوجيهها نحو أرض قاحلة.. صحراء ربما. ثم أقوم بالقفز منها بسلام.." حادث نفسه.
وأكثر ما أزعجه حصوله في الشهر الأخير على معلومات هامة جداً، وانقطاع اتصاله مع المحطة الأرضية بواسطة "انترنت الفضاء": فالنجم الذي عاد للتوازن كالبركان والذي تم رصده لأول مرة منذ مئة وخمسين عاماً، عاد للمعان مجدداً وكأنه يتوهج مبشراً بألعاب فضائية نارية مثيرة. ورصد منظاره الفضائي سحابة فضائية من الغاز والغبار تدور كالدوامة ملتفة حول كتلة صغيرة، وهي تنبئ بأنها ستبرد وتتكثف لتتحول يوماً ما إلى كوكب جديد. وفي مختبره الفضائي لاحظ نمو سريع لبكتيريا غريبة في التربة "المريخية" التي أحضرها أحد الرواد من كوكب المريخ، مما يعزز الاعتقاد بوجود نوع من الحياة على الكوكب الآخر. وتنهد بحسرة وهو يفكر أن معلومات كهذه لن تصل ربما للأرض، ومنها ما توصل إليه مؤخراً بواسطة تقنية جديدة مستحدثة تعتمد على "القانون الذهبي" والتي يمكن بواسطتها قياس المسافات الكونية بدقة كبيرة، مما قد يحدث انقلاب معرفي في مفهومنا التقليدي حول العمر المفترض للكون ودرجة تجدده.
لقد قرر أخيراً أن يهبط من المركبة قبل اصطدامها المريع بالأرض وتخلى عن يأسه ورغبته الخفية بالانتحار، فقد كان يشعر أن مصيره مرتبط بمصير مركبته المنبوذة!
وبذل محاولة يائسة لتسجيل المعلومات القيمة على قرص مدمج بعد أن فشل سابقاً لمرات عدة، واستعان بقوة التركيز النفسي حيث قام بالإيحاء مغمضاً عينيه، وتمتم بعبارات هامة: "هيا.. يا رب.. ساعدني.. يجب أن أنجح في تسجيل هذه المعلومات.. هيا.. سجلي.. سجلي.. هيا" ولم يصدق نفسه عندما رأى لمعان زر التسجيل يعمل مجدداً بعد أن يأس من إصلاحه.. وعاد لتفاؤله وثقته بنفسه وإيمانه.. وشعر أن الله معه في مهمته الكونية.
أخيراً سالت من عينيه دمعتان حارتان قبل أن يكبس على زر الهبوط وينطلق مقذوفاً من مركبته.. ونظر بحسرة ومرارة وهو يبتعد عن مركبته العتيقة التي خدمت العلم الفضائي لسنوات طوال، وبدا وكأنه يترحم عليها! ولكنه عاد لتفاؤله عندما تذكر أنه يملك في جيب بزته الفضائية قرصاً مدمجاً يحتوي على معلومات قيمة جداً، فالحياة يجب أن تستمر!.. وأشرقت فكرة منيرة في تلافيف دماغه وجاءت نفسه قائلاً: "لن أتقاعد.. سأعود للعمل مجدداً. سأقوم بإلقاء المحاضرات حول تجاربي الفضائية".
كبسولة القرن العشرين!
طلبت معلمة الانجليزي من طلابها تحديد عشرة بنود صغيرة لوضعها في كبسولة مغلقة، حتى إذا ما مر الزمان وجاء أحفادنا واكتشفوها، استطاعوا من خلالها تحديد طبيعة الحياة في العقد الأخير من القرن العشرين. وفكر تلميذ نابه واختار أن يضع ما يلي داخل كبسولة الزمان:
- صورة فوتوغرافية ملونة لمحطة الفضاء الروسية مير وهي تمخر عباب الفضاء.
- صورة فوتوغرافية صغيرة لطائرة الستيلت الأمريكية وهي تلقي بقنابلها الموجهة بالليزر نحو يوغوسلافيا أو العراق أو افغانستان لا فرق.
- رقاقة كمبيوتر صغيرة.
- تلفون خلوي متطور.
- كاميرا رقمية صغيرة.
- كاسيت لفلم كرتون جديد من إنتاج والت ديزني.
- صورة ملون معبرة لصفحة الانترنت لمحطة التلفزة الشهيرة سي إن إن.
- وحدة النقد الاوروبية الجديدة "اليورو".
- عينة صغيرة من الاسمنت الفائق القوة.
- صورة فوتوغرافية معبرة لمأساة لاجئ كوسوفو في الجزء الأعلى، ومنظر لمجزرة اسرائيلية تقتلع شجر زيتون في قرية فلسطينية في الجزء الأسفل من الصورة وذلك أمام رأي أصحاب الأرض المحتجين!
وبالفعل فقد دفنت الكبسولة في بئر مهجور، ومر عليها قرن من الزمان، وعثر عليها تلميذ نبيه آخر، ففتحها بدهشة وفضول واطلع على محتوياتها، وكتب موضوع إنشاء مدرسي واصفاً محتوياتها على الشكل التالي:
لقد كان هناك تعاون عالمي منظور في مجال استكشاف الفضاء الخارجي، وبقيت هناك قوة عالمية أحادية مهيمنة على مقدرات العالم ترسم خرائط الدول وتعاقب من تشاء بالقنابل والدمار، ولهذه القوة الكونية مصالح متناقضة فهي مرة تعاقب دولة ما لطغيان قادتها ونزعتهم الإجرامية في التطهير العرقي ومرة أخرى تدعم دولة ظالمة اسمها "اسرائيل" وتساعدها على الاستيطان وقتل الفلسطينيين (أصحاب الأرض) وهدم البيوت وقلع الأشجار. واستنتج التلميذ النبيه أن عالم العقد الأخير من القرن العشرين كان عالماً غير متوازناً تحكمه المعايير المزدوجة وشريعة الغاب بالرغم من التطور الحضاري المذهل نسبياً. وعزا التطورات المذهلة لتقدم تقنيات الحاسوب وظهور الانترنت وانتشار وسائل الاتصال، حيث أصبح انتقال المعلومات بسرعة سمة العصر.. واستنتج ذاك التلميذ المجهول الذي سيأتي بعد مئة عام بأن هناك ثقافة أحادية التوجه تسيطر على العالم وتصهر الأفكار والعقائد في بوتقة واحدة، وأن حيز الثقافة البصرية – السمعية يحتل نفس الحيز الذي كانت تحتله ثقافة الكتاب المطبوع.. هكذا كتب في موضوعه الإنشائي: لقد كادت إمكانات طفل في العاشرة أن تفوق قدرات شيخ في الستين من ناحية القدرة على تطوير مهارات التعامل مع الحاسوب والانترنت.. واستمر في استنتاجاته الذكية فلاحظ أن وحدة اليورو تشير لتشكل اقتصاديات إقليمية ضخمة جديدة تسعى لمواجهة المنافسة الدولية وربما الأمريكية، وهذا مؤشر على دخول عصر العولمة والتكتلات الاقتصادية الضخمة.. ثم انبهر لمرأى عينة الاسمنت ففهم أن الاسمنت بقي محافظاً على أهميته القصوى كمادة بناء أرضية قادرة على اجتياز تحديات الزمان. سره جداً اكتشافه للكبسولة ولم يخبر أحداً، فقرر أن يبقى موضوعه الإنشائي طي الكتمان، ونام وهو ملئ بالدهشة والحماس وحلم بالمكافأة التي سيجنيها بعد أن يقدم الكبسولة لقائد مركبة الفضاء عندما ينطلق مع والديه في رحلة المريخ الموعود بها في إجازته الصيفية القادمة!
