يقول الفيروزبادي في قاموسه المحيط: إن الفقه لغة هو "العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة"، وفقه المليونيات هو فهمها، ويقوم على ثلاثة عناصر هي: فقه المبالغة، وفقه الاحتشاد، وفقه المغالبة. أما فقه الاحشاد فيعني أن الناس تحتشد إما طواعية (كما حدث في مطلع 2011)، وهؤلاء من يمكن تسميتهم ثواراً وقد تم اكتساحهم، أو يحتشدون بأمر حزبي أو قبلي أو عسكري أو بأجر مدفوع نقداً، وهذا هو الغالب الآن، أي أن الحشود قد أضحت عملاً سياسياً لا طوعياً ولا عفوياً لتحقيق مصالح وأهداف بعينها. أما المغالبة فهي ليست جديدة علينا (أحدث مثال صارخ لها هو مغالبة إخوان مصر على سواهم رغم وعودهم المتكررة بغير ذلك)، فالكل في اليمن صار يحشد ويحتشد (وهذا ليس ضاراً إذا كان سلمياً)، في محاولة لاستعراض العضلات والاستقواء على الآخر والادعاء بأن هذا الحزب أو تلك المجموعة يمتلك أو تمتلك الشارع اليمني أو على الأقل جزءاً ليس بيسير منه، والحقيقة أن لا أحد يملك الشارع اليمني ولا أحد يملك المواطن اليمني، فالغالبية العظمى من اليمنيين لا شأن لهم لا بالسياسة ولا بالاحتشاد، ولا يعنيهم لا هذا الحزب ولا ذاك، ولا هذه المجموعة ولا تلك، بل جل ما يعنيهم لقمة عيشهم وحياتهم اليومية التي ما برحت تضيق عليهم وتزداد صعوبة ومرارة بسبب هؤلاء السياسيين وأحزابهم وتلك المجموعات وأنصارها، في سعي هذه الشخصيات والمجموعات والأحزاب للسيطرة على السلطة والثروة عبر كل الوسائل بما في ذلك استخدام الدين وفقه الكذب باسمه، أو استخدام الانتماء المناطقي وفقه الكراهية، أو استخدام الانتماء المذهبي وفقه التعصب، أو استخدام المال الداخلي والخارجي وفقه الحاجة، أو استخدام العنف وإراقة الدماء وفقه الشر، وكلهم يستخدمون أدوات إعلامية كاذبة في كثير من الأحيان. ذكرني الكبير يوسف زيدان في مقابلته الأخيرة مع إبراهيم عيسى بقول العظيم محمود درويش: اختلطتْ شخوصْ المسرح الدمويّ: لا قاضٍ سوى القتلى وكفُّ القاتل امتزجَتْ بأقوال الشهودِ, وأُدخل القتلى إلى ملكوت قاتلهم وتمَّتْ رشوةُ القاضي فأعطى وجهه للقاتل الباكي على شيء يُحَيِّرُنا... سَرَقْتَ دموعنا يا ذئب تقتلني وتدخل جُثَّتي وتبيعها ! أُخرجْ قليلاً من دمي حتى يراك الليلُ أَكثر حُلْكَةً ! واخرجْ لكي نمشي لمائدة التفاوض, واضحينْ. أرفع يديا مع كل اليمنيين إلى السماء مبتهلاً إلى الله العلي القدير أن يجنبنا ويلات السياسة والسياسيين، ويحفط اليمن واليمنيين.. إنه الحافظ القوي المتين. د. مصطفى يحيى بهران أستاذ الفيزياء النووية وميكانيكا الكم [email protected]