لم تمض ساعات طويلة على دعوة الرئيس عبدربه منصور هادي مختلف الأطراف تناسي خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة من الاصطفاف حتى كانت صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الصالح بمثابة استجابة مسؤولة من قبل بعض تلك المكونات وفي مقدمتهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبعض أركان الأزمة ومنهم اللواء علي محسن وبعض قيادات التجمع اليمني للإصلاح وذلك في إشارة واضحةلاتخطئها الدلالة على أن ثمة بصيص أمل يبزغ من كوة الأزمة بمختلف تداعياتها. لقد أشاع هذا التواجد بين رموز الأزمة ارتياحاً واسعاً رغم الاجتهادات العديدة في تفسير هذه اللحظة التي قدمت إجابة على تساؤلات طال طرحها، خاصة وإنها جاءت في توقيت يحث على تمثل قيم الإسلام في تهذيب الروح من الضغائن وأهمية التكاتف والعفو والتسامح وبخاصة في هذاالظرف الاستثنائي الذي يمر به مسار التحول السياسي برمته. إن هذه الاستجابة السريعة والحكيمة من قبل هذه الأطراف لدعوة الرئيس هادي تتطلب -كذلك - جهوداًإضافية بهدف تعزيز حالة التقارب الراهنوذلك من خلال بلورة برنامج زمني متكامل يفضي في -نهاية المطاف- لأن يكون نواة لمشروع المصالحة الوطنية الشاملة..وبالتالي المساهمة في انجاز ماتبقى من المرحلة الانتقالية و وصول قطار التسوية السياسية إلى غاياته المنشودة التي يعلق عليها أبناء الوطن والاسرة الأممية كامل التطلعات في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام على كامل الأرض اليمنية.
لقد أكبّر الجميع الخطوة الأولى للمصالحة في جامع الصالح والتي من شأنها تدشين رحلة الألف خطوة على طريق تحقيق كامل أهداف هذه المصالحة القائمة على إرث حضاري من الحكمة..وهي ليست بضاعة مستوردة أو غريبة على أهل اليمن الذين تحلوا عبر التأريخ -وفي مختلف المحن- باستحضار الحكمة الملازمة لطبيعة هذه الشخصية وتكونيها الوجداني.
وفي نفس الوقت الذي يُكبر فيه المرء هذه البادرة على طريق استكمال المصافحة والمصالحة بين أطراف أزمة عام2011 م فإنها أكثر إلحاحً و طرح أمام الأفرقاء سواءً ممن شاركوا في مداولات مؤتمر الحوار الوطني أو ممن لم يلتحقوا بقطار التسوية حتى الآن،حيث لاتزال الفرصة سانحة حتى تكتمل صورة التوافق وتتجسد واقعاً يمثُل الحكمة التي أشبه ماتكون اليوم بضالة اليمنيين الحقيقية وهم يتلمسون طريق بناء اليمن الجديد القائم على معايير العصر والشراكة الوطنية الكاملة. *** ولست أخال لحظة الانشراح الروحاني الذي ضلل قلوب اليمنيين وسماء الوطن بالطمأنينة عقب صلاة عيد الفطر المبارك ..لست أخال تلك اللحظات إلاِّ في كونها تعبر عن سمو روح الانسان علي عبدالله صالح الذي كان سباقاً للمبادرة إلى اهتبال هذه الدعوة الرئاسية وتحفظه على المصافحة بالنظر إلى الضيم الذي لحق به وبخاصة من أقرب الناس إليه..وبالنظر أيضاً إلى فاجعة كارثة جامع الرئاسة في صحته وفي حياة كوكبة من طلائع البناء في اليمن وفي طليعتهم المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني ..وهي إشارة مهمة، ليس القصد منها التذكير بمرارة الألم والحزن أو استنهاض الجراح وإنما الهدف منها ينبع من منطلق الإشادة بجانب من مناقب الرجل الذي يضرب للآخر وعند كل منعطف دورساً بالغة الحكمة والدلالة في الانحياز إلى مصالح الوطن التي يرى -فيها على الدوام- أهم من جروحه الذاتية. الأمل أن يحتذي بهذا المسلك التصالحي بقية الرموز القيادية التي تحاول عبثاً إيقاف عجلة التغيير وإبطال مفاعيل مخرجات التسوية السياسية سواء من المشاركين في عملية التسوية أو أولئك اللذين ما زالوا يرقبون مشهد التحول من خارجه..على هذه الرموز والقيادات أن تتمثل موقف الرئيس السابق غلي عبدالله صالح للوفاء بمتطلبات المبادرة الرئاسية على طريق استكمال المصالحة والمصافحة وبالتالي إعادة البناء وبمشاركة كل اليمنيين دون استثناء.. كل عام والوطن أكبر من الجرح ..أكبر من القطيعة وأكبر من الأوهام!.