هجوم الحشرات
عندما أطل اليوم الحادي عشر من آب 1999، لم يسقط نيزك ناري على مدينة النور باريس، والتقط العالم أنفاسه، فهذا اليوم تحديداً هو اليوم الذي يبدأ فيه تعرض العالم للكوارث حسب توقعات المنجم نوسترداموس الذي عاش في القرن السادس عشر، وسبق وتنبأ بحروب وكوارث حدثت كلها في المواعيد التي تنبأ بها!
الذي حدث كان خارج التوقعات تماماً، فقد فوجئ سكان مدينة نيويورك بحشرة عنكبوتية هائلة بحجم الديناصور تتجول صباحاً في شوارع المدينة المكتظة بالسيارات والمارة، وتثير الهلع والدمار في نفوس السكان المذعورين.. وتم استنفار قيادة الجيش، وأرسلت مدافع تحمل قنابل نووية تكتيكية صغيرة للفضاء على الحشرة الماردة، التي أصابها الذعر وأصبحت تركض بقفزات هائلة في شوارع المدينة المنكوبة، وحيث قادتها وحدات آلية لمنطقة نائية خارج المدينة ونجحت مروحية ضخمة في إصابتها بقذيفة نووية حولتها لأشلاء ممزقة..
وقامت فرق الدفاع المدني بإنقاذ الجرحى وإخلاء جثث الموتى.. وتحدثت وكالات الأنباء المتلفزة عن أخبار مماثلة تفيد بتعرض مدن كبرى مثل ريودي جانيرو، موسكو، لندن القاهرة وكلكتا لكوارث مشابهة ناتجة عن هجوم حشرات عنكبوتية ضخمة كاسرة تعيث دماراً وقتلاً، وأفادت قيادات الجيش في هذه الدول بعدم جدوى استخدام الأسلحة النارية العادية بل إنها تستفز عدوانية هذه الحشرات الذئبية وتزيد من شراستها!!
وطلبت معونة "نووية" عاجلة لاستخدامها في الفضاء على العناكب الكاسرة!..
وأفاد عالم الحشرات الشهير البرفسور رامز بأن هذه الحشرات مخلوقة من خلايا معدنية تشبه السبائك المعدنية المقواة لذا يصعب مواجهتها بالأسلحة النارية التقليدية، والذرة هي السلاح الوحيد القادر على تخليق حرارة فائقة تؤدي لصهر مكونات الحشرات وتدميرها.. ولاحظ العالم الشهير وجود أجهزة إرسال متطورة مركبة على قرون الاستشعار مما يعني أن هذه الحشرات الهائلة ما هي إلا طلائع كشافة وظيفتها الاستطلاع والتخريب والتجسس، وهي مقدمة لهجوم حشري كاسح يهدف احتلال الأرض وإبادة الجنس البشري!
واكتشف علماء النازا سر الهجوم الحشري، حيث تم رصد نيزك يقترب مسرعاً من الأرض، وهو يقترب بسرعة هائلة، ورصد المنظار "هابل" تشكيلات حشرية، ولوحظ أن مراكب فضائية خاصة تقوم بقذف الحشرات العنكبوتية على المدن الكبرى كطلائع لهجوم قريب كاسح، وأكد المارشال هنري وجود نية تدميرية عندما قال:
ليس هذا هجوماً تخريبياً مجرداً، بل تنفيذاً لخطة مدروسة، فالهجوم لا يقتصر إلا على المدن والعواصم الكبرى، والعناكب الذئبية تبدو بالرغم من وحشيتها الهائلة وكأنها تعرف ما تريد! أجل إنها تعي تماماً هدفها.. إن هجومها ليس عملاً انتحارياً بطولياً!! وإنما عملاً مخططاً ذو مقاصد عدة.. وضحك الحاضرون في المؤتمر الصحفي وعلق أحدهم: لقد قضت البشرية على مفهوم البطولة كلياً في دخولها القرن الحادي والعشرين وتعميقها لمفاهيم "العولمة".. وبقي أن تستخدم هذا التعبير الفذ في وصف "الحشرات الغازية"!!
هكذا استنفر العالم كافة قدراته وإمكاناته وسخر طاقات شعوبه وتم تجنيد أعداد غفيرة من الجيوش بعد أن تم تدريبها على استخدام الأسلحة التكتيكية، وركزت الدول الكبرى جهودها لصنع مركبات فضائية لإرسال الجيوش الأرضية العالمية لمواجهة النيزك الحشري قبل وصول الحشرات للأرض..
واستمتع عالمنا الأرضي بسلام دولي مؤقت نادر، حيث ذابت مشاعر الكراهية والتمييز العرقي، وصوب الجميع وجوههم للسماء، وارتفعت الأكف بالدعاء.. وتمنى الجميع التوفيق لجنود الأرض في معركتهم المصيرية القادمة، والتي حددت بعد شهرين من انطلاق المركبات الفضائية.. وكثرت الصلوات في المساجد والكنائس والمعابد البوذية والهندوسية حتى الوثنيون أقاموا طقوس خاصة قاموا خلالها بحرق عدد هائل من العناكب الأرضية الصغيرة، وكان القتل يتم بطريقة شعائر به بطيئة مصحوباً بترانيم سحرية.. ووصف كبير الكهنة ما حدث قائلاً "لقد نجحنا.. لقد حدث وميض هائل في النيزك الحشري!!".
وعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، حيث تم تجميد كافة الصراعات والخلافات، وتم الاتفاق على العودة إلى الله، وأفاد رئيس دولة عظمى: لو نجونا هذه المرة فسيكون هذا بفعل قدرة إلهية، فهناك رغبة كونية في استمرار الحضارة البشرية.. وإذا ما نجحنا في اجتياز هذه التجربة القاسية فأول ما يجب أن نقوم به كبشر متحدين هو أن نصلي لله شاكرين.
الروبوت العاطفي
- 1 –
قضى أسامة ساعاة طوال وهو يبرمج الروبوت الجديد الذي صنعه، ولم تكن مشاعر الغضب والحزن والفرح والارتياح والألم هي الأصعب في عمليات البرمجة، وإنما كان الجزء الخاص بربط هذه الانفعالات بحركات متطابقة: مثل أن يترافق الغضب مع حركة معبرة لليدين تعني الدفاع والصد أو المعاناة. ونجح بعد محاولات عدة في ربط حركات الحاجبين والعينين والفم مع حركات اليدين. كما أنه نجح في تطوير حركة جديدة تعد اختراقاً في مجال برمجة الحاسوب، وتتلخص هذه الحركة في تطوير حركات مماثلة للقدمين، فعندما يثور الروبوت بالفرح والارتياح يتحرك مقبلاً ببطء، وبالعكس فعندما يشعر بالغضب أو الألم يتحرك للأمام بشكل عدواني أو يتراجع بشكل دفاعي أو بطريقة تدل على الألم والإحباط!
هكذا أرهق أسامة نفسه تماماً في العمل البحثي الذي يمارسه في مختبره بسرية بعد الظهر، وهو وإن كان يطمح في الحصول على جائزة رفيعة في مجال تطوير لغة تفاهم مع الروبوت وجعله قادراً على التعبير إنسانياً عن مشاعره فهو يمارس هذا العمل كهواية. ويحلم باليوم الذي يقف فيه محاضراً في مؤتمر "الروبوتات" المقرر عقده في استراليا في بداية الشتاء المقبل.
