*إلى روح :عبد الحكيم هايل سيف ** سيارة "الشاص" في ذاكرتي وذاكرة الآلاف من النساء والرجال والشعب اليمني ، هي تلك السيارة القوية التي تتحدى الجبال والطرق الوعرة المرتبطة بالريف . رحلة "الشاص " عالقة في ذاكرتي ممثلة ب" شاص" الراحل عبد الحكيم هايل ..الأستاذ والمربي الفاضل في مدرسة النجد-هجري، الأعروق – تعز .. كان لها خط من "هجري" إلى مدينة تعز والعودة ، وكان يوم الخميس هو اليوم المرتقب .. حيث تظل النساء والأسر في المدينة في انتظار عبد الحكيم وشاصه ، التي تحط حمولتها قبالة دكانتي أبي وعمي علي الحجري "رحمة الله عليه" في حوض الأشراف ، وهناك يبدأ بفرز الكراتين و"القفف" والشوالات المحملة بالحقين ، واللحوح ، والكبن ، والفطير ، واللبأ ، والجهيش ، والمشاقر ، و" النعضة (النعناع البلدي )، وحبوب "الدخن" والدجرة ، وعيدان " الكبأ" والسمن البلدي ، ..الخ ، وكذلك الرسائل والأشواق ..الخ . وفي إيابه إلى القرية يرجع محملاً ، ب : الروتي ، والخضروات والفواكه و"الجعالات " والرسائل ، ..الخ ، ناهيكم عن مجاميع المسافرين من تعز إلى القرية والعكس ..هذه صورة "الشاص" في ذاكراتنا ، حيثما تحل يحل خيرها وبركاتها . شاص بن هايل مسالمه كصاحبها ، وكل من يطؤها ، تحمل السلام والمحبة ،الأشواق واللقمة ، وضرع البقرة الممتد عروقه من القرية إلى المدينة ، ضرع : الحياة ، والأمان ، ودفء العلاقات الإنسانية بين الناس ، هي نفس وظيفة "الشاص" في الكثير من الأرياف والمدن..وحتى بعد أن تغيرت وظيفتها من التواصل بين الناس إلى "شاصات" العنجهية والموت ، . ظل عبد الحكيم و"شاصه " يحملان نفس اخضرار القلوب والإناسة ،بين الريف والمدينة ، إلى أن دهمه المرض والموت قبل أن يتخطى الثانية والخمسين .. حافظ حكيم على وظيفة إنسانية ل"لشاص" ، كما المصنع الذي أنتجها (أهل اليابان ) ولم يحرفها لتكون أداة للموت والإرهاب و"القاعدة" .رحل عبد الحكيم ولم ترحل رائحة "شاصه" المحملة بكل إنساني وإناسي. ** ما الذي حدث؟ وكيف تبدلت قيمة "الشاص "، المعنى والوظيفة ؟ من دلالة الحب والشوق واللقمة واللبن والمشقر ، إلى "شاص" تنشر الرعب والموت والإفناء المنظم والعنجهية القبائلية في الريف والمدينة ، والصحراء والجبل ، في المقهى والمدرسة ، والمسجد ، وصالات الأعراس والتجمعات البشرية ؟!! الصلف المتوحش .. يقول ويمارس بأن "الشاص" هو: الحاكم ، الدولة ، القانون ، السلطة ، الثروة ، الثورة ، المدينة ، الآن و المستقبل ، الحزب ، الدين والتعليم ، ف"الشاص " :"رزقها على أسنة الجرامل والأثوار والرماح " وخصوصاً خطوط الكهرباء والألياف الضوئية ، والقنص والتفجيرات في كل مكان .. "شاص" اليوم التي تجوب المدن والبيوت والجبال والكهوف والصحراء ..عنوان للموت والهدم ، والحروب ، والعيب الأسود.. فاشيات الموت التي تذرع كل شبر من الوطن وتحصد في طريقها الحرث والنسل ،العنزة والبقرة والمشقر واللحوح ..الخ .."شاص" لترويع النساء والأطفال والمارة؟؟ تحمل على متنها كائنات غريبة لا نعرفها ، وكأن حوافر الماضي وإنسانه البدائي مثلت أمامنا وتوطنت لتحل بيننا . مشهد "الشاص " بقيمه الجديدة المنفلتة : كائنات كنا نرى صورها في كتب الرحالة الأجانب لليمن في القرن التاسع عشر ، كائنات مسلحة ب"البوازيك" وكل العتاد الحربي "تمشع " الشوارع المكتظة كما تمشع الجنبية لقتل أي مواطن على " عشرة ريال " هذا الكرنفال اليومي الموحش يجوب الحارات والشوارع ،الأزقة ،المدارس ،البنوك ، الحدائق ، المقاهي والتجمعات المدنية للأسر والعائلات . "شاص " اليوم هو " شاص" : اللادولة ، اللاحياة ، اللاتواصل ، اللاحكيم ، "شاص" مفخخة بالألغام من القاعدة والأعلام السوداء ، أداة النهب ابتداء من الروح وانتهاءً بالبنك والمتحف والمتجر .. أمان والخطيب : من ضحايا "الشاص" كل صباح نستفتح يومنا بهذا المشهد المكرور رتل من "الشاصات " المدججة بالأسلحة تعتليها كائنات موحشة بشعرها الطويل المغبر ب" القُعش" ، والملابس المتسخة ، والجنبية ، والرشاشات ، وأحزمة من الرصاص الكبير ، وجعب الرصاص والقنابل ..يتقدمها أو يتوسط الرتل سيارة مصفحة للشيخ ، ثم سرعة جنونية ، لا تأبه لإنسان ، ولا لإشارة مرور ولا طفل مدرسة أو امرأة أو رجل مسن .. "شاصات" وكأنها آتية من قعر صحارى البداوة إلى المدينة كغزاة يبحثون عن أي غنيمة يلتهمونها كما التهموا صنعاء في 1948 ، وعدن في 1994 . لقد قرأنا عن غزوة 48 لصنعاء ، لكننا اليوم نشاهد استباحاتهم يومياً وبمجانية مفرطة ، عند مرورهم نتحسس رؤوسنا حتى لانكون ضحايا ،ك : أمان والخطيب ، لا نغالي إذا ما قلنا أننا والشارع نتحول إلى نعش كبير .. الصدفة فقط هي التي تنجينا . ** يا حيوان ، يا " مسرول "، ما تبصروش موكب الشيخ : ** إنهم ينتقمون من المدينة وقيمها ، مثلما انتقموا من صنعاء وعدن وتعز وكل المدن ، لم تنطفئ ثاراتهم بعد من المدن .. إنهم ينتقمون من الرصيف ، والضوء ، والنساء ، واللافتة الضوئية ، وإشارة المرور والشجرة . الهمجية على متن الشاص تنتقم من كل ماهو مديني ومدنية ، فتحشر أرواحنا في فوهة بندقية الشيخ و"قعش " مرافقيه . ** "شوصنة المدن " كنا في السنيين الماضية نعرف من مصطلحات علم الإجتماع " ترييف المدن " أصبحنا الآن أمام مصطلح خاص باليمن "شوصنة المدن" ، وأتمنى من أساتذة علم الإجتماع دراسة الظاهرة "الشوصانية " المستبيحة للحياة والإنسانية . مطلبنا دولة : باسم تلك النساء اللواتي رأيت نجاتهن بأعجوبة من حوافر "الشاص" لكنهن لم ينجين من الشتائم والسباب والبصق من شبيحة المرافقين ، وباسم فجيعة أطفال المدارس في "شارع الزبيري " ووجوههم الهلعة المشدوهة ، وكأنهم يشاهدون فيلم رعب بطله "شاص الشيخ ".. أن توقف فاشية "شاصات" الموت ، توقف فاشية المرافق /الشبيح المليشاوي وتوحشه إزاء ما يلاقيه أمامه فيسحقه . ونداؤنا الذي يجب أن تشتغل عليه كل القوى المدنية ,وقوى الحياة ، هو: الرفض لمنظومة "الشاص" بكل قيمها ، "شاص" معدل 12/7 ، و"شوصنة المدن " يجب أن يتوقف وفي الحال للحد من الهدم والتخريب اليومي .. مطلبنا يرتبط بشرط وجود الدولة التي يجب على كل أفراد الشعب اليمني أن يساهم في بناءها ، وإلا سيواصل " شاص" الشيخ وقبيلته وعتادهما الحربي والديني تحويلنا إلى ديوان الشيخ : رعية وخدام للمعدل12/7 ، لتختلط على الإسفلت دمنا بدم الثيران ، ثم تذر على جثثنا أعراف العصبيات : القات ، العيب الأسود والعيب الأحمر ، وشاصات 2014وأسلحة ، وبضع زوامل وبرعات . أخيراً : لا تفرضوا منظومة أعراف "الشاص " كسمة من سمات الحضارة اليمنية الأصيلة بختم " اليمن يمان والحكمة يمانية " . وإلا كيف تشوفوووووا؟