مكالمة هاتفية من قبل جوزيف بايدن نائب رأي جريدة "القدس العربي" الرئيس الامريكي الى الرئيس المصري حسني مبارك ادت الى تأجيل اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية مرتين، لافساح المجال امام الجهود الامريكية لاقناع حكومة بنيامين نتنياهو بتأجيل استئناف الاستيطان في الاراضي المحتلة لمدة شهرين. الامريكيون يدركون ان السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله يواجه عملية تمرد داخلي في اوساط حركة 'فتح' التي ضاق عناصرها بهذا التعنت الاسرائيلي، وحال الهوان التي وصلت اليها السلطة وزعيمها، ولذلك قرروا انقاذ الموقف ولجأوا الى 'المخلص' الا وهو الرئيس المصري لمساعدتهم في الخروج من هذه الازمة كما جرت العادة، وكان لهم ما ارادوا. لا نعرف كيف سيتصرف الامريكيون مع حليفهم الاسرائيلي، ولكن ما نعرفه انهم يفضلون 'الجزرة' على العصا، لان من الواضح ان نتنياهو اقوى من باراك اوباما، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس. نتنياهو يملك السلاح الامضى في وجه اوباما، وهو السلاح نفسه الذي استخدمه نظراؤه في وجه كل الزعماء الامريكيين، اي اللوبي اليهودي الاسرائيلي وهذا ما يفسر تراجع الرئيس الامريكي الحالي عن مواقفه المتصلبة في شأن الاستيطان، وقبوله جميع شروط نتنياهو بما في ذلك تأييد المفاوضات المباشرة. الاغراءات الامريكية متعددة ابتداء من تقديم صفقات اسلحة حديثة، والقبول باسرائيل دولة يهودية، وانتهاء بالتدخل لمنع الدول العربية من الذهاب الى مجلس الامن الدولي للمطالبة بالاعتراف بقيام دولة فلسطينية مستقلة. وتردد في الامس ان ادارة الرئيس اوباما قدمت عرضا اضافيا لنتنياهو بعد رفضه الاغراءات المذكورة آنفا، يتمثل في اجبار الطرف الفلسطيني على القبول بقوات اسرائيلية على الحدود مع الاردن في حال قيام الدولة الفلسطينية. متحدث باسم الخارجية الامريكية نفى مثل هذه العروض، دون ان يتحدث عنها بالتفصيل، ولكن هذا النفي جاء عاما ومغمغما، ومن قبيل تهدئة بعض الاطراف العربية. وعلى أي حال الادارة الامريكية متعودة على نفي اشياء يتبين لاحقا انها صحيحة. الاستيطان في الاراضي المحتلة جريمة حرب وتطهير عرقي، علاوة على كونه مخالفا لمعاهدة جنيف، والقانون الدولي، والمنطق يقول ان من يرتكب جرائم حرب يجب ان يقدم الى العدالة، لنيل العقاب الذي يستحق كمجرم حرب لا ان يكافأ على جرائمه هذه مثلما تفعل الادارة الامريكية حاليا في استجدائها لنتنياهو لقبول اغراءاتها وعروضها واتخاذ قرار تجميد الاستيطان لمدة شهرين فقط. الذين ينتظرون نجاح عمليات الاستجداء والتوسل الامريكية لنتنياهو ليقبل بتمديد تجميد الاستيطان لمدة شهرين، هل سألوا انفسهم عما سيحصل بعد انقضاء هذه المدة، وماذا هم فاعلون اذا لم يتم تحقيق تقدم خلالها؟ المفاوضات مستمرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي طوال السبعة عشر عاما الماضية دون تقدم بل المزيد من الاستيطان، فهل من الممكن تحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية في شهرين؟
وزراء الخارجية العرب سيأتمرون بأمر حكومة اوباما، وسيقبلون بالصيغة التي ستتوصل اليها مع نتنياهو لتوفير الغطاء لاستمرار المفاوضات في ظل استيطان جزئي، وغير معلن. فهذه اللجنة، اي لجنة متابعة مبادرة السلام العربية تأسست من اجل هدف واحد وهو تلبية الشروط الاسرائيلية في استمرار المفاوضات والاستيطان معا، وكسر عزلة اسرائيل. فالهدف ليس اقامة الدولة الفلسطينية وانما شن حرب على سورية ولبنان وايران وانهاء المقاومة في فلسطين، والرئيس حسني مبارك يدرك هذه الحقيقة جيدا عندما قرر تأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب لترتيب الصيغة التي تريدها امريكا لابقاء الفلسطينيين على طاولة التفاوض لاطول فترة ممكنة.