شيء واحد قرر أن لا يدخله في "مشاعر" روبوته، شيء لا يؤمن هو شخصياً به ألا وهو الشعور بالحب ونقيضه الشعور بالكره.. لقد عاش حياته وهو يقنع نفسه بأن هذه المشاعر "مضيعة للوقت" ويجب على العالم الموضوعي أن يتخلى عنها، وهي وإن كانت ضرورية لتركيبه النسيج الاجتماعي ولديمومة الحياة، إلا أنها ليست ضرورية للعالم المتوحد مع ذاته
- 2 –
لقد برمج منزله الذكي على النحو التالي:
المطبخ: تجاوبت غلاية القهوة مع برنامج أسامة اليومي، وبدأت بالغليان في الساعة السادسة صباحاً مجهزة قهوته الصباحية. لاحظت ثلاجته أن صلاحية كرتونة الحليب قد انتهت وطلبت أن يفتح كرتونة جديدة. أحس فرن الميكروويف بطراوة عجين الفطيرة وبدأ بتجهيزها للفطور.. كل هذا وأسامة ما زال نائماً؟ ثم لاحظت غسالة الصحون أن الكمية المتبقية من صابون غسيل الصحون قد نفذت فطلبت عبوات جديدة بواسطة البريد الالكتروني الموجود في المكتب.
الحمام: أظهرت المرآة الأخبار الرئيسية وأهم الأحداث خلال أربع وعشرين ساعة، ثم أظهرت برنامج عمله اليومي ولقاءاته المتوقعة.. كل هذا وهو يحلق ذقنه ويفرشي أسنانه.. وعندما جلس في المرحاض، بدأت تفاعلات كيماوية-بيولوجية تحلل برازه وبوله لتخبره عن وضعه الصحي في دقائق، وارتاح للنتائج التي ظهرت على لوحة مركبة على الخزانة الطبية.. وبينت له هذه فوراً حاجاته اليومية من الفيتامينات والمقويات اليومية بناء على نتائج التحليل الطبي، وتناول أدويته مع كأن من الماء المعقم الصحي، ثم أغلقت الخزانة اتوماتيكياً بشكك محكم لا يسمح بفتحها. خلع أسامة ملابسه وتمدد في الغسالة الاتوماتيكية حيث أراد للمرة الأولى تجربتها، فقد كانت آخر جهاز اشتراه، كانت الآلة بطول 2.3 متر وتزن مئة وخمسة وسبعين كيلوغراماً ومجهزة بأربعة عشر موزعاً للمياه وذات قدرة على توليد هواء ساخن. عندما اندس داخلها شعر وكأنه صحن في جلاية صحون.. للوهلة الأولى شعر بالارتياح وقال رائع.. رائع.. لن أضطر لدعك جسمي بالاسفنجة مراراً.. وخاصة لمنطقة الظهر التي يصعب الوصول إليها.. ولكنه كاد يختنق بفعل الهواء الساخن الذي يبدو أنه غُير بطريقة خاطئة، وخرج بصعوبة لاعناً الآلات ومخترعيها!
المكتب: تتم طباعة التقارير المطلوبة بينما يقوم أسامة يتصفح الجرائد بواسطة الانترنت، ويحدث اتصال أتوماتيكي ما بين الملفات المتماثلة.. لا حاجة للورق على مكتبه.. لقد تخلص مؤخراً من الورق وغباره!! راجع برنامج عمله اليومي، تفقد بريده الالكتروني.. أدخل مواعيده اليومية الضرورية، حدث توافق بين برنامج تدريبه الرياضي اليومي مع الحاسوب الصغير المزروع في زر جاكيتته الرياضية ليذكره بموعد التمرين بعد الظهر.. ثم لاحظت كمرة الفيديو المركبة فوق شاشة حاسوبه، أنه قد بدأ يشعر بالملل فتدخلت وبدأت بإعادة بث برنامج رياضي محبب لديه!
غرفة الجلوس:
استخدم أسامة جهاز تحكم عن بعد يعمل ببرنامج مسبق، ويتنقل بين المحطات المفضلة دون تدخل شخصي، كل هذا وهو مستلقي باسترخاء على الأريكة المريحة.. أما في حوض السمك فالحرارة تتم مراقبتها اتوماتيكياً مع قيمة "الأس الهيدروجيني" حتى يبقى السمك في وضع صحي جيد، ويتم ضخ الأوكسجين بتوازن مع التلقيم الغذائي المناسب. وبالرغم من كل هذه الترتيبات فقد انزعج عندما لاحظ أن ثلاث سمكات فوسفورية صغيرة قد ماتت!
السيارة:
عندما ذهب أسامة لموعد تدريباته الرياضية اليومية، قام حاسوب السيارة بحساب المسافة بناء على المعلومات المخزنة في زر جاكيتته الرياضية، وتفحص حاسوب السيارة الخيارات على شاشة الانترنت، ودل أسامة على أقصر الطرق وأقلها ازدحاماً. وظهرت على لوحة التحكم إشارات تفصيلية توضح الوضع العام للسيارة ونحذر من أية مخاطر محتملة، وهو مطمئن من أن حاسوب السيارة متصل مباشرة بكراج التصليح، وهو كفيل بإخباره عن أية أعطال محتملة.
وبالرغم من الائتمتة الكاملة التي يتمتع بها في منزله الفريد، والتي تجعله محسوداً من جيرانه، فلن ينسى ذلك اليوم الذي تعطلت فيه الكهرباء، وفقد حينئذ كل اتصال ببرامج صيانة المعتادة، وكم كان سروره كبيراً عندما قرع شخص باب منزله، واكتشف أنه راعي غنم يبيع الحليب الطازج، وتذوق منذ فترة طويلة طعم الحليب الطبيعي مقابل دينار، ثم أشّر لبائع الكعك بالسمسم واشترى كعكة طازجة وبيضتين وشعر بمتعة أن يكون عادياً بسطاً.. وفوجئ عندما تعطلت سيارته في نفس ذاك الصباح، فاضطر أن يسير على قدميه باحثاً عن تاكسي، وتأمل ربما للمرة الأولى جارته الحسناء وهي تسير مقبلة في اتجاهه، وشعر بوميض في عينين جميلتين وسرت كهرباء خفية في جسده عزاها لفتنة اللقاء البشري، وشعر بالأسى لأن تخلى ربما كلياً عن متعة الشعور بالعواطف الإنسانية بحجة أنه مشغول دائماً ولأنه أوهم نفسه أن الباحث والعالم يجب أن يكون موضوعياً لأقصى الدرجات لدرجة التحكم الكامل بالأحاسيس الإنسانية السوية!!
- 3 –
بعد أن أنهكه التعب، ذهب أسامة لغرفة نومه باكراً، واستخدم لأول مرة جهاز التحكم المركزي، فشغل جهاز التلفزيون عن بعد وأطفأ الإنارة في غرف المنزل بعد أن شعر بالنعاس وعجز عن الذهاب بنفسه لإطفاء الأنوار وتفقد الأبواب التي تغلق اتوماتيكياً كذلك.. وبرامج الستلايت لنصف ساعة وشاهد برنامجاً مسلياً ثم نام نوماً عميقاً واستيقظ في الثالثة صباحاً وقد تهيأ له وجود لص في الصالون، فشغل عن بعد لأول مرة الروبوت الجديد الذي يطابق حجمه حجم الإنسان، وضغط على زر "الغضب" وسمع الروبوت يحادث اللص بصوت قوي غاضب: أخرج من هنا أيها اللص. وكانت فرصة لأسامة لتجربة "الحركات المتطابقة" فضغط على زر الحركات معززاً الحركة التلقائية لدى الروبوت، وهئ له وكأن الحاسوب يقدم على دفع اللص وضربه بحركة غاضبة!! وسمع اللص وهو يهرب مذعوراً من النافذة، واستغرب من قدرة اللص على اختراق كل أجهزة الأمن والرقابة التي زود بها منزله.. لابد أنه خبير بالالكترونيات وليس لصاً عادياً وربما كان يسعى لسرقة الروبوت!! وشعر بالسرور لأن هذه التجربة كانت امتحاناً عملياً لإمكاناته العلمية فقد فاجأ الروبوت اللص بالصراخ الغاضب والحركات المعبرة المتطابقة التي ظهرت في الحاجبين والعينين والفم، والأهم من ذلك مبادرة الروبوت بدفع وضرب اللص بيديه. شعر أسامة بالنجاح وبأن رهانه كان موفقاً. فالتكنولوجيا الالكترونية هي عشقه الأكبر وبها يعوض حرمانه من العشق البشري!
