وجه بإلغاء بدل سفر الوزراء.. لكن إحصائية عشرة أيام فقط، أكدت أن الأمر يتحرك في الاتجاه المعاكس..! - ربما اشتهرت بعض خطابات الرئيس الجماهيرية بين الحين والآخر، وبالأخص منها تلك التي يبدو فيها حاسماً لأمر ما، يكون قريباً من هموم الشارع.. ليس لأنه يقدم فيها البشرى للجماهير، بل لأنه يوحي بذلك الشيء، وبمجرد أن ينتهي من خطابه يترسخ لدى بعض سامعيه أن العكس هو الذي يحدث تماماً. ربما بدأ هذا الأمر بالترسخ، حينما كان يتحدث عن الأسعار المشتعلة، ويوجه حكومته بضبطها، غير أن ما يتأكد بعد ذلك: أن الأسعار تزداد اشتعالا اليوم التالي مباشرة. غالباً ما كان ذلك الأمر يحدث بهذا الوضوح.. مارس الماضي، عقد الرئيس عدة اجتماعات هامة ومتواصلة مع الحكومة، وأفادت الأخبار الرسمية المنشورة، أن الرئيس ركز على عدة قضايا مهمة، طلب من الحكومة التركيز عليها.. وكان من بين تلك القضايا، قضية الكهرباء.. وبعد تلك اللقاءات بأيام (وتحديداً في 29 مارس) جاء خبر "سبا نيوز" – عبر الموبايل ضمن خدمة الرسائل الإخبارية - بأن الرئيس وجه الحكومة بسرعة إدخال المحطة الغازية – مأرب 1 – إلى الشبكة الوطنية، خلال ثلاثة أشهر.. وهي المحطة التي ستمد البلاد ب 340 ميجا وات من الكهرباء. (بما يعني تحسين خدمة الكهرباء بنسبة كبيرة، حيث يقدر العجز الحاصل – بحسب بعض التقديريات – ب (570) ميجاوات).. وإن هي إلا أيام، حتى ازدادت انطفاءات الكهرباء أكثر مما كانت عليه من قبل. وحتى اليوم – وبعد مرور الأشهر الثلاثة المفروضة تقريباً– لا توجد أية مؤشرات تدل على أن المحطة ستدخل في الخدمة. بل إن الأمر يزداد سوءاً مع اقتراب انتهاء الموعد الذي حدده الرئيس (يوليو القادم). وفي 14 مارس، خطب الرئيس في مؤتمر نقابة الصحفيين، ومن منبر الخطابة وجّه الحكومة ب"سرعة إنجاز قانون للقنوات الفضائية والإذاعية.." صفقت القاعة استبشاراً، كون ذلك يصب في اتجاه تعزيز وتوسيع أفق الحرية. لكن بدلاً من العمل على ذلك - كون التوجيه تضمن كلمة "سرعة إنجاز" - لم نسمع شيئاً عن هذا الأمر، منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ما سمعناه وعشناه، هو العكس تماماً: لقد سارعت الوزارة. بتقليص هامش الحرية المتاح، وقامت بمصادرة أهم الصحف المستقلة في البلاد. كما سارع وزير الإعلام – الناطق الرسمي للحكومة – باتهام بعض القنوات الفضائية الحرة بالعمل ضد سيادة البلاد..! على أن الأمر الأكثر أهمية، والذي توجب التركيز عليه هنا، هو تلك التصريحات التي أطلقها الرئيس في كلمته يوم (3 يونيو الماضي) من محافظة إب، أثناء افتتاحه أعمال المؤتمر الموسع للسلطة المحلية بالمحافظة. قال الرئيس إنه وجه الحكومة "بإلغاء بدل السفر على الوزراء، وتولي السفراء أعمالهم في الخارج" (سبأ نيوز). وبالطبع تأتي هذه الخطوة ضمن القرار التقشفي المفروض على الحكومة، لمواجهة العجز الحاصل في الموازنة العامة للدولة ( الذي ارتفع من 7.4 % إلى 9.6% خلال أشهر قليلة) بسبب انخفاض إنتاج النفط المحلي الخام. كما يأتي ضمن خطواته (التقشف) تصريحات الرئيس – أيضاً – المؤكدة على "أهمية مواصلة انتهاج سياسة تقشفية ومنع شراء السيارات والكماليات" ( 12 مارس - سبأ نيوز). لكن تصريحات الرئيس بمنع بدل السفر للوزراء، حذفت من خطابه المنشور في موقع الوكالة (مع أن هذه الفقرة أرسلت، في نفس اليوم،عبر خدمة أخبار الموبايل من الوكالة نفسها). ومع أن ذلك سيبدو غريباً، فهو يشي -ربما- بأن ما قاله الرئيس في خطابه العلني يجب أن يظل مجرد تصريحات، للاستهلاك العام فقط، ولا يجب أن يدخل ضمن القرارات التنفيذية. أو ربما أن جدية الرئيس في هذا الأمر، لم تعجب معدي خطاباته للنشر، كون مصالحهم المتوخاة من السفر ستتضرر، فحذفت الفقرة دون علمه. الحقيقة التي قمت برصدها، عطفاً على تلك التوجيهات الرئاسية، تكشف معنى أن يكون للرئيس توجيهات منفصمة عن الواقع. وبالمناسبة فإني لم أقم برصد ممنهج