حملت التطورات التي شهدتها الساحة السياسية اليمنية خلال الأسبوع الماضي تعقيدات إضافية إلى المشهد المعقد أصلاً، وتمثلت بإعلان أحزاب المعارضة، المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك، وعددها خمسة أحزاب، تعليق الحوار مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من البدء، بعد عدد من الرسائل المتبادلة بين المعارضة والحزب الحاكم، وذلك لعدم جديته في الحوار وإشعاله لجبهات حرب جديدة، حسب تعبير المعارضة. بحسب رئيس المجلس الأعلى لأحزاب المعارضة حسن زيد فإن موقف المعارضة تعليق الحوار مع الحزب الحاكم مستمر حتى يجري النظر في المطالب التي تضمنتها رؤية المعارضة للحوار في رسالة بعثتها الأسبوع الفائت للحزب الحاكم، مشيراً إلى أن أسباب تعليق الحوار مع الحزب الحاكم تعود إلى تصعيد السلطة وحزبها للأزمات، خلافاً لما نص عليه اتفاق فبراير/ شباط الماضي، والذي يقضي بتهيئة المناخ السياسي قبل إجراء أي حوار.
ويرى زيد أن"أحداث زنجبار وإشعال الحرب في صعدة واستمرار الاعتقالات للناشطين السياسيين" من الأسباب التي دفعت بالمعارضة إلى اتخاذ قرارها هذا، معتبراً أن المعارضة تشترط "ضرورة تهيئة المناخ السياسي وتوفير الأجواء السليمة لحوار جاد ومسؤول"، إلا أنه أوضح أن "ما حدث في زنجبار وصعدة وغيرهما يعتبر تهرباً من الاتفاق وتدميراً لإمكانية توفير الثقة للبدء بالحوار".
وجاءت هذه التطورات لتشكل عقبة جديدة أمام التوافق السياسي الذي ينتظره اليمنيون للخروج من الوضع المعقد الذي تمر به البلاد، بخاصة مع التطورات الميدانية في مناطق مختلفة من البلاد، بخاصة الجنوب، الذي لا يزال ملتهباً بالتظاهرات والمسيرات التي تخرج يومياً إلى الشارع مطالبة بالانفصال و"فك الارتباط"، وكان التعبير عنها صارخاً بالمهرجان الكبير الذي نظمه في زنجبار بمحافظة أبين الشيخ طارق الفضلي وسقط فيها العشرات بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى اشتداد المواجهات المسلحة بين قوات الجيش وأتباع حركة الحوثي، التي تقود تمرداً ضد الدولة منذ أكثر من ست سنوات.
ويرى مراقبون أن موقف المعارضة الجديد الخاص بتعليق الحوارات مع الحزب الحاكم يشير إلى انسداد أفق الحل بين الطرفين، وهو مشهد يضيف تعقيداً إضافياً للمشهد القائم أصلاً على التوتر، ويعكس طبيعة الوضع في البلاد، حيث يضعها التطور الأخير أمام خيارات صعبة، لابد من إيجاد مخرج للخروج منه.
أزمة مركبة وفي وقت تستمر فيه الخلافات والتباينات بين فرقاء الحياة السياسية في العاصمة صنعاء بشأن الحوار وتفاصيله وأطرافه، تتواصل لغة التظاهرات والمسيرات في مناطق جنوبية عدة، بالإضافة إلى جبهة صعدة التي عادت إلى الاشتعال على إيقاع الخلافات الحادة بين السياسيين الذين لم يتفقوا على أساسيات الحوار، بعد أن كانوا قريبين من البدء به، بخاصة بعد أن بادر حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح إلى إعلان رغبته في استئناف الحوار مع أحزاب المعارضة المنضوية في إطار أحزاب اللقاء المشترك كسباً للوقت الذي بدأ يتسرب من أيدي الجميع، كما يقول قياديون في الحزب في رسالة وجهها الحزب إلى نظرائه في تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارضة قبل نحو أسبوعين.