في الصباح استيقظ مرهقاً، وتناول دوشاً سريعاً، ولم يشعر بالرغبة في الذهاب لغرفة مكتبه، وغادر لعمله في شركة المقاولات بعد أن أبلغه الحاسوب بأهمية الالتزام ببرنامج العمل في ذلك اليوم.
وبالفعل، فقد زاره صديق ثقيل الظل، وطلب منه مصاحبته لمتابعة متطلبات المبنى الذي تشرف عليه شركته، والذي يعمل فيه كمهندس مدني، كانت الحرارة مرتفعة تجاوزت الخمسة وأربعين درجة، وعليه أن يعاين الأعمال الهندسية لمدة ساعتين على الأقل "أنت تعتني بنفسك كثيراً يا أسامة، ولا ترهق نفسك أبداً!" وعلق أسامة وهو يركب المكيف المتنقل حول عنقه: سأقول لك بصراحة "أنت تحسدني وتشعر بالغيرة! يا أخي لماذا تكنز نقودك الكثيرة؛ تمتع بالحياة واشتري الأجهزة الحديثة المريحة.. أو كف عن ملاحظاتك المزعجة!!".
فرد صديقه:
- أنت جدي أكثر من اللزوم، أنا فقط فضولي أريد أن أعرف كيف يعمل هذا الجهاز المدهش؟ أجاب أسامة:
إذا كان الأمر كذلك، فسوف أشرح لك: يحتوي هذا الجهاز على نظام تبريد وتبخير داخلي، وما على الشخص الذي يستخدمه إلا أن يملأه بكمية قليلة من الماء ومن ثم يضغط على زر التشغيل، وعندئذ سيقوم محرك صغير بالتعامل مع الماء محدثاً تبريداً رائعاً.. هكذا لن أعاني من الحر والعرق كما ستعاني أنت، وسأرافقك كما تريد ولمدة ساعتين أو أكثر، وسنعاين كل كبيرة وصغيرة.. أيرضيك هذا؟
- أجل.. أجل! أجاب صديقه وهو أيضاً صاحب المشروع، ولاحظ السخرية التي ظهرت صارخة في عيون العمال والمراقبين، فقال لأسامة:
- يبدو منظرك كرواد الفضاء، وهو غير مألوف بالنسبة لهؤلاء العمال على الأقل ألا تلاحظ ذلك؟!
واكتفى بهذه الملاحظة عندما رمقه أسامة باستياء واضح.
عندما جاءت شاحنة الخرسانة الجاهزة وبدأ الخلاط يصب المارة الخرسانية الطرية في إحدى زوايا المبنى الشاهق، قفزت سيارة بيك اب فوق الرمل والحص مثيرة الغبار، شغل أسامة جهازه الثاني ووضع كمامة فوق أنفه، لقد شغل جهاز الاستنشاق الشخصي، ولم ينتظر سؤال صديقه بل بادر بالشرح:
- أنا أعاني كما تعرف من الحساسية ولا أتحمل التلوث، والجهاز لا يزعجني إطلاقاً، وزنه لا يزيد عن مئة وعشرين غراماً وهو يعمل ببطارية طاقتها 9 فولت.. دع عمالك يستغربون أكثر ويسخرون أكثر.. فهذا لا يثيرني!!
وشعر صديقه بالتعب والإرهاق وقال له: لنعود للمكتب، أنا مقتنع بوجهة نظرك.. لا .. لا .. أجاب أسامة:
- يجب أن نصعد للطوابق العليا ونتابع بعض المشاكل.. يجب أن أريك أننا نتابع ونقوم بعملنا كاملاً!
- 4 –
بعد حوالي ساعتين وصلا للمكتب، وكاد صديقه أن يسقط من الإعياء، بينما أسامة ينعم براحة وكأنه كان في نزهة..
- هل ما زلت تكره التكنولوجيا والاختراعات وتصر على البساطة؟! سأل صديقه بسخرية واضحة، ولم يجب هذا الأخير فقد كان مشغولاً بشرب كؤوس من الماء البارد.
وفجأة طرأ خاطر مفاجئ على ذهن أسامة، فاتصل بمنزله وطلب الرقم السري وهو 833 وسأل بالبريد الصوتي:
- هل الروبوت ما زال في مكانه.. ارجو التوضيح فوراً! فقد شعر أن شيئاً قد حدث.. وانتظر لحظات بدت له طويلة قبل أن يأتي الجواب عبر الفاكس.. حيث قرأ: ".. شخص ما خرج مع الروبوت ومن باب المنزل، وكان الروبوت يبدو مرتاحاً سعيداً.. الشخص طويل بنظارة طبية أنيقة، يبدو ذكياً.. كان يقود سيارة باص صغيرة فتحها "بالروموت كونترول" ودخل الروبوت من تلقاء نفسه.. الرجل كان يضحك بشماتة واضحة!!".
انزعج أسامة كثيراً.. وسأله صديقه:
وهل تستطيع أجهزتك الاستدلال على حالة الروبوت أثناء خطفه؟ وهل هي قادرة على دراسة ملامح اللص بمثل هذه الدقة؟ وكيف لاحظت أن يملك باصاً؟ وكيف لاحظت أنه يضحك بشماتة!!... الخ.
أجاب أسامة:
أجل.. إنها مبرمجة بشكل كامل، فهناك كاميرا فيديو تراقب حركات الحاجبين والعينين والفم وتحكم على شعورك من التعبيرات الظاهرة.. وهناك كاميرا فيديو خارجية تصور الأحداث.. وكل هذا يحول إلى لغة مكتوبة مربوطة بالهاتف والفاكس والحاسوب.. هكذا فالأمر بسيط.. ولكنه ليس مسراً كما تلاحظ، فرغم كل التقنيات وكل إجراءات الحماية والرقابة، فقد استطاع هذا اللص الذكي "سرقة الروبوت" وبموافقته دون اعتراض!!
وتساءل أسامة بصوت خفيض وكأنه يحادث ذاته:
إنها المحاولة الثانية، لقد حاول بالأمس ليلاً وفشل.. ولكن ما الشيء الذي فعله وجعل الروبوت يقتنع بأن اللص صديق ودود وجعله يخرج معه دون اعتراض؟!
ودع صديقه وقد شعر بالاكتئاب والفشل بعد أن كان في أوج ثقته بالنفس، وعندما وصل منزله مستعجلاً وجد ورقة مطبوع عليها:
أنت لست ذكياً بما فيه الكفاية، لقد تلاعبت بروبوتك وأدخلت فيه مشاعر إنسانية جديدة، ولقد استفدت من نقطة الضعف هذه فقلت له: "هناك فتاة جميلة تود رؤيتك والتعرف عليك!" فما كان منه إلا أن تحرك باتجاهي مبتسماً.. كذلك فقد أدخلت لتركيبته العصبية شعوراً بالكره تجاهك، فاحذر أن تبحث عنه فربما يضربك ويؤذيك.. فلا تحاول يا عزيزي استعادته!! وأنصحك بالبدء بصناعة "روبوت جديد".
