الجنون في بلادنا مراتب، تبدأ بمبعسس، ثم قارح فيوز، ثم مرشح، ثم مدلوز، ثم مجنون خالص. والجنون أحجام مختلفة؛ أنت من زلطك شوف أحمدغراب الجنون اللي يخارجك. معانا: ربع خمدة، نص خمدة، مظلة كاملة. ونلفت عناية زبائننا الكرام إلى أن لدينا جنونا آخر صرخة، وبإمكانكم زيارة معارضنا في الجولات والاطلاع على أرقى الموضات التي نزلت السوق. وعلى شان المجنون يحصل على شهادة "التوفل" في الجُنان الرسمي؛ فالجُنون تعْلِمَة، ولا بُد للمدلوز المتقدّم أن يكون حاصلا على شهادة خبرة لا تقل عن خمس جُرعات، يليها عدّة كُورسات؛ تبدأ بِلقّاط مغاريف، وتنتهي بالتجوّل "ملط" في الشارع. تعلمونا جيدا يا أعزائي أن العاقل في اليمن شخص لا يسعى إلى نيل السعادة بل إلى تجنّب الشقاء قدر الإمكان. ومع ذلك فنحن أكثر شعب يمتهن الجنون؛ بدليل أننا أكثر بلد في عدد الحوادث، وأكثر بلد في عدد المطبّات، وأكثر بلد ينفق المليارات على عشب أخضر، وينفق 21 مليار ريال على الدّخان، ونستورد مبيدات بما قيمته 120 إلى 128 بليون ريال، فأي عقل تتحدثون عنه أيها السادة؟!! نحن فعلا في منتهى العقل، بدليل 30 مليون قطعة سلاح. زمان كُنّا نقول: لا تأمن المجنون وفي يده سكين، فماذا نقول اليوم ونحن نشاهد من يفترض أنهم عاقلون، وهم يتبادلون أعيرة نارية في شارع مكتظ بالمشاة، فيُردون طفلا بريئا قتيلا؟ مسلسل ثأر أعمى لا يتوقف، ونزاعات على أراضٍ تحصد عشرات الأرواح، ونسبة طلاق مُرعبة لأسباب أتفه من أن تُذكر، فأي عقل نتحدّث عنه؟ سياسيون يدورون في حلقة مفرغة من الحوار وأسلحة تتحدّث دون الحاجة إلى عقول. وكل الجنون يهون ولا جنون العظمة. لا يجب أن تخشى من أي جنون خارجي، "عدوك العاقل ولا صاحبك المجنون"، لكن من يوقف هذا الجنون اليومي؟ إذا كان رزق الهُبل على المجانين. نحن فعلا بلد الحكمة، لكنها تلك الحكمة التي نأخذها من أفواه المجانين!