ويرى مراقبون أن الحوار ومساراته السياسية مرتبطة بعمق الأزمة القائمة اليوم في البلاد، مع استمرار التوتر على جبهة الجنوب التي تزداد يومياً تعقيداً مع دخول أطراف داخلية وخارجية في ساحة الصراع، بالإضافة إلى تعقيدات الجبهة الشمالية في ظل عودة التوتر المسلح بين قوات الجيش وأتباع حركة الحوثي في صعدة، حيث تشكو قوات الجيش من عودة استحداث الحوثيين للنقاط التابعة لأنصارهم، فيما تشكو حركة الحوثي من عودة الاستحداثات العسكرية إلى مناطق الصراع التي تبدو أنها مهيأة لجولة جديدة من القتال، أو بمعنى آخر بدء حرب سادسة، بعد خمس حروب ماضية قتل فيها الآلاف من قوات الجيش وأنصار الحركة.
وفي حين تبدو مطالب الحزب الحاكم في قضية الحوار واضحة، وتتلخص في الشروع في الحوار بموجب اتفاقية شهر فبراير/ شباط من هذا العام، والخاصة بالانتخابات وتطبيع الحياة السياسية في البلاد، إلا أن المعارضة لا تزال ترى في موقف الحزب الحاكم تنصلاً من جوهر الاتفاقية، وتقول إن الحزب الحاكم يريد أن يقصر الحوار على قضايا شكلية، من أبرزها التحضير للانتخابات التشريعية، التي تم تأجيلها لعامين، ويتجاهل القضية الأساس، والمتمثلة في تسوية أرض الملعب حتى تتاح لكافة الأطراف السياسية ممارسة العمل السياسي فيه من دون عوائق.
يقول الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان، إنه لا بد من إشراك كل القوى السياسية في الحوار ولا يقتصر على الحزب الحاكم والمعارضة "من منطلق أن الأزمة الوطنية عمت البلاد كلها"، حسب قوله.
ويرى أنه "لا بد من حوار وطني شامل تشترك فيه كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وهذه مسألة موجودة في النقطة الأولى في اتفاق 26 فبراير الذي وقعنا عليه مع المؤتمر، لكن المؤتمر الآن يريد أن يعيدنا إلى نفس المربع القديم للحوار الثنائي وهذا يتعارض كلية مع الاتفاق الموقع".
ويقول إن المعارضة لا تضع شروطاً للحوار، إلا أن الرسالة التي وجهتها المعارضة إلى الحزب الحاكم الأسبوع قبل الماضي تضمنت رؤية المعارضة لحوار جاد ومسؤول، بدءاً من تهيئة الأجواء السياسية وإطلاق المعتقلين السياسيين ووقف المطاردات للنشطاء السياسيين والصحف والحريات بشكل عام، بالإضافة إلى وضع آلية لإشراك كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الحوار الوطني، على أن تكون القضايا وتعبيراتها المختلفة كلها حاضرة على طاولة الحوار.
لكن المؤتمر الشعبي العام، وعلى لسان رئيس دائرته الإعلامية طارق الشامي، ينفي وضع شروط جديدة للحوار من قبل أحزاب اللقاء المشترك المعارضة، ويقول إن الجميع يعلم أن هناك اتفاقاً بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة بمجلس النواب اشتمل على ثلاث قضايا تتعلق بالحوار حول تعديلات قانون الانتخابات وتطوير النظام السياسي والانتخابي واللجنة العليا للانتخابات، تم بموجبه التمديد لمجلس النواب لمدة عامين وتأجيل الانتخابات، على أن تتم مواصلة الحوار بعد إجراء التعديلات الدستورية من قبل مجلس النواب.
ويتهم الشامي المعارضة بعدم تجاوبها مع الدعوات لاستئناف الحوار، ويقول إنه "على الرغم من دعوات المؤتمر المتكررة للأحزاب الممثلة في مجلس النواب للجلوس على طاولة الحوار، إلا أن ذلك لم يلق أية استجابة بل إن أحزاب اللقاء المشترك الممثلة في البرلمان ذهبت بعيداً لوضع شروط جديدة ليس لها علاقة بالقضايا التي تم الاتفاق عليها للتنصل عن عمّا الاتفاق عليه".
جرح الجنوب لا يخفي الكثيرون، سواء في السلطة أو المعارضة، عمق الأزمة في المناطق الجنوبية من البلاد، بخاصة مع التداعيات الأخيرة التي شهدها الجنوب مؤخراً بمحافظة أبين، حيث قتل 24 شخصاً من أنصار الحراك الجنوبي وقوات الأمن أثناء مهرجان أقامه أنصار الحراك، ثم مقتل وجرح خمسة جنود في كمين مسلح لدورية أمنية في المحافظة نفسها.
