بعد كل ما جرى وما كان؛ ليس فقط من أمر ما سربه موقع ويكيليكس من وثائق على درجة قصوى من الأهمية؛ بل ما أصدره الرؤساء المعنيون بتأسيس الشرق الأوسط الجديد؛ كرئيس الولاياتالمتحدة "جورج دبليو بوش"، ورئيس وزراء بريطانيا "توني بلير"؛ وأعلنوا بالإنجليزي الصحيح الفصيح أنهم تآمروا على المنطقة بتزويرهم الحقائق واختلاقهم الوقائع ليدخلوا بجيوشهم إلى المنطقة وقولهم - في سياق ذلك - بشفافية مطلقة أنهم حضروا لحراسة مصالحهم في منطقة الخليج وحماية أمن إسرائيل، ولا يهم في سبيل ذلك أن تكون دماء مئات الآلاف وحتى الملايين من أبناء المنطقة وعشرات الآلاف من أبناء وطنهم فداء لهذين الهدفين النبيلين! بعد ذلك كله ما زال فصحاء "المارينز" من أبناء العرب لا يستحون. فما من مواجهات حوارية بينهم وبين الرأي الآخر - سواء في المنتديات المفتوحة أم على الفضائيات - إلا ويتهمون الآخرين بعدم الموضوعية، وتسلط نظرية المؤامرة على عقولهم، واتخاذها منهجا في الحوار مع خصومهم، حتى لو قدمت لهم ألف دليل ودليل بالوقائع والوثائق بأن كل ما يجري في المنطقة أو على الأقل معظم ما يجري قد تم التخطيط له مسبقا من قبل القوى العظمى سابقا والقوة العظمى الجديدة التي أرادت أن تضع نفسها بديلا لما تبقى من إمبراطوريات العالم القديم، وكبح جماح أية قوى دولية جديدة ناشئة. تُقدم لهذه النخب السياسية العربية من مريدي النظام العالمي الجديد حقائق تقسيم الوطن العربي ومختلف البلدان في مختلف القارات بالوثائق والتواريخ والأسماء، فلا يكون ردهم إلا أنك تنطلق من نظرية المؤامرة. تقول لهم إنهم بمخطط ما يسمونه الشرق الأوسط الجديد يهدفون إلى تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، وتعرض عليهم الخرائط المقترحة ومحاضر الاجتماعات التي عقدت لهذا الغرض، فلا يزيدون على القول بأنك مريض بنظرية المؤامرة، وأن كل شيء في العالم يسير بصورة تلقائية وبالشكل الطبيعي. وأفضل هؤلاء هو الذي يقول إن الخلل الموجود في بنية مجتمعاتنا وأساليب حكامنا ومعارضتنا في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي هي سبب ما تعرضنا له في التاريخ وما نحن فيه اليوم. وهذا القول صحيح جزئيا وله خلفياته الموضوعية والمنطقية، لكن تحريك واقعنا لم يكن قط تحت السيطرة المحلية البحتة، بل إن الجزء الفاعل في تحريكه هو القوى الكبرى سواء قامت به نفسها أم أنابت من يقوم به. أنا واثق أنه حتى بعدما نشره رئيسا أميركا وبريطانيا وأوضحا في مذكراتهما أساليب التآمر على بلدان الغير؛ فإن النخب السياسية التي ذكرتها لن تتزحزح عن موقفها من القول بأن الآخرين مصابون بنظرية المؤامرة. هل تعلمون لماذا؟ لأنهم جزء من المؤامرة؛ سواء إعجابا بالتجارب السياسية في بلدان القرار الدولي أم استحسانا للشيكات المصرفية التي تُصدرها بأسمائهم.