سمع الكثيرون ما قاله الأستاذ محمد حسنين هيكل عن أن أمريكا ستظل قوية لربع قرن قادم .. ولكن المحللين السياسيين والعسكريين عبد الجبار سعد والاقتصاديين في أمريكا خصوصاً لهم رأي آخر وإن كان الجميع مجمعين على حتمية سقوط أمريكا كإمبراطورية لكنهم يتفاوتون في تقدير المدى الذي سيتحقق به هذا السقوط .. فأقل مدى متوقع للسقوط هو ما توقعه الخبير الاقتصادي الأمريكي نيال فيرغسون الأستاذ بجامعة هارفارد وكاتب المقال الأسبوعي الشهير في صحيفة «لوس أنجيلوس تايمز»- صاحب كتاب:«الإمبراطورية- صعود وزوال النظام العالمي البريطاني والدروس للقوى العالمية». فقد تنبأ ب «الانهيار المفاجئ للإمبراطورية الأمريكية خلال العامين المقبلين». أمريكا سقطت عسكرياً في كل من العراق وأفغانستان وهذه الحروب التي خاضتها في العقد الأخير ومازالت غارقة فيها قد أفقدتها الكثير من حلفائها بعد توريطهم معها في تلك الحروب الخاسرة .. فقد خسرت الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين جسدياً وعقلياً ونفسياً.. بالإضافة إلى التكلفة العالية للحرب على مستوى المعدات والتقنيات والسلاح ..وعالمان اقتصاديان أمريكيان هما جوزيف ستيغليتز العالم الإقتصادي الحائز علي جائز نوبل، وليندا بيلمز الأستاذة بجامعة هارفارد، مؤلفا كتاب “حرب الثلاثة تريليون دولار" قدرا تكلفة هذه الحروب مابين 6-4 تريليون دولار وصححا الرقم الذي صدر في كتابيهما منذ عامين بعد إحصاءات جديدة أعلنها اتحاد المحاربين القدماء باحتساب نفقات رعاية الجنود الجرحى . وأمريكا سقطت اقتصادياً .. فديونها بلغت أكثر من 13 تريليون دولار في 2010 حسب المعطيات التي نشرتها وزارة الخزانة الأمريكية في يونيو أي حوالي 93 % من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.. ويتوقع مضاعفتها خلال العشر السنوات القادمة .. وبالإضافة إلى الانهيارات المتلاحقة للمؤسسات المالية والاقتصادية التي شهدتها الأعوام الأخيرة ولا تزال .. فقد قررت الحكومة الأمريكية طبع مايزيد عن ستمائة مليار دولار لتمويل نفقات الموازنة .. وعشرات آلاف المصانع والشركات أغلقت أو أفلست.. والعجز التجاري يتصاعد بوتيرة عالية ونقص ملحوظ لكل الصادرات غير الدفاعية .. وانخفاض سعر الدولار في مواجهة العملات الرئيسية الأخرى .. وزيادة عجز الموازنة المضطرد .. كل هذه مؤشرات لسقوطها الاقتصادي المريع.. وأمريكا سقطت سياسياً.. فكل جهودها لحل مشاكل العالم تصطدم بتعنت المتعنتين فتنصرف عنها ولكنها تتقدم حين يكون الأمر متعلقاً بالضعفاء، فمثلاً لم تستطع أمريكا رغم كل التهديد والوعيد أن توقف إسرائيل من مشاريعها الاستيطانية والتوسعية ولم تستطع أن تفي بالتزاماتها تجاه العرب في المساعدة بحل مشكلة الفلسطينيين .. ولكنها وبكل قوة وعنفوان استطاعت ان تفرض انفصال جنوب السودان عن شماله مستخدمة كل وسائل الضغط والإكراه والتآمر .. وأمريكا أصبحت مستباحة الأسرار والمواقف، فشخص واحد استطاع أن يفقدها اعتبارها لدى مائة وثمانين دولة في أنحاء العالم والفشل السياسي للحكومات التي نصبتها في بعض البلدان التي تحت سيطرتها ضاعف سقوطها السياسي . وأمريكا سقطت أخلاقياً .. فأكاذيبها التي سوغت بها احتلال العراق والتي شاركت فيها كل أجهزتها الأمنية والدبلوماسية والرئاسية .. وأساليبها في مواجهة الخصوم بدءاً من جوانتنامو مروراً ب«أبوغريب» وانتهاءً بالملاحقات والاختطافات للخصوم في أرجاء العالم واستخدام كثير من الدول للتعذيب وانتزاع الاعترافات من الخصوم في نطاق ما تسميه بحربها الكونية ضد الإرهاب ثم تبخر كل وعود الرئاسة الجديدة في تصحيح الوضع وأكثر من ذلك ممايتعلق ببلاد كثيرة هو هذه المعايير المزدوجة في تعامل أمريكا مع ما تسميه الإرهاب، ففي حين ترى أمريكا أن مجرد خطاب محرض ضدها من أي مكان في العالم يجيز لها استباحة حرمة بلدان بكاملها ترى بالمقابل أن سقوط الآلاف من غير الأمريكان في دولة كاليمن وغيرها على أيدي قتلة وعصابات منظمة أمراً خارج نطاق ماتسميه الإرهاب ويمكن للدول المستهدفة التعاطي معه بطريقة الحوار وغيره .. كل هذا جعلها تفقد كل اعتبارها أخلاقياً وسياسياً في كل أرجاء المعمورة .