إلى اللقاء!!
- انتهى –
شامخ
- 1 –
تم تسريع الأحداث حاسوبياً، هكذا عرفت مصائر الناس وتواريخ الأحداث، هناك في المركز السري للأبحاث، اطلع رئيس العلماء على كل ما يجري وسيجري بناء على معطيات دقيقة، وبيانات واضحة، وبعث ببرقيات إلى مجلس الأمن الدولي، وأفادهم بما سيحدث خلال المئة عام القادمة وبدقة كبيرة وحيود لا يتجاوز العشرة بالمئة، فأصيب عدد كبيرة منهم بالإحباط، وقرر بعضهم التنحي بعد أن عرفوا مصائرهم ومصائر قومهم وبلادهم.. بينما قرر آخرون الاستمرار في مناصبهم مع مزيد من الملل الناتج عن معرفة القدر.
فقدت الاتصالات الشخصية مغزاها، فالكل يشاهد الكل الكترونياً، واختفت الخصوصية، فالانترنت قادرة على معرفة أحاسيسك عندما تكتب رسالتك وهي ترسل أحاسيسك مشفرة للمرسل إذا اراد.. فلا مجال للخديعة، هكذا قلت مجالات استخدام الذكاء البشري، وضعف التواصل الإنساني.
- 2 –
ندم سكان البلد "الفلاني" عندما طبقوا أنظمة التماثل البيولوجي، فالنساء كلهن شقراوات أو حنطيات جميلات وطويلات وفاتنات، والرجال كلهم وسيمون، طوال، عراض المنكبين، أذكياء، لماحون.. وعلامات التلاميذ في المدارس كلها مرتفعة متميزة، والكل يمارس الإبداع والاختراع، ولا أحد يعاني من مشاكل مالية أو اجتماعية، والناس يمارسون حياتهم بحرية وسعادة، والصحة تتجلى في الوجوه والسحنات، فقد اختفت معظم الأمراض، وارتفع مستوى الأعمار إلى تسعين عاماً، واختفت أمراض الشيخوخة.. وأصبح هناك نواد خاصة للشيوخ يمارسون فيها حياتهم وهواياتهم، وارتفعت سن التقاعد إلى سبعين عاماً وأحياناً إلى ثمانين عاماً، ومعظم الشركات تسعى للاستفادة من خبرات الشيوخ ومهاراتهم المتراكمة عبر السنين.. اجتمع مجلس الوزراء، وقرر فجأة فتح باب الهجرة لبعض سكان العالم الثالث ضمن نسبة محددة تزداد سنة بعد سنة، فقد شعر السكان بالملل الشديد من التماثل والتطابق، وقرروا أن نسبة محددة من المشاكل تزيد من عنصر الإثارة وتشعر السكان بالتميز وتجعلهم يقدرون المنجزات، فمن شأن هذا التفاوت أن يخلق نمطاً تنافسياً يزيد من متعة الحياة.
- 3 –
توقد الذكاء الإلكتروني، فإذا أردت أدباً رفيعاً فما عليك إلا أن تكبس على زر في الانترنت، فتفاجئ بالخيارات: أدب تاريخي – أدب كلاسيكي – أدب تقليدي – أدب خيال علمي – أدب بوليسي – أدب إباحي.. كل شيء كما تريد، وإن أردت صور أو رسومات تعزز من تأثير الحالة القصصية، فعليك أن تكبس على زر آخر فتظهر صورة أو رسمة معبرة.. ونمت أنواع متعددة من الذكاء الصناعي القادرة دوماً على الإبداع، فتراجع الإبداع الذاتي الشخصي للأدباء والفنانين، وانزوى إلى الظل والنسيان، واختفت الجوائز الأدبية المحفزة.. وسخر الحاسوب فجأة من الجميع، فأصدر ضحكة الكترونية هائلة، ذات صوت معدني رنان: ها ها ها ها ... هههههههها ها!!
اختفى الفنانون كذلك، فأصبح بإمكان أي شخص يفتقد لموهبة الرسم والإبداع أن يدخل على برنامج الفنون ويكبس زراً ويرسم أي لوحة يريدها بعد أن يضع المواصفات التي يريدها.. فتظهر لوحة تعبر عن فن كلاسيكي أو تعبيري.. أو تشكيلي.. أو تكعيبي.. سريالي.. حتى النحت لم ينجو من طغيان الآلة الذكية، فهناك أجهزة روبوتية تعطيها جبلة الطين فتشكلها كما تريد أنت، مصدرة أشكال نحتية فائقة الدقة والجمال والغرابة وحسبما تريد، فقط بكبسة زر!
- 4 –
عبث الطفل الجميل "شامخ" بالجهاز السري الجديد، حيث دخل خلسة للغرفة السرية، وما هي إلا لحظات فإذا به يختفي بعد أن انبثقت أشعة خاطفة أضاءت الغرفة، وبحث عنه والداه طويلاً دون جدوى، وأخيراً تبين لوالده العالم المرموق أن ابنه قد أصبح ضحية اكتشافه السري، فالجهاز قادر على تحليل جزيئات الجسم البشري وتفتيتها إلى أصغر المكونات ثم تجميعها في مكان آخر. واكتشف العالم ملابس الطفل الجميل ملقاة في مكان الاختفاء، وكانت عبارة عن شورت أحمر وقميص أحمر يشبه قمصان البحارة بكمة محفورة وياقة بيضاء أنيقة، وفسر ذلك على أنه "الانتقال الخماسي".. وكان هم العالم الكبير يتركز في معرفة شيئين:
- مكان انتقال طفلة شامخ
- التأكد من استمرار الاتصال أثناء الانتقال، فانقطاع الاتصال ولو لثواني معناه تعرض الطفل للجروح الخطيرة، أو ضياع جزء هام من جسمه!
- 5 -
في منطقة جبلية نائية في البيرو، وعند الغروب، ومع لمعان برق خاطف في السماء، لاحظ المزارع الطيب ظهور طفل جميل عاري، وأصابه الذهول، وبدا الطفل كملاك سماوي من ملائكة الجنة، أو كهدية من السماء، ولم يصدق ما شاهده، فارتعب أول الأمر، ثم تبين له أن الموضوع حقيقي، فالطفل يبكي بفزع ظاهر، فالتقطه بحنان بالغ، وذهب به لزوجته.. فألبسته ملابس دافئة واسقته حليباً وهدأت من روعه.. "يا لكرم السماء.. لقد تمنيت أن أرزق بطفل طوال حياتي.. وكنت أصلي دائماً لتحقيق هذا الهدف.. وها هي السماء المباركة تمنحني طفلاً جميلاً كالملاك" وبكت زوجته من التأثر.. فالطفل جميل.. حنطي البشرة.. مشرق الوجه.. عذب الابتسامة.. يتمتع بعينين سوداويين ذكيتين.. وهو مرح كذلك.. يرقص عند سماعه الأنغام.. عاطفي.. وبدأ يزحف في أرجاء المنزل الريفي ويعبث في الأشياء.. ويبدو أنه في بداية حبوه وربما يزيد عمره عن العام قليلاً.. لم تصدق الزوجة هذه المنحة الربانية وعزتها لطيبتها وطيبة زوجها ولكثرة الصلاة والدعاء، وما أمتعها أكثر في هذا الطفل الجميل قوة شخصيته فهو عندما يريد شيئاً ما يحرك يده باتجاهه ويتحدث بلغة طفولية فيها تصميم نانا نانا نانا حيث لا يستطيع أحد أن يتجاهل طلبه!
