/قراءة تحليلية:عبدالله السالمي - حتى اللحظة يبدو أن أهم ما في تلاقي المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه على الصيغة التي انتهت إليها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية –وفي ضوئها وقع الرئيس علي عبدالله صالح على المبادرة إياها- هو ما يمثله هذا الاتفاق من انتصار للواقعية السياسية, التي تثمر حلولا توافقية, على العدمية الشعاراتية العصية على التموضع إلا في الأخيلة وأحلام اليقظة. بعد سجال عشرة أشهر شرّق فيها السياسيون, من الجانبين, وغرّبوا كان لابد من العودة إلى لغة الممكن السياسي, وتجاوز متاهة التعالي على الواقع, والقفز فوق الوقائع.. وهي عودة متوقعة كأدنى درجات التعقل السياسي من ناحية, أو على طريقة "مكره أخاك لا بطل" من ناحية أخرى, باعتبار أن المنطلقات الحاكمة على صراع مراكز القوى ذات الفاعلية الرئيسية في "الأزمة" تحيل تلقائيا إما إلى "التسوية" فلا غالب ولا مغلوب, أو "الحرب".. وبين الخيارين من الفوارق ما يرجح كفة الأول على الثاني, إلا لدى البعض من المهووسين بإثبات أنها "ثورة" وليكن ما يكون!! وكما أن استيضاح المدخل إلى تسوية "الأزمة" الذي جاء ممهورا بتواقيع رجالات الأحزاب "السياسيين" من الطرفين –المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائه- لا يخلو من دلالة تكريس, أو فرض, واقعية الفعل السياسي من قبل الرعاة الإقليميين والدوليين, إلا أنه لا ينفي حقيقة تيقن فريق "المشترك وشركائه" من طوباوية شعار "الفعل الثوري" الذي تنادي به الحركة الاحتجاجية الموصولة بهم, وأن "الأزمة" هي التوصيف الدقيق للحالة اليمنية الراهنة. متاولية أخطاء من الطبيعي إذاً أن يتمخض الفعل السياسي عن تسوية ل"أزمة" وليس تحقيق ما يأخذ به هذا الطرف أو ذاك من أصحاب شعار "الفعل الثوري" على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أنها لم تف بمطالب "الثوار"!! وبقدر ما يتجاهل هذا النوع من المآخذ تعاظم المعطيات في الداخل التي وفرت للخارج قراءة على قدر كبير من الصحة لاعتمالات المشهد اليمني, المتلبد بصراع مراكز القوى التقليدية, فإن اجترار غلطة البداية يستتبع بالضرورة متوالية أخطاء لا تنتهي عند سذاجة فهم دوافع الموقف الدولي والإقليمي من التوافق على التسوية المزمنة "الخليجية" وإنما تأخذ عليها ما ليست بمؤاخذة عليه, وتنتظر منها ما يقضي منطق السجال في الداخل بعدم منطقيته. ثمة ارتباط بالتأكيد بين فاعلية ما توفره التسوية "الخليجية" من حلول للمشكل اليمني وتلاقي مختلف القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والمدنية على العنوان الصحيح للظاهرة/الحالة, إذ الحكم على الشيء فرع تصوره, ومن ثم فإنه ليس بالجديد أو المفاجئ اعتراض من اعترض على الخطة "الخليجية" انطلاقا من مقولات "ثورية" مثالية, على الرغم من اتكائها على المجهول, يصر الخائضون فيها على تجاهل ما يمكن إدراكه بالتسوية السياسية لحساب "أوهام ثورية" بلا أفق!! مفارقة الازدواجية وعلى هذا الأساس فإن الامتحان العسير الذي يستلزمه انحياز فريق "اللقاء المشترك وشركائه" لخيار الفعل السياسي يتجلى في مدى قدرة هذا الطرف على التقدم صوب خطوة أكثر جرأة في سياق تكريس الواقعية بدلا عن ازدواجية الخطاب, الذي على الرغم من قناعة منتجيه من النخب على رأس أحزاب "المشترك" بتعاليه على الممكن, والملموس, إلا أنهم لم يزالوا على استثمار الشعارات العدمية بما يشبه الخديعة, أو التحذير المؤقت. وهنا تكاد تنحصر غاية الإصرار على تكامل مساري الفعلين "السياسي والثوري" في اشتغال سياسيي "المجلس الوطني" الاسم الآخر ل"اللقاء المشترك وشركائه".. إذ مجرد الرهان على التسوية –فضلا عن الإقدام عليها- يلغي الموضوعية عن أي حديث لهؤلاء يجتر مصطلح "الثورة" ولوازمه من الفعل الى التصعيد "الثوريين" وسواهما.. والأولى بهذه النخب في ضوء الوعي السياسي الذي اختارت معه "التسوية السياسية" طريقا للحل امتلاك الشجاعة الكافية لمفارقة املاءات اللعب على الورقة "الثورية" من خلال وضع حد لتطاول