هناك، عند ميدان «تاموزينايا»، يتجمّعن بأعداد كبيرة مع حلول الليل، بعد نزولهن من أكثر من سيارة، إلى جانب بوابات حديدية تحرس مدخل ميناء المدينة قرب البحر الأسود. تقف «ماماشكا»، أي سمسارة إناث باللغة الأوكرانية، في الوسط، تناقش صفقة مربحة، فيما تتمايل أخرى شبه عارية بين زميلاتها. أهلاً بكم في أوديسا: الميناء الاستراتيجي في جنوب أوكرانيا وأحد ابرز المحاور الرئيسية لتجارة الجنس الدولية، حيث تسود حالة الفساد في صفوف الشرطة وظاهرة الجريمة المنظمة، وسوق نشيطة تُشترى فيها النساء، تُباع، تُخدع، تساء معاملتهن، ويُتاجر بهنّ في كثير من الحالات ليُنقلن الى حياة جهنمية خارج البلاد... نشرت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي دراسة هي الأكثر توثيقاً من أي وقت مضى حول الاتجار بالبشر، قُدّر فيها عدد ضحايا هذه الظاهرة بما يصل إلى 800 ألف يتاجر بهن عبر الحدود. أما النهاية فإما في بيوت الدعارة وإما في صالات التدليك في جميع أنحاء أوروبا الغربية، فيما تبقى الحصة الأكبر من فتيات أوكرانيا. ووفقاً للتقرير، فإن عدد الأوكرانيات اللواتي يُجبرن على ممارسة الدعارة «واصل الارتفاع» في العام 2010، وتم تهريب النساء بشكل روتيني من البلاد وإليها. ويعددّ كتّاب التقرير، البلدان المتورطة في هذا النوع من التجارة لتشمل من الدول العربية، الإمارات، لبنان، تونس وسوريا بالإضافة إلى تركيا وإسرائيل، فضلاً عن كل من روسيا، بولندا، ايطاليا، النمسا، اسبانيا، ألمانيا، البرتغال، الجمهورية التشيكية، اندونيسيا، كازاخستان، أذربيجان، اليونان، فنلندا، النرويج، الدانمارك، ايرلندا، قبرص، بينين، غينيا الاستوائية، البوسنة، كوسوفو، صربيا، المجر، بلغاريا، مولدوفا، سلوفاكيا، سويسرا، الولايات المتحدة، كندا، روسيا البيضاء، وبريطانيا. زيارة ميدان «تاموزينايا» تؤكد الخطورة الكبيرة التي تهدد المدينة... تقول أولغا كوستيوك، احدى الناشطات في جمعية «الإيمان الحب الأمل» الخيرية لمكافحة الاتجار بالبشر، إن «موسم الذروة» بدأ مع انطلاق الهجرة السنوية لآلاف من النساء للانضمام إلى تجارة الجنس في أوديسا. بعضهن اُرغم على ذلك كما تشير كوستيوك، او خدعن ببعض العروض للعمل في المكاتب، او العمل كعارضات أزياء أو حتى فرص عمل مربحة داخل الاتحاد الأوروبي... «ربما لم يعثرن على طريقة أخرى للعيش». في شرق الميدان، يتجمع عدد من النساء على امتداد شارع «كولونتايفسكايا». وهنا، يدفع المقامرون 40 يورو، ويُعدّ العنف ضد المرأة جزءاً من الروتين الاجتماعي، كما أن أعداد المفقودات نتيجة ذلك تستمر في الارتفاع. ميلا، (18 عاما)، تعترف أنها انضمت ل»المهنة» قبل 6 سنوات. «توفيت والدتي وفضّل والدي التخلي عني.. لم يكن بوسعي القيام بشيء آخر». زميلتها، كاتريا، (17 عاما)، التحقت بدورها إلى «العمل» عن عمر ال14، وتقول «أريد التوقف عن القيام بذلك، لكن لا يوجد فرص عمل أخرى». 9 من أصل 10 من مومسات أوديسا، يواصلن التعايش مع هذا العالم المنحرف نتيجة يأسهن من محاولات الفرار الصعبة. فعندما تحط أقدامهن في أوديسا، تفقد الفتيات حرية اتخاذ القرار، حيث تدير «مافيا» من السماسرة والتجار عملية استغلالهن و»تصديرهن»، بالتواطؤ مع العناصر الفاسدة في الشرطة، فضلاً عن تورط مسؤولين حكوميين في تجارة البشر بحسب التقرير الأميركي. وفي رصد للمشهد عن قرب في «تاموزينايا»، تقول النساء إن عناصر الشرطة يدفعون 4 يورو مقابل ليلة من الاستمتاع، فيما تؤكد اخرى ان سوء المعاملة لا يفارقهن. «يأخذننا إلى ضواحي المدينة حيث يغتصبننا ويضربننا، ثم يتركننا.. ولا أحد يحاسب لأنهم يرشون الشرطة»...