- 6 -
بعد جهود مضنية تدخل فيها البوليس الدولي (الانتربول) تمكن الأب العالم من معرفة مكان اختفاء ابنه، فذهب بنفسه إلى المزرعة الريفية النائية في البيرو، وعرف بنفسه مع وجود مترجم محلي، فرفض الزوجان بطريق "قصة الاختفاء" وأكدا أن الطفل هو ابنهما بالرغم من معرفة الطفل لأبيه واحتضانه له باسترخاء حيث بدا بالمسحور وهو يمص سبابة يده اليُسرى وينظر بسعادة غامرة، ثم اعترفا فيما بعد بأنه هبة السماء لهما، ولم يصدقا قصة "الانتقال الشعاعي" إلا عندما قام العالم بإرسال اللعبة المفضلة للطفل وهي عبارة عن "دب أبيض كبير" لنفس المكان.. وانبهرا عندما صرخ الطفل بفرح عندما شاهد لعبته المفضلة.. "نانا نانا.." وهجم عليها محتضناً إياها بغبطة طفولية ولاحظ العالم التأثر الشديد على زوجة المزارع، فتحدث مع زوجته وأخبرها برغبته في استئجار منزل ريفي لهما في المكان النائي على جبال البيرو وبجانب بيت المزارع البسيط.
- 7 –
هكذا تعرفت زوجة العالم على زوجة المزارع، وقرر العالم وزوجته أن يقضياً شهراً من كل عام في هذه المنطقة وبصحبة المزارع البسيط وزوجته، واصطحبا شافع في زيارتهما السنوية، وأسعد هذا الحل الجميع.. وأصبح المزارع يتفاءل عند مشاهدته لوميض البرق عند الغروب، فهذا الوميض منحه وزوجته ذات يوم سعادة لا تقدر بثمن، وكذلك استفاد العالم من هذه التجربة فقد تذوق طعم البساطة والسعادة وتخلص ولو لشهر واحد من ذكاء الأجهزة وتماثل المخلوقات، وأبقى مكان تواجده سراً فهو لا يريد أن يزعجه أحد في عزلته الجميلة.. وسعادته كانت تتضاعف عندما يسمع "شامخ" وهو يلاعب حيوانات المزرعة "نانا نانا"!
راكانا و ماكانا:
- 1 -
أعلنت دولة ماكانا العظمى الحرب على دولة راكانا الصغرى، وأمر رئيس ماكانا جزالاته باستخدام أحدث الأسلحة في ترسانتهم الحربية بغرض تركيع دولة راكانا، وجمعهم في اجتماع طارئ قائلاً:
- لا مجال لإطالة هذه الحرب، فالرأي العام يتحالف ضدنا، وهناك نقد كبير موجه نحونا، فنحن قوة كبيرة وهم قوة صغيرة، هم يملكون الإرادة والشجاعة والرغبة في الحرية والاستقلال ونحن نملك القوة الطاغية والجبروت والرغبة في الهيمنة والاستبداد. لا أريد أن أحول اجتماعي معكم إلى محاضرة سياسية مملة.. أنت أذكياء بما فيه الكفاية حتى تلاحظوا أن العالم يتعاطف مع الضعفاء.. لذا علينا أن ننتهي من هذه الحرب في ثلاثة أشهر فقط كحد أقصى.. استخدموا كل أسلحتكم ومهاراتكم التقنية.. وأبعدوا الصحافة والإعلام.. انقلوا أخباراً عادية من اشتباكات يومية بسيطة دفاعاً عن النفس، فيما تقومون في حقيقة الأمر بتدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية لهذه الدولة المتمردة.. لا تسمحوا بتصوير الدمار والموت.. ولاحظ التململ والاستياء على وجه قائد الأركان، فأشار له بأن يعبر عن رأيه:
- ولكن سيدي الرئيس، الأمر ليس منوطاً بنا وحدنا، فنحن نعيش في عالم متعدد الأهواء، فكيف نمنع التغطية الصحفية الأجنبية؟ كيف نمنع خصمنا من استضافته للصحفيين الأجانب؟ كيف نمنع تجوالهم بحرية هنا وهناك؟ أجاب الرئيس مخالفاً:
- كلا.. ستقومون بما هو مطلوب منكم وسوف تنتهون من هذه الحرب المملة التي طالت أكثر من اللازم.. سنزودكم بفرقة كوماندو خاصة.. لا أريد دراما ودموع وتباكي.. استخدموا كل ما في حوزتكم نا بالم.. قنابل انشطارية.. قنابل اختراقية.. قنابل يورانيوم منشطر.. أطعموهم بلوتونيوم بدلاً من الخبز.. واستمر متبجحاً.. حتى قاطعه جنرال آخر:
- سيدي.. كل هذا رائع.. نخوض حرباً مدروسة بعناية.. حرباً تلفزيونية متطورة.. نوجه قنابلنا للأهداف الأرضية ونصور الأهداف مدمرة وتعاد الكرة.. ويفرح مواطنينا من مهارة طيارينا وتقنيتنا المتطورة.. ولكن كيف سنقضي على القيادة؟؟ قاطعه الرئيس مبتسماً بخبث:
- اترك الأمر لي ولوزارة الدفاع والمخابرات.. افعل ما تؤمر به واترك الباقي علينا.
- 2 -
في مختبر أبحاث الأسلحة السرية المطل على المحيط الهادي، ساد سكوت غريب في ذلك المساء، حيث بدا وكأن تجربة خطيرة ستتم في ذلك المساء الربيعي.. حيث وقف جنود ضخام غامضون في صف مكون من مئة شخص.. وبدأ كل منهم يدخل بانضباط لقاعة ضخمة تشبه غرفة العمليات في مستشفى كبير.. وبدا وكأنه يتم اقتياده بشكل آلي.. يسير كل واحد لوسط القاعة.. ثم يجلس على كرسي خاص.. فيما يقوم ضابط في غرفة التحكم المنفصلة بالضغط على زر خاص، فيهبط فجأة من السقف جهاز ليزري متطور.. ويتوجه الجهاز لرأس الجندي ثم تبدأ أشعة مركزة صادرة عن الجهاز بقرص طاسة الرأس بشكل دائري.. بعد ذلك تدخل يد ميكانيكية آلية أخرى وتزرع في جزء محدد من الدماغ قرص معدني صغير.. ثم يُعاد لحام طاسة الرأس.. وتنتهي العملية في لحظات.. يقوم بعدها الجندي ويسير بخطى عسكرية خارجاً إلى قاعة أخرى.. وهكذا دواليك.. وهناك يُسلم نظارة خاصة تشبه نظارة "اللحامين".. وينتقل إلى موقع آخر حيث يتسلم البازوكا.. وبعد أن تم تجميع الجنود جرى نقلهم لموقع مجهول بواسطة طائرات الهيليوكبتر..
- 3 –
في غرفة الاجتماعات، دار الحديث التالي بين قائد مركز الأبحاث البروفسور ديمنغ وبين الجنرال شواكوف مدير مشروع "كمبناس"
- لا داعي لأن أعيد وأكرر بأن الموضوع غاية في السرية، ولا أحد يعلم به سوى خمسة أشخاص فقط، ثلاثة يعلمون التفاصيل كاملة، واثنان من العلماء لا يعرفان إلا الجانب البيولوجي – التقني.. المقصود هنا المحافظة على السرية والكتمان وإلا فشل المشروع بطريقة ما. فأجاب ديمنغ:
- هل تعتقد أن أحداً لن ينتبه لحركة الجنود الآليين وطريقة مشيهم؟! فقاطعه شواكوف:
- أجل سيدي.. لقد وظفنا "تيوساً مطيعة"، واخترناهم بشكل خاص، أناس تعرف كيف تطيع الأوامر وتنفذ التعليمات.. أناس غير فضولية إطلاقاً وأخضعناهم لتجارب قاسية، ولن أقول أكثر من هذا…
وشعر دينغ بالملل من فوقية الجنرال، فاستعجل إنهاء الحديث قائلاً:
- آذن ما المطلوب بالتحديد؟ فأجاب الجنرال وبشكل تقريري وكأنه يقرأ:
- المطلوب تحديداً هو ما يلي:
* أن لا يعرف أحداً ماهية هؤلاء الجنود.
* أن لا يعرف أحداً إلى أين يتجهون؟
* وهذا هو الأخطر: أن تفكر منذ الآن سيدي العالم العبقري بالطريقة الأنسب للتخلص من هؤلاء الجنود الأشداء المخلصين بعد إتمام مهمتهم بنجاح.. فهم خطر كبير علينا وعلى وجودنا.. انهم كالقنبلة الموقوتة.. وعليك أن تفكر بأنجح الطرق للتخلص منهم.. ويفضل وجود أكثر من سيناريو حتى نضمن نجاح ذلك ونحتاط للمفاجآت.. فلا مجال للمخاطرة! فاستاء د. ديمنغ من أسلوب التلقين وفجاجة الطرح، فقال في سره:
- هذا غبي مغرور يشعر بتفوقه ويصدر الأوامر ولا يريد نقاشاً!! سأكتفي بأن أنظر إليه بقرف وأخترقه بعيوني.. وهكذا فعل، ولكن الأخير تجاهل نظراته، وعاد ليؤكد ما سبق وقاله:
- معك وجماعتك مهلة شهر للتفكير فيما قلته لك، لوضع السيناريوهات العملية، والوقت يمر بسرعة كما تعلم..
وقام مغادراً المركز بسيارة مرسيدس فاخرة.
- 4 –
في مدينة "واتاكسي" ذهبت صحفية حسناء تدعى هبة للبحث عن عالم معتوه يدعى البرفسور "كريسانس"، يعيش منعزلاً منذ سنوات. واستطاعت بعد جهد مضني أن تعثر على منزله، وقرعت الباب وفوجئت من سرعة التجاوب، فقد شاهدت شخصاً طويلاً أشقر الشعر عريض المنكبين لا تبدو عليه علامات العته أو الجنون.
- بماذا أستطيع أن أخدمك يا سيدتي؟ أجاب
- أريد أن أقابل البرفسور كريسانس إن كان ذلك ممكناً أجاب
- نعم، تفضلي سيدتي .. فأنت تتحدثين اليه وتأملته مستغربة، فهو يبدو مطابقاً للصورة الفوتوغرافية التي بحوزتها، ولكنه بالمقابل يبدو شخصاً متوازناً وماكراً بل وربما مجرماً واستمر
- ماذا تريدين؟ فأصابتها قشعريرة خوف وهي تسمع صوت أنين مكتوم بدا صادراً من الغرفة الداخلية المجاورة.. واستمر بالحديث:
- تعلمين يا سيدتي أنني قد تخليت عن كافة أبحاثي لوزارة الدفاع وقبضت الثمن، ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش وحيداً في عزلة اختيارية، ولا أعلم ماذا تريدين مني، ولمعلوماتك فقد نسيت أبحاثي.. فأجابت هبة وقد وجهت له نظرات جميلة مليئة بالشك ولكنها آسرة، وربما قصدت ذلك:
- وهل يعقل هذا.. كيف يدعي عالم مرموق أنه قد نسي أبحاثه ودراساته؛ ربما تناسيتها بقصد! وحتى تهدأ من شكوكه تابعت بدون تردد:
- لا أريد سوى صورة لك والإجابة على سؤال أو سؤالين، وإذا أردت سأحتفظ بسرية المقابلة ولن أصرح لأحد بشيء عنها فأجابها
- لا تكوني سخيفة، فأنت تعرفين أني لا أحتاج لنقود منك، كما أنك ذكية بما فيه الكفاية لكي تعلمي بأنهم سيقتلوني فوراً لو علموا بمكاني؛ فأجابته:
- ستخدمني سيدي لأن الأمر شخصي وانساني يتعلق ببحثي عن أبي كذلك ستخدمني سيدي لأنك ارتحت لي.. لأني سحرتك بفتنتي.. لأني غزوت روحك.. لأني منحتك وصالاً بشرياً كنت في أمس الحاجة له.. لأنني سأذكر معروفك ما حييت.. لأنك تتمتع بأصالة نادرة.. وبادرها..
- كفى.. كفى.. لك ما تريدين.. صورتين أو أكثر.. فصورته وهو سارح يفكر ثم صورته وهو يتحدث محركاً يديه بشكل معبر، ثم سمعت للمرة الثانية صوت أنين مخنوق.. صوت يعبر عن معاناة وكبت وبؤس.. فتجاهلت هذه الأصوات، وتوجهت اليه بحواسها.. فقال:
- 5 -
سار كل شيء حسب المخطط المعد، وبعد مضي شهرين من القصف "السجادي" المركز للبنى التحتية لدولة راكانا، شعرت قيادة ماكانا بأن الوقت قد حان لتنفيذ الجزء الثالث من الحرب المدمرة، فأوعزت للجنرال شواكوف للمباشرة بحملته السرية، هكذا وفي منتصف ليلة حالكة الظلام، وبعد الساعة الأولى من يوم 15/2003 قامت عشر طائرات "آباشي" مزودة بالرؤيا الليلية بإنزال مئة جندي آلي بالقرب من قصور ومراكز القيادة والتوجيه في دولة راكانا، وقد تم إدخال صور تلفزيونية لكافة القادة السياسيين والعسكريين في ذاكرة الجنود "المحوسبة" وكان الأمر واضحاً: اقتلوهم.. اقتلوهم.. ثم اقتلوهم!! اقتلوهم ثلاث مرات، حتى تتأكدوا من إنجازكم لمهمة القتل، والرجاء أن تقتلوهم بشكل عادي بعيد عن مظاهر "العنف اللاإنساني".. ويفضل أن يتم القتل بتوجيه رصاصة أو رصاصتين للرأس مع رصاصة أو رصاصتين للقلب.. وذلك للتأكد.. نريد قتلاً "نظيفاً" إنساني الطابع لا يتعارض مع اتفاقيات جنيف وحقوق الإنسان.. لا نريد أسرى!..
دار الحوار التالي داخل الطائرة آباشي:
- مهمتك صعبة جداً.. أنت وزملائك التسعة.. تبحث عن زعيم راكانا أنت وزملائك وتقتله.. وحتى نضمن نجاح مهمتك، فعليك أن تقتل أي شخص يشبهه. ستواجهون مقاومة باسلة.. ولكن عليكم الاستمرار بإنجاز ما هو مطلوب منكم.. مهمتكم صعبة.. لذا يسمح لكم بتكسير الجمجمة.. حطموا العمود الفقري.. أحرقوا.. أبيدوا.. هذا الشخص هو الهدف الأسمى لمهمتنا وإذا فشلتم في اغتياله فقد فشلت المهمة؟! هل تدرك ذلك؟
فأجاب القائد الآلي.. المفتول العضلات... الذي تبدو القسوة والشراسة واضحة في معالم وجهه.. أجاب بصوت آلي:
- أجل.. اعلم.. اعرف المطلوب جيداً ثم استطرد ولكن ما مكافأتي؟! فاستغرب كابتن الطائرة من هذا السؤال الغير متوقع، فأجاب بمكر:
- أجل.. سوف نكافئك بالتأكيد.. هل تعتقد أن أحداً سيتجاهل مثل هذا الإنجاز؟!
- اسمعي ما سأقوله لك: لقد قمت بتطوير نموذج لكائن بيولوجي جديد مركب من مزيج إنساني ومكونات حاسوبية في آن واحد، بمعنى أنه يمكننا الاستفادة من كافة خصائصه البيولوجية بما فيها مرونة عضلاته وقوتها ثم نضيف عليها خصائص حاسوبية موجهة تجعله أقوى بخمس مرات من الإنسان القوي العادي، بمعنى أننا نحسن من خصائص الرؤيا والتفكير والاستجابة الحركية.. كما أننا نستطيع توجيهها كما نريد بواسطة قطعة حاسوبية صغيرة نزرعها في دماغه بواسطة عملية جراحية بسيطة ودقيقة في آن واحد، القطعة نسميها "ماتريكس"، وماتريكس هذه تصبح دماغه الجديد الذي نستطيع بواسطتها التحكم في كافة انفعالاته وردود أفعاله كما أننا نستطيع توجيهه كما نريد.. اسمعي سيدتي الفاتنة لقد صنعت إنساناً واحداً فقط، وطلب مني الاختفاء والعزلة.. ثم أكمل صديقي البرفسور ديمنغ المهمة من بعدي.. هل تريدين شيئاً آخر؟ أجابت:
- نعم.. بما أنك كنت كريم وواضح معي، فأرجو أن تفيدني وتبوح لي بما أريد أن أعرفه.. فقد علمت أنك اخترت أشخاصاً موتى أو قتلى من جثث حرب "نام نام".. وكانت أول جثة حولتها لإنسان آلي.. هي جثة شخص اسمه سليم، وأنا يا سيدي الفاضل مهتمة جداً بمصير سليم هذا.. لأنه.. والدي.. أجل والدي فنحن أنا ووالدتي المسكينة لم نستلم جثته، وبلغنا أنه اختفى وربما قتل في ظروف الحرب.. وتأكدت فيما بعد بأنه قد تم تحويله إلى "إنسان آلي" وتأثر ثم استفسر مندهشاً:
- وكيف تأكدت من هذا.. هل لي أن أعلم؟
- لأنه اتصل بي بعد سنوات وبواسطة البريد الإلكتروني، وأخبرني بتفاصيل ما حدت له.
وحادث نفسه قائلاً:
- لا يمكن هذا!... ثم أجاب:
- سأصارحك.. سليم هذا والدك هو الشخص الوحيد الذي اتفقنا أنا وديمنغ على المحافظة على الجانب العاطفي والإنساني في شخصيته، لقد أردنا في البداية أن نبني شخصية مزدوجة، حتى نتبصر ردود الأفعال ونحافظ على حس الضمير البشري، فنحن نعرف أن هذا الشخص هو الوحيد القادر على قيادة الآليين في حالة اندفاعهم المجنون نحو القتل والتدمير!! لا تخبري أحداً.. فلو علموا بما فعلنا لأقدموا ربما على قتل ديمنغ وتدمير سليم.. وربما.. وأحس بالشرك الذي نصبته الصحفية الحسناء.. إن سليم هذا قادر على أن يقود الآليين.. فهو الوحيد الذي يملك حرية الاختيار.. بينما يتحرك الآخرون بلا إرادة ولا روح.. مجرد وحوش آدمية المظهر آلية العنف بالغة القسوة والغباء.. لا يستطيع أحد أن ينجو منها إذا ما قررت الفتك به!
ولم تتمالك هبة نفسها فانفجرت غاضبة:
- ها أنت تعترف بجريمتك يا "كريسانس"، فأين كان ضميرك الذي ظهر الآن فجأة؟.. وكم قبضت مقابل عبثك بجثث أبطال حرب "نام نام" أم أنها كانت حرب قذرة على أي حال، ولم تحترموا أحداً فيها حتى أبطالها؟!
وشعرت هبة فجأة أن هذا الشخص الماثل أمامها. شخص مزيف، واستدركت فجأة أنه ربما الشقيق التوأم "لكريسانس"، وأنه ربما يقوم بدور عجز شقيقه عن إتمامه، إنه يقوم بدور "الضمير"، فكريسانس الحقيقي ذهب إلى ظلام الجنون وعبثه بلا رجعة لأنه لم يجد مبررات كافية لإقناع ضميره الحي، هكذا تقمص شقيقه التوأم دور الضمير، حتى تُغسل الخطايا وتستقر الروح البائسة!
وغادرت والدموع تترقرق في مآقيها، لقد تأثرت بمأساة "كريسانس"، وشعرت بقوة الضمير البشري.. ولم تستطع إخفاء إعجابها بالمشهد الإنساني الماثل أمامها: فقد تحولت الشخصيتان إلى كيان واحد متكامل.
- 6 –
تمت المهمة كما يجب، وانتصرت دولة ماكانا العظمى على دولة راكانا الصغرى، وسحقت قيادتها ودعست على كبرياءها، ونشرت الأخبار المتلفزة خبر اغتيال زعيم راكانا بل وتم بث صورة له وهو مقتول.. وذلك بغرف تحطيم معنويات جيوب المقاومة المتناثرة.. كما تم بث صور دراماتيكية لنوابه ومساعديه وقادة أركانه وهم ملقون أرضاً والدماء تنزف منهم!
- 7 –
ظهر زعيم دولة ماكانا على القناة التلفزيونية العالمية والابتسامة تعلو محياه الأنيق، وقال بصوت خفيض واثق:
أيها الشعب العظيم.. شعب "ماكانا".. لقد انتصرت قواتكم أخيراً على راكانا.. لقد انتصرت الحرية الديمقراطية على الدكتاتورية. وانتصر السلام على العدوان.. الآن فقط سنضمن المستقبل للأبد.. وسنعيش بثقة.. الآن نستطيع أن نضمن حقوق الإنسان في دولة راكانا.. ولكني احذر القادة الجدد لدولة راكانا بأننا لن نرفع الحصار عن دولتهم إلا إذا ضمنا توجهاتهم تجاهنا وتجاه العالم وتجاه شعبهم المسكين الذي عانى من الطغيان والاضطهاد.. وكم كنت أتمنى أن تسقط على رؤوسهم الهدايا والأطعمة والعلاجات بدلاً من أنواع القنابل المدمرة.. ولكن يجب أن يتأكدوا من تعاطفنا الإنساني معهم، فالصراع هو مع قادتهم العنيدين المتسلطين وليس معهم.. وربما ستسمح لنا الظروف في الأيام القادمة أن نعوض صبرهم ومعاناتهم وتحل عليهم النعمة والرخاء بدلاً من القتل والتدمير والمعاناة.. والأمر بيد قادتهم الجدد.. فإن ساروا كما أردنا لهم أن يسيروا وإن التزموا بسلام الشجعان وباعونا الطاقة بأسعار رخيصة وتخلوا عن عنادهم وإرهابهم فسوف نتركهم، والا فاننا سندمرهم بكافة الأساليب المباشرة وغير المباشرة...
عضو رابطة الكتاب الاردنيين(1999)
عضو الاتحاد العربي لكتاب الانترنت (2007)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.