الخديعة "البراغماتية" والاكتفاء من فصولها بما سلف. وتأتي أهمية مفارقة شريك المؤتمر الشعبي العام وحلفائه –في التوقيع على خطة تسوية الأزمة- للوهم "الثوري" أو الإيهام به, في هذه المرحلة, من كون ادخار "المشترك وشركائه" لورقة الاشتغال على الشعارات العدمية تحت اسم "المسار الثوري" ينطوي على تبييت النية للتنصل المبكر من استحقاقات التسوية الناتجة عن "الفعل السياسي" أو مفاقمة العوامل التي تحول دون نجاحها في أبسط الأحوال, وإلا فما الذي يمنع هذا الطرف من وضع قواعده في حقيقة ما توفره خطة التسوية تلك من خاتمة تتناسب ومتطلبات الخروج من الأزمة التي لن يزيدها الإصرار على انتهاج غير "المسار السياسي" إلا تفاقما وتعقيدا؟! مبعث الحرج هكذا يتبدى الفرق بين طرفي التسوية السياسية, فبينما يلقي "المؤتمر وحلفاؤه" بثقله خلف المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي ما انتهت إلى صيغتها المعلنة والمتفق عليها إلا بحوار مستفيض مع الطرف الآخر –المشترك وشركائه- إلا أن هذا الأخير -ربما مداهنة للحالة الشعاراتية في الأوساط الاحتجاجية- ما انفك يلمح إلى أن ذهابه إلى "الخليجية" ليس خيارا استراتيجيا, وإنما تكتيكيا, بدليل إرجاع قبول "التسوية" إلى ما تحققه من أهداف "الثورة" وليس حلحلة "الأزمة", ما يعني ادخار الخيار الاستراتيجي "الثوري" لوقت الحاجة, أو السياق الزمني الملائم. على أن هذا ليس بالضرورة هو الثابت من قناعة ساسة المجلس الوطني –اللقاء المشترك وشركائه- حيال التسوية السياسية من حيث المبدأ, وإن كان عليهم التظاهر به إلى حين, فالموضوعية تقتضي الإشارة إلى أن ثمة ما يبرر استمرارهم في المزاوجة –إعلاميا على الأقل- بين المسار السياسي الأجدى والأقرب, بما ينتجه من حلول توافقيه, إلى طبيعة تشخيص المشكل اليمني في هيئة "الأزمة" وبين الآخر الثوري البعيد عن قابلية النفاذ أو التنفيذ, بسبب ارتهانه لعوالم, أو تصورات, تتعالى على الحاضن الاجتماعي والسياسي والثقافي للوجود الراهن. ويمكن فهم سر انسحاب هذه الازدواجية على ما بعد الانتهاء من توقيع خطة التسوية الخليجية باستشعار مدى الحرج الذي سيلحق بهم جراء البينونة عنها, ذلك أن الاشتغال طيلة أشهر "الأزمة" على تكريس الشعارات الثورية والمقولات المثالية التي خاض فيها سياسيو المجلس الوطني سيجعل من مفارقتهم لها اليوم وإعلانهم مواتها دليلا صريحا على أنهم لم يكونوا على قناعة بها, بقدر ركوبهم لموجتها, والاستثمار فيها.. وتلك هي "الخديعة" التي لن يقوى هؤلاء على الاعتراف بممارستهم لها. حدود التفاؤل ومهما يكن من شأن ذلك كله فإنه لا ينفي حقيقة ما يمثله تلاقي المؤتمر الشعبي العام وحلفائه مع اللقاء المشترك وشركائه على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, لتسوية الأزمة اليمنية, من انتصار للواقعية السياسية, التي يُحسب للطرفين استجابتهما –بغض النظر عن التأخير- لإملاءات الخروج من المشكل الوطني في صيغة توافقية كسرت حدة الندية العدائية, وتخففت من أثقال النزعة الثأرية وهستيريا الإقصاء والاجتثاث. صحيح أن مجرد التوافق على التسوية –أو التوقيع عليها- لا يؤذن دفعة واحدة بتداعي كل التعقيدات والعراقيل والصعاب الماثلة أمامها, لكنه المدخل إلى حلحلة الكثير منها من دون ريب. ومع استحضار حجم التداعيات التي خلفتها الأزمة, وطالت أضرارها مختلف مناحي الحياة, بما في ذلك منظومة القيم الفكرية والسلوكية, قد يتعذر لدى كثيرين استيعاب أن مخرجات التسوية –في هيئة حكومة الوفاق الوطني وسواها- ستكون قادرة على فعل الشيء الكثير, لا سيما وأن تخلف أطراف لها وزنها في المشهد العام عن مارثون التسوية يسلب عنها عوامل مهمة للنفاذ والتحقق. ولكن, رغم كل شيء, ثمة ما يدعو للتفاؤل, ولو في حدوده الدنيا, إذ أن أية تسوية –مهما توافرت معطيات نجاحها- لا يمكن أن ترقى إلى مصاف الوصفة السحرية, فكيف إذا كانت بصدد الأزمة اليمنية الضاربة جذورها عميقا في اشتغالات القوى التقليدية على مدى عقود من التحالفات والتباينات, وليس عشرة أشهر فحسب؟!! * صحيفة "اليمن"