الثلاثاء الماضي تناقلت وسائل الإعلام الرسمية خالد الهروجي خبراً تعتقد أن فيه بشرى للناس، وأنهم سيحتفون به أيما احتفاء، ولذلك بدا واضحاً اهتمامها بهذا الخبر من خلال إبرازه، وكثرة عناوينه وبخاصة في الصحف والمواقع الإلكترونية، وبالطبع وسائل الإعلام كانت مخطئة في ذلك الاعتقاد، لأن الخبر أثار قلق اليمنيين وزاد مخاوفهم وليس العكس.
فالخبر الروتيني المتعلق بالاجتماع الدوري لمجلس الوزراء، اكتسب أهميته بالنسبة لوسائل الإعلام الرسمية من أمرين: الأول أنه عقد برئاسة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وبحضور نائبه عبد ربه منصور هادي، والأمر الثاني يتعلق بمضمون الاجتماع والتوجيهات الرئاسية التي قضت بأهمية التقشف الحكومي لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
وتضمن التقشف الرئاسي السفريات الخارجية والمؤتمرات، والمنح الدراسية والعلاج في الخارج، وإيقاف تشييد المباني الجديدة، والمشتريات الكمالية، ومنها السيارات، وتحسين الأداء الحكومي، وتفعيل الرقابة والتفتيش لمحاسبة المقصرين واستئصال الفساد، وتصحيح أوضاع وزارتي التربية والدفاع وغيرها من مرافق الدولة، واستكمال نظام البصمة في القطاع المدني والعسكري والأمني، لإنهاء الازدواج الوظيفي.
المنطقي والطبيعي أن هذه التوجيهات تفرح، باعتبار أنها ستعالج الكثير من العلل الحكومية، وتقضي على الآفات الجاثمة على صدر الوطن منذ عقود من الزمن، والتي تمتص دمه قبل خيراته وموارده، غير أن ذات التوجيهات بالنسبة للحالة اليمنية، لها مفعول عكسي ومغاير لما يمكن أن يحدث في أي دولة من العالم، والحكم هنا ليس اعتباطياً بل يستند إلى عديد أدلة قاطعة.
فالتوجيهات الرئاسية التقشفية، تتكرر على مسامعنا كل فينة وأخرى، لتزيد الأوضاع تعقيداً وتفاقماً، بدءاً بالتوجيهات التي أطلقت لحكومة العطاس وتملك بموجبها كل مسؤولي الدولة وموظفيها السيارات التي كانت عهداً عليهم، لتقوم الدولة بعدها بشراء سيارات جديدة لهم جميعا، ومروراً بالتوجيهات التي تلقتها الحكومات التالية، والتي كان نصيب حكومة مجور منها أربعة توجيهات تقشفية، بعد تشكيلها مباشرة ومطلع العام 2009 وأواخر مارس 2010، والثلاثاء الماضي.
وتجربة المواطنين مع هذه التوجيهات مريرة، بعد أن أصبحت مقدمة مكرورة تسبق أي انتخابات، أو قرار برفع الدعم عن المواد الأساسية والمشتقات النفطية،كما أن كل توجيه منها يخفي خلفه مصيبة كبيرة، لا تقع إلا على رؤوس البسطاء، والمصيبة الأعظم أن هذه التوجيهات لا تنفذ، وفوق ذلك تفتح المجال للمزيد من الإنفاق والبذخ والفساد والسفريات وشراء الكماليات والبناء، ولو أن أياً من هذه التوجيهات نفذ، ما رأينا الموديلات الجديدة من السيارات مطلع كل عام، ولما أصيب الوزراء والمسؤولون بهوس تغيير الأسوار وتشييد البوابات العملاقة.
وأخيراً، كيف يمكن أن يستبشر الناس بالتوجيهات التقشفية، التي أطلقها الرئيس بعد عودته من بريطانيا التي زارها بالطائرة الرئاسية وبرفقته وفد كبير لحضور حفل تخرج نجله خالد من إحدى الكليات العسكرية؟!، ولو كان الرئيس جاداً لأوقف سيل التهاني التي تنشرها الصحف بهذه المناسبة .. وكشف الله بكم في الدنيا والآخرة!.