ويعيد المراقبون السياسيون هذا التصاعد في وتيرة العنف في الجنوب إلى تضارب المشاريع السياسية في هذه المنطقة التي يتجاذبها أنصار الحراك الجنوبي وأنصار الوحدة، بخاصة بعد أن دخل نائب الرئيس السابق علي سالم البيض على خط الأزمة، وطالب بتدخل دولي لحماية أبناء الجنوب من السياسات التي تتبعها السلطة.
ويشير الدكتور ياسين سعيد نعمان إلى أن الحزب الحاكم، وعوضاً عن معالجة الاختلالات الأمنية التي تعم البلاد، اتجه جنوبا بافتعال مشكلة المواجهات في الجنوب من خلال المواجهات العسكرية التي تمت في أكثر من محافظة من المحافظات الجنوبية، وبالذات في ردفان والضالع وأبين، وواصل عسكرة الجنوب بالطريقة التي أساءت إلى مفهوم الحوار الذي كان يعتبر مخرجاً لكل هذه الأزمات.
غير أن المسؤول الإعلامي لحزب المؤتمر الحاكم طارق الشامي يرد على الدكتور نعمان بالتساؤلات عن الجهات التي تثير وتفتعل الأزمات في بعض المناطق في المحافظات الجنوبية والشرقية، وهل هم الذين يقطعون الطرقات وينهبون الممتلكات الخاصة والعامة ويقتلون المواطنين على البطاقة الشخصية ويثيرون الفتنة ويبثون الكراهية في أوساط المجتمع ويعتدون على أفراد القوات المسلحة والأمن ويستهدفون الوحدة الوطنية، أم السلطات المحلية المنتخبة التي تمارس صلاحياتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المجتمع والوحدة الوطنية؟
ويضيف الشامي: "هل أعضاء الحزب الاشتراكي وغيرهم من أعضاء اللقاء المشترك لا يخضعون للدستور والقانون والذي يتساوى المواطنون أمامه، بحيث يحق لهم ممارسة الأعمال الخارجة عن القانون ولا يخضعون لمحاسبة القانون مثلهم مثل بقية المواطنين، وهل يمكن لأي عاقل أن يصف تلك الممارسات الخارجة عن القانون بأنها تندرج ضمن النضال السلمي، فإذا كانت أعمال القتل والتقطع والنهب نضالاً سلمياً فما هي إذاً الأعمال غير السلمية؟"
ويرى الشامي أنه "إذا كان لدى قيادات اللقاء المشترك رؤية وطنية واقعية فليتقدموا بعرضها على طاولة الحوار بدلاً من اللجوء إلى أساليب المزايدة والمناكفة السياسية والاتجاه نحو التحريض على إثارة الفتنة والدفاع عن مرتكبي الأعمال والممارسات الخارجة عن القانون وإيجاد التبريرات لها".
ودخل الجنوب في دائرة اهتمامات مجلس النواب (البرلمان)، الذي عقد جلسة خاصة الأسبوع الماضي كرست معظمها لمناقشة الأوضاع في مناطقه، حيث دارت نقاشات ساخنة بين أعضاء المجلس، بخاصة أعضاء كتلة أبين البرلمانية والوزراء الذين مثلوا أمام المجلس للرد على استفسارات أعضاء المجلس بشأن الأوضاع في المناطق الجنوبية من البلاد.
وحذر رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع اليمني للإصلاح عبدالرحمن بافضل في إطار نقاشه للأزمة في الجنوب من تصاعد ظاهرة العنف والقتل في المحافظات الجنوبية، وقال إن "سقوط الدماء وإزهاق الأرواح سيزيد الأمور اشتعالاً وقد تغرق اليمن في مستنقع لا تستطيع الخروج منه".
وطالب بافضل ب "إصدار قرار يقضي بوقف العنف من طرف واحد وهو الأمن باعتباره المتسبب في عملية انحراف الاحتجاجات عن طابعها السلمي"، كما دعا لإطلاق عملية الحوار الوطني الشامل، مؤكداً أن "الحوار الجاد والمسؤول هو وحده الكفيل بحل مشاكل اليمنيين، لأن العنف يؤدي إلى مزيد من العنف ولن يحل قضية".
ويرى بافضل الأزمة أعمق من كونها شأنا داخلياً إذا ما استمرت حالة التجاذب القائمة اليوم بين فرقاء الحياة السياسية، وأضاف: "ما لم نقف مع أنفسنا وقفة جادة ومسؤولة سلطة ومعارضة ونحل مشاكلنا بأنفسنا فإن الأممالمتحدة ستتدخل لفصل جنوب اليمن عن شماله سلميا وحينها ستتعقد الأمور أكثر ولا نستطيع عمل شيء".
ولم تسلم الحكومة وتوجهاتها من انتقادات لاذعة من أعضاء الحزب الحاكم نفسه، فقد هاجم رئيس كتلة الحزب الحاكم سلطان البركاني ولأول مرة حكومة حزبه واعترف بفشلها في ضبط الأمن وانتقد خلال الجلسة ما اعتبره تسطيحاً للقضايا الأمنية في حديث نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن الداخلي الدكتور رشاد العليمي ووزير الداخلية مطهر رشاد المصري، وقال إن "أجزاءً من البلاد لم تعد مسيطرة عليها"، في إشارة إلى محافظة صعدة، التي قال إنه يشعر بأنها منسلخة عن بقية محافظات البلاد.
وتساءل عن "أسباب سكوت الحكومة عن صعدة وكأنها خارج نطاق الجمهورية وكأن الحوثي أخذها للأبد"، على حد قوله، مشيراً إلى أن "هناك مشكلات يجب الاعتراف بها وأن نعمل على حلها ونحن مستعدون للوقوف إلى جانب الحكومة إذا كانت جادة في التعامل مع القضايا".
المخارج والحلول لا يرى العديد من المراقبين من حل لانفراج للأزمة القائمة اليوم بين فرقاء الحياة السياسية إلا بالتوافق والاتفاق على أهمية الحوار كطريق وحيد لمعالجة الخلافات بينهم، وبالتالي ردم الفجوة بين مفاهيم كل طرف حول الحوار وأدواته والهدف النهائي منه.
من هنا يشير الكثير من المراقبين إلى ضرورة أن يستوعب قادة العمل السياسي حقيقة الظرف المعقد الذي يمر به اليمن، ودعت قيادات سياسية وحزبية ومستقلة وبرلمانية ومنظمات مدنية محلية ودولية ومؤسسات شاركت في ندوة عقدت في العاصمة صنعاء حول (الإصلاح السياسي بين المبادرات والمتغيرات الواقعية) حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم إلى الحوار مع جميع الأطراف السياسية، في البلاد من اجل الخروج من الأزمات الحالية.
ويشير المشاركون في الندوة التي نظمها المركز اليمني للحقوق المدنية بالتعاون مع الصندوق الوطني للديمقراطية إلى "أن الحوار يجب أن يشمل قوى الحراك في الجنوب والحوثيين في صعدة، فضلا عن الموقعين على اتفاقية الوحدة في إشارة إلى نائب الرئيس علي سالم البيض، الموجود حالياً في الخارج منذ انتهاء الحرب الأهلية العام ،1994 على أن يكون هذا الحوار تحت رعاية إقليمية أو دولية".
ويجمع المشاركون على أن "هناك أزمة سياسية خطيرة قد تجر البلاد إلى منزلق خطير ما لم تتحمل جميع الأطراف مسؤوليتها وتعمل على وثيقة إصلاح تستوعب تطورات الأحداث وتكفل للجميع حقوقاً متساوية وشراكة حقيقية".
ويرون أن "الحكم المحلي كامل الصلاحيات هو الذي يبنى على أساسه الحوار وهو مرشد لوثيقة الإصلاح السياسي"، مؤكدين أن "لجوء السلطات إلى القوة سوف يدفع بالحراك السلمي المدني الديمقراطي في جنوب البلاد إلى الخروج عن مساره السلمي ليأخذ طابعا عنيفا".
ودعا المشاركون أطراف النزاع في الجنوب والحوثيين والنظام على حد سواء الى "التوقف الفوري عن الاقتتال والسماح للعقلاء من السياسيين بأخذ زمام المبادرة وتقديم الحلول والعودة إلى طاولة المفاوضات، إذ إنه لا شيء غير الحوار سوف يخرجنا من أزماتنا"، على حد تعبير المشاركين.