لم يفاجئني مضمون التعديلات الدستورية خالد الهروجي الأخيرة التي قدمها نواب الحزب الحاكم لأنفسهم، ولم تفاجئني المشاهد التمثيلية التي ظهر فيها العديد من النواب وهم يناقشون تلك التعديلات، متقمصين الحركات الحماسية المتزامنة مع بعض العبارات الرنانة التي تؤكد بالطبع أن هذه التعديلات ستعزز التجربة الديمقراطية وتقوي عودها وترسخ جذورها في دار الرئاسة. أقول أن هذه التعديلات - وبخاصة ما يتعلق منها ب"تصفير العداد" الرئاسي، وهو مصطلح أخذ يتردد كثيراً على ألسنة السياسيين اليمنيين، ولا حتى "خلع العداد" حسب تأكيد الشيخ سلطان البركاني ومشروع التعديلات المقدمة- لم تفاجئني كما حدث مع الكثير من السياسيين والصحفيين والمراقبين والمتابعين. لأنني كنت وما أزال على يقين كامل أن فخامة الأخ الرئيس لن يترك كرسي الرئاسة طالما وهو على قيد الحياة، ولا حتى لنجله أحمد، والإصرار على البقاء في الحكم لا يتناقض طبعاً مع حلم التوريث الذي يسعى لتحقيقه من خلال نقل مقود اليمن إلى أكبر ورثته، لأن تسليم التركة يجب أن يتم بعد وفاته لا قبلها، وهو ما يسعى لتأمينه، أما أن يتحول من حاكم إلى مواطن في آخر أيامه فهو أمر في غاية الصعوبة حتى وإن كان "القائد" هو الخليفة. ولا فرق في نظري بين تصفير وبقاء العداد أو خلعه، طالما والتغيير الحقيقي بعيد المنال، ثم اسأل: من ذلك المغفل الذي كان يعتقد أن الرئيس سيترك الرئاسة طوعاً ويسلمها يداً بيد لغيره؟.. بالتأكيد المغفلون كثر، ولذلك هتفوا كثيراً لتمديد فترة الرئاسة من خمس إلى سبع سنوات، وقالوا أن هذا التمديد يرسخ الديمقراطية، وهتفوا أكثر لتحديد فترة الرئاسة بفترتين رئاسيتين فقط، وقالوا أن هذا التحديد يكمل حلقات المشهد الديمقراطي، وهاهم اليوم يهتفون لإلغاء التمديد والتحديد، ولذات المبرر القديم الجديد وهو تعزيز الديمقراطية وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، وهو عذر أقبح من ذنب كما يقال. ومن يتبنون هذه التعديلات نيابة عن الرئيس، أغلبهم أصحاب مصالح ويسعون لتثبيته على كرسي الرئاسة، مقابل تثبيتهم في مواقعهم والحفاظ على مصالحهم غير المشروعة، والقليل منهم حاضرون في الزفة ربما لقناعتهم بأن التغيير من سابع المستحيلات، حتى وإن لم يحدث تعديل دستوري كهذا، ولهذا فهم يبادرون إلى بوس اليد التي لا يستطيعون كسرها. صحيح أن المقايضة بين الرئيس وأصحاب المصالح قد لا تتحقق، غير أن المبادرة في حد ذاتها واثبات الولاء وحسن السمع والطاعة، سيكون لها ما يقابلها من التكريم، خاصة والقاموس السياسي اليمني حافل بالمجاملات التي تأتي دائماً على حساب الشعب ومصالحه. وبصراحة الرئيس كشف كل أوراقه دفعة واحدة من خلال هذه التعديلات، وأكد تخليه عن الأساليب التي كان يستخدمها لمثل هذا الغرض، كالمظاهرات والبرقيات والمناشدات التي كانت تطالبه بترشيح نفسه عندما يتقمص دور الزاهد في الحكم، اليوم الرئيس يقول: ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها، أما المعارضة فلتحمد الله أن الرئيس يسعى لخلع العداد فقط، لأنني أخشى أن "يشيلوا العدة أيضاً!!".