لجميع السفريات التي قام بها وزراء أو وكلاء أو مسئولين حكوميين للخارج، خلال الفترة التي أعقبت تصريحات الرئيس تلك، حتى اليوم. وما استطعت القيام به – بشكل سريع - هو رصد للأثني عشر يوماً الماضية من هذا الشهر فقط (يونيو). ولا أخفيكم أن البحث عن هذه المعلومات، تمثل بنظرة سريعة من واقع الأخبار المنشورة في الوكالة الرسمية للبلاد، ناهيك عن تلك السفريات "الخفية"، التي لم تحط بها الوكالة لسبب أو لآخر. أكثر من عشرين وزيراً ومسئولاً يمنياً، سافر إلى الخارج، خلال الفترة من 17 – 29 يونيو الحالي. وقد حظا بتلك السفريات الوزراء والمسئولون كما يلي: وزير الإعلام(سافر إلى القاهرة)، وزير التعليم الفني والتدريب المهني(الأردن)، وزير الأشغال العامة والطرق (الكويت)، وزيرة حقوق الإنسان (تونس)، وكيل وزارة التعليم الفني لقطاع الجودة والمعايير(تركيا)، نائب وزير التربية والتعليم(السعودية)، وزير التربية والتعليم(السعودية)، وزير الزراعة والري(كوبا).. إلى جانب الوفد المكوكي الكبير، الذي توجه إلى سوريا (27 – 28 يونيو)، والذي رأسه علي مجور – رئيس الحكومة – وضم كلاً من وزراء الوزارات التالية: الخارجية، شئون المغتربين، الصحة والسكان، المالية، الاتصالات وتقنية المعلومات، النقل، الصناعة والتجارة. إلى جانب المسئولين الحكوميين التاليين: مدير مكتب رئيس الوزراء، أمين عام رئاسة مجلس الوزراء. إضافة إلى رئيس وأعضاء اللجنة التحضيرية عن الجانب اليمني لاجتماعات الدورة التاسعة للجنة العليا المشتركة.. وبالتأكيد، فقد تضمنت تلك السفريات وفوداً يمنية مرافقة، لم يتم تحديد كمها، كون المعلومات المنشورة لم تحدد ذلك، وإنما كانت تكتفي بالإشارة إلى أن الوزير الفلاني كان يرأس الوفد اليمني...
وللأمانة، فإن بعض هذه السفريات قد تكون مهمة من جهة ضرورة تواجد الوزير أو المسئول المعني، كونها سفريات مخصصة لحضور مؤتمرات دورية هامة (عربية أو دولية) أو ربما للمشاركة في مهرجانات أو ندوات، نوعية، أو للبحث في أمور التنمية، أو لمناقشة القضايا الدولية الهامة..الخ. غير أن توجيهات الرئيس كانت تتحدث عن إلغاء بدل السفر. وهي بدلات بعضها – وربما أقلها للوزير أو المسئول – قد يصل إلى (10) آلاف دولار (أي ما يعادل تقريباً: 2 مليون ريال يمني). وإن لم يكن بالمقدور تجنب إلغاء هذا البدل نهائياً، فإنه من الممكن المتاح، تخفيضه أو تقليصه إلى حدود معقولة، على الأقل. كما يمكن – أيضاً – تقليص حجم وعدد الوفد الذي يسافر مع الوزير أو المسئول. وفي ظل غياب الشفافية، وعدم إقرار قانون الحصول على المعلومة حتى الآن، فإنه من الصعوبة بمكان كشف حجم ما صرف لتلك السفريات. وهو مبلغ لا بد وأن يكون مهولاً..! يدعم مثل هذا الجزم، أمران. الأول: تمتع كل وزير بصلاحيات واسعة للإنفاق من موازنة وزارته، من خلال وجود اعتماد مالي جانبي تحت تصرفه لمواجهة مثل هذه الأمور، وغيرها من النفقات، تحت بند النثريات وبدل السفر، وغيرها من البدلات الأخرى..ألخ. أما الأمر الآخر: غياب التدقيق المحاسبي والمالي بأسسه المعروفة. وهو ما يؤدي إلى تعميم تلك الصرفيات عند الرفع بالحساب الختامي لكل وزارة، وللحكومة بشكل عام.. وبحسب تصريحات أدلى بها الدكتور سيف العسلي (الذي كان وزيراً للمالية خلال الفترة: فبراير 2006 – ابريل 2007 ) في مقابلة تنشرها "المصدر" في هذا العدد، فقد أكد وجود عبث كبير في الموازنة العامة للدولة، موضحاً بأن الأموال تركز بيد الوزير ومكتبه والشئون المالية. كما لفت إلى أن هناك انحرافاً كبيراً "في المرتبات والأجور، مقارنة بالمكافآات والعلاوات، والنثريات وغير ذلك". وحيث استدرك:"فهذه الأخيرة الواقع أنها تفوق المرتبات المخصصة، بعشرة أضعاف، أحياناً.. ولا يحصل عليها إلا "علية القوم".. لقد بدأ الأمر، وكأن ما يقوله الرئيس، يجب أن يصل لمسامع الشعب فقط، أما المسئولين عن تنفيذه، فلهم برنامجهم الخاص، الذي لا يمكن